قِدِّيسون ولُصُوص ( قصَّة قصيرة)

الدكتور موسى رحوم عبَّاس | أديب سوري يقيم في الرياض

( 1 )

بيبوري تلك البلدة الوادعة في الرِّيف الإنكليزي على نهر كولون، والتي قال عنها المعماري ويليام موريس بأنَّها أجملُ قريةٍ في إنجلترا، كانت تعيش هادئة، وكلُّ سكانها يعرفون بعضهم بالأسماء، حتى وصلتهم سِكَّة القطار، واندفع إليها السُّياح من كلِّ مكانٍ حتى امبراطور اليابان جاءها سائحًا، وبدأ المستثمرون ببناء الفنادق والمقاهي والملاهي الليلية، حتى تحولت لشوارعَ مزدحمةٍ ومعرض للغات الشرقية والغربية، قلت لآلن صديقي ومرافقي:

– دع عنك تلك الهرطقات التي تحشون بها رؤوس السُّياح، أعرف أن قريتكم هذه هي قرية مُهرِّبين ولُصُوص!

– لا أوافقكَ، يا صديقي( قالها بغضبٍ شديدٍ)

– كنتم تهرِّبون الشَّاي والنَّبيذ الفرنسي، وتتستَّرون على الهاربين من العدالة أو المهاجرين غير الشَّرعيين مقابل المال! حاولت خفض صوتي كيلا أزيد من استفزازي له! لكنه عاد لهدوئه بسرعة كعادته، وهو يستحثني على الانتهاء من شرب الشاي، لنتابع زيارتنا للكنيسة.ربما ليتخلص من لساني، أوقفني أمام قبر قال عنه لقدِّيس، وقرأتُ النصَّ على الرُّخامة السَّوداء المهيبة، أنَّه لرجل قُتِلَ في البحر على يد آخرين أثناء عملية تهريب، انفجرتُ ضاحكًا، فوضع يده على فمي، وهو يهمسُ بأنَّنا في بيت الرَّبِّ، قلت له همسًا أيضا: كيف يكون قدِّيسا من يُقتلُ في غمرةِ التَّهريب؟ شرح لنا الرَّاهب القريب منا – يبدو أنَّه سمع احتجاجي –  بأنَّ القدِّيس كان موظفا حكوميا قُتِلَ وهو يدافع عن القانون، لذا عددناه قدِّيسًا، التزمتُ الصَّمتَ، فأنا لا أعرف إنْ كان من قُتلوا وهم يُطبِّقون القانون أيَّ قانونٍ هم قدِّيسون، وعلينا أن نبنيَ على قبورهم المقامات! ونقرأ أجزاءً من الكتاب المقدَّس عندها!

في طريق العودة من الكنيسة مررنا بشارعٍ ضيِّقٍ فيه قبور ضئيلة تظلِّلها أشجارُ الصَّنوبرِ العتيقة، توقفتُ لربط خيط حذائي مُقتربًا من إحدى الشَّواهد، صُدِمتُ بالاسم المرقوم عليها، فهو” القدِّيس” نفسه الذي وقفتُ على ضريحه قبل قليل، هذه المرَّة ضحكة آلن  المُجلجلة هي من قطع صمتَ المفاجأة، فأخبرني أنَّ أهل الحيِّ الغربي يقولون أنَّه لم يكن موظفا حكوميا بل كان مُهرِّبا كبيرا، قُتل في حرب المهرِّبين للاستحواذ على تهريب الشَّاي، ولهذا وضعوا قبره أو مقامه الرَّمزي مع اللُّصوص والعيَّارين، وأكمل وهو يضحك، لابد أن نصدِّق الرِّوايتين، وعلى كلٍّ هي أحاديث وأساطير نرويها للسَّائح، أليس هو من يدفع المال؟!

( 2 )

كنتُ أنوي كتابة قِصَّة عن القديسين واللُّصوص، وطالما أنَّني من يَهَبُ شُخوصها الحياة، وأسيرُ معهم في الأمكنة التي تضمن لي السَّلامة، قمتُ بتهريب قِصَّتي وزمانها ومكانها وشخوصها إلى إنجلترا، وربما أفكر في إعادتهم لأرضهم في يوم ما! أرجو ألا يزعجكَم ذلك!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى