هدهدة مستمرة

نهى الطرانيسي | قاصّة مصرية

هدهدات كبر عليها جسدي ، وعلى الرغم من بلوغي بضع سنوات بعد السبع فما زلت أستمر على الهدهدة. لست وحدي بل عائلتي جميعها تتقلب بين اليقظة والنوم على الهدهدات. أصبحنا لا يظهر من بيوتنا سوى رؤوسنا من الأفق ، أصبحنا نجلس أكثر من اعتدالنا واقفين، بيوتنا هي أسِرَّتُنا، عندما نمر بجانب الطريق ترسل أعيننا السلام للناس والشوق لطرق الأقدام على الأرض، هذا ما جُبل عليه والدنا ونحن من بعده. مأوانا مركب ٌيتهدهد بين أمواج النهر الناعسة وأحلامنا وئدت غرقا بين ضفاته. والدتي تمد أبي بالشباك منتظرين الفرج بصبر مرير، تعطيه ظهرها لتزيل سرائرنا التي ما هي إلا غطاء يسترنا من الهواء البارد والأعين المختلسة، تحضر عين الغاز الصغيرة لتقلي حبتي بطاطس مع شيء من الجبن بقي من عشاء البارحة. أصبحنا أخوات السمك الذي قل ظهوره وكأنه ترك لنا النهر وغادر عله يجد نهرا بلا أحلام طافية على السطح. نُلقي بأنفسنا في النهر للاستحمام قبل الذهاب إلى المدرسة الذي أصبحت متنفسا للجري ومشاهدة عوالم لا يتسنى لي مرآها من فوق سطح النهر ، كأوجه الناس وحديثهم وأحلامهم حتى الخيبات التي تعلو الوجوه عند مشاهدة الإعلانات وهي تنطق بلسان أناس لا ينتمون لكوكبنا الصغير. شق على أبي رؤيتنا نكبر ونبلغه طولا، ومازلنا نتهدهد على المركب وسرابيل الأماني مُعلقة في عنقه حتى كادت تخنقه، ما بين أمنية الحوائط الأربعة لتحفظنا وأخرى يُمني بها شقيقتي أنه سيجلب لها شيئا من اللحم نأكله اليوم. أعود أكتب ما درسته على ظهر المركب ولا أرى ما تعلمته بين السماء والنهر وأسائل نفسي تُرى أين أنا من تلك الدروس؟ وهل سأنظر للأفق يوما ما من شرفة منزل !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى