تجاعيد الماء (31).. رسائل لم تُكتب له 2

سوسن صالحة أحمد | شاعرة وكاتبة سورية تقيم في كندا

هل تذكر؟

أغانيها جمعتنا في لحظات جميلة، (فايق عسهرة)، وربما كان الجيران يسمعون صوتينا، يشدوان بالمعنى قبل الكلمات.

اليوم لما أفكر، كيف فَصَّصْتَ لي المعاني( فايق عسهرة وكان في ليل وهدي، والنار عمتغفى بحضن الموقدة)، ومن ثم شرح مستفيض لكل كلمة، المعنى ليس في الكلمات، المعنى الذي يخلقه الإحساس الحر بالكلمات.

ليل هدأ، وليلة شتوية تكاد تنطفئ نار كانونها لطول السهر، قلت لي: “يعني مابقا حطب، وكل شيء موجود اشتعل، الحطب مو حطب، الحطب قلوب”.

كل عمري أسمع هذه الأغنية كما كل ماصدحت به فيروزتنا، لكن حين استفضت بشرحها، كان لها وقعا آخر في نفسي، كثير من الفهم الواصل لي في هذه الحياة لك الفضل فيه، ( والعتوب مسافرة)، الله كم هو جميل تعدي العتب لشدة الحب والانشغال بما هو أكبر منه، ( ومافي كلام)، ترى ما هو الأكبر من الكلام في التعبير عن الحال؟ لما قلت لي ذلك خطر لي قول النفري” إذا إتسع المعنى ضاقت العبارة”، فأي معنى في هذه السهرة جعل الصمت سيداً فيها؟ ، حين يسكت الكلام حتماً هناك ما هو أهم و أكبر وأكثر تعبيراً عن حال اثنين في هذا الجو الشتوي البارد الدافئ.

(ولا هدي قلبك ولا قلبي هدي)، ” كل هالهدا و القلوب مش هديانة”، وإطراقة فكر مني تفسر ماتقول، مايهدئك أيتها القلوب؟ لأرتمي في حضنك أرجو هدأة القلب في صوت نبضك.

(ونام الحكي والناس وانهد السراج، وتكيت غصون الورد عكتف السياج، وفل القمر عضيعته وفلوا الدراج، وقلك بقاش بكير وتقلي قعدي).

مابقي حرف لم نحكهِ دون صوت، حتى تعب الكلام ونام كما نامت كل الناس ولم يبق سوانا في هذا الليل سهرانين نستقبل بوادر الصباح كما استقبلت أغصان الورد قطر الندى الذي أثقلها فاتكأت على سياجها تحت وطأة هدة التعب اللذيذ الذي ينسي التعب، ينسي كل شيء إلانا، الذين لانريد فراقاً (بقاش بكير)، ولم أقف لأمشي، (بقاش بكير)، وأنا متكئة على كتفك لا أرجو قياماً، (وتقلي اقعدي)، وأنا ما تحركت من مكاني، أي قعود يرجو أي قعود؟ .

كم كان المعنى لائقا لما نحن فيه حينها، الوقت يمشي بنا ولنا، مع المعنى يحضر ولا يغادر، غصون الورد التي (تكيت عكتف السياج)، طلع الصباح وأثقلها الندى فنامت على سياجها، كما نامت خصلات شعري على كتفك.

أتذكر؟ !

كنتُ أعشق الهمسة من فيروز، بل تنفسها، غير أن تلك العداوة بيني وبين أغنيتها تلك ما استطعت رغم التعب تجاوزها، هو تعب لايشبه تعب أغصان الورد، بل كتعبها لما تقطفها يد دون جدوى من قطفها، نعم أكره تلك الأغنية، حين كنتُ أتصل بك فأسمع رنين (النوكيا العادي)، وحين اتصلت هي بك لأسمع صوت فيروز تغني (زعلي طول أنا وياك)، فتجاوزت العتب، العتب الذي سافر مني، لا كسفره في تلك الليلة الشتوية التي عشناها كما ( فيقتنا عليها فيروز)، ليدوم زعلي دون حساب لطول الوقت أو قصره لأنه تجاوز الزمان وتمرد على المكان.

اليوم فقط أعتذر لفيروز، أغنيتك هذه أكرهها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى