شيخ من زجاج

صلاح عويسات | أديب وقاص فلسطيني

قبل أن أعرف التلفاز، كنت مولعا بالمذياع ،وما زلت حتى اﻵن مستمعا جيدا له ،وخاصة للنشرات اﻹخبارية، المهم أني كنت ذا خيال خصب أرسم لكل شيء صورة في ذهني، بدءا من المذيعين إلى المسلسلات، وما يهمني اﻵن صورة رسمتها للشيخ ،لم أكن أتخيل أنه في استوديو في غرف زجاجية مع ميكروفونات، كنت أتخيله ، يتلو القرآن ويجلس تحت شجرة في روضة غناء، في ظل ظليل، يلبس القفطان والعمامة ،واﻷهم من ذلك أنه أعلى من مستوى البشر، زاهد في الدنيا ،لا تتجاذبه المصالح واﻷهواء ،ولا يخشى في الله لومة ﻻئم ،حتى أنه لا يأكل الطعام ولايمشي في اﻷسواق ،أو على اﻷقل أن ذلك الجانب الدنيوي غير ظاهر في سجل حياته …لكن تلك الصورة حين أظهرتها شاشات التلفاز والسينما خيبت اﻵمال وخاصة أن هناك حرص من بعض القائمين على تشويه الحقائق فصوروا الشيخ بأنه يحب الطعام كأشعب ،والنساء والمجون كأبي نواس ،ويتحلب ريقة على الدرهم والدينار،وأنه مجرد ممثل يؤدي دوره لساعات ،ثم يعود إلى أقل من الفطرة النقية الشريفة التي فطر الله الناس عليها، بل صورت أن شارب الخمر ومدمن المخدرات لديه ضمير ووازع من حب الوطن أكثر من ذلك الشيخ المفترض أن يكون قدوة!!

ولما كانت خبرتي ذاك الوقت في الحياة قليلة ،انتابتني حيرة ما لبثت أن زالت حين رأيت شيوخ الفضائيات بلطفهم وتواضعهم وكل محاولاتهم الجاهدة لنقل صورة جميلة صافية عن الدين ،وحين وثقت بكل شيخ وتفاعلت معه بكل إخلاص وتفان، تهافت كثير منهم أمام ذهب المعز وسيفه وما بقي إلا من رحم ربي على إخلاصه وأدائه اﻷمانة نصفهم في معتقلات الطغاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى