ذلك الشتاء القاسي

عصام كنج الحلبي |سوريا

قصة قصيرة 

شتاء 2014 ذلك الشتاء القاسي الذي لا أنساه ما حييت شتاء القهر والخوف والجوع والرّعب والبرد والخذلان..

تذكّرتها وأنا أحاول إقناع صاحب مستودع الأدوية بألّا يرمي (الكراتين) الفارغة في القمامة، وأن يتركها على الرّصيف, فأنا بذلك أوفّر عليه عناء حملها مسافة (100 متر) وصولاً إلى الحاوية, وهو بذلك يمنحني مادّة سريعة الاشتعال لتأجيج النّار في مدفأة الحطب.

هي لا تعرف أنّني أعاني مؤخّراً من مرض نفسيّ غريب, يعجز أطبّاؤنا المحلّيّون عن فهْمه أو حتى فهْم أعراضه, ولا تعرف أيضاً أنّني أعالج نفسي بالأساليب البدائية, كأن آخذ قيلولة في الماء المالح, أو أقرأ عدداً قديماً جدّاً من صحيفة محلّيّة وأندهش بالأخبار الرياضيّة وتوقّعات الطقس الّتي كانت تُـفرحني في الليالي الباردة عندما يصادف أن تكون الصحيفة صادرة في صيف 2007 مثلاً.

كأن أتسلّى أيضاً بقصّ (الكراتين) على هيئة أشكال هندسية, أستخدمها مثالاً حيّاً لإعطاء ولدي دروساً عملية في الرّياضيّات, ثمّ على هيئة أمنيات مؤجّلة ما يزال ولدي يرغب فيها, وما أزال أضيفها إلى قائمة الوعود الطويلة (غيتار مزيّف, لباس سبايدرمان, معدّات روبن هود, فرّوج مشوي على الفحم… إلخ).

لا أعرف لماذا تذكّرتُها, ولا أعرف أيضاً لماذا ارتبط ذكرُها بصاحب مستودع الأدوية والكراتين الفارغة.

مريومة مثلي, تحب قراءة كل ما هو مكتوب خارج الكتب (لوحات إعلانية, أرقام سيارات, ذكريات على الجدران, قصاصات الصحف القديمة وراشيتات الأدوية…).

مثلي أيضاً تحب (شوربة العدس بالماجي).

في طريقي إلى المطبخ قرأت على إحدى الكراتين المكدّسة في الصالون عبارة (حماه وباقي المدن السوريّة), كان الكلام قبل العبارة مغطّى باللاصق الأحمر الخاص بشركة القدموس.
كالعادة, دفعني فضولي لأعرف ما هو مكتوب.

وأنا أحاول نزع اللاصق الأحمر انتبهت إلى النّار التي بدأت تخمد في مدفأة الحطب تحت وعاء (الشوربة) فسارعت إلى قصّ الكرتونة لتأجيج النار من جديد.
وأنا أحرّك إبهامي وسبّابتي بسرعة حلّاق شاميّ عتيق وأراقب النّار المتخامدة في المدفأة, لم أنتبه إلى أنّني قطعت (حماه) إلى نصفين, ورميت (باقي المدن السورية) في الجمر الملتهب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى