النرجسية الملعونة
الكاتبة المغربية| إحسان الوكيلي
النرجسية هي مزيج من الإستعلاء و الغرور و العجرفة الزائدة عن الطبيعة البشرية و هي اضطراب في شخصية الإنسان و انحراف عاطفته إلى الإفراط في الذات و الوقوع في غرامها حتى الموت و هنا نذكر على سبيل المثال اسطورة يونانية : كان فيها شخص يدعى “نارسيسيوس ” مبهر و فائق الجمال يوم ما رأى جمال وجهه معكسا على سطح الماء فوقع في حب و عشق صورته و لعجزه عن انتزاع نفسه من الماء بعيدا و نبتت مكانه زهرة سميت النرجس من هنا جاءت كلمة النرجسية.
و النرجسية أنواع متعددة : منها الصحية و الهشة و المنحرفة و الوراثية. فالصحية هي تقدير الذات و إعطائها قيمتها المستحقة بلا مغالاة .
النرجسية الهشة هي ضعف الشخصية و انطواءها و معاناتها مع نفسها و مجتمعها و تكون سيئة الطباع على العموم.
أما النرجسية المنحرفة بدأت منذ أن خلق الإنسان و ستبقى على مر الزمان فأول من استعلى على الإنسان هو إبليس لما أمره الله عز وجل بالسجود لآدم رفض و قال ” أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين ” ، و فرعون قال لقومه “أنا ربكم الأعلى ” ، فالشخص النرجسي كائن متعدد الوجوه و الشخصيات ، خارق الذكاء ، و الدهاء مجرد من الرحمة و الشفقة عديم الضمير ميت القلب ، مبدع ماهر في جميع أنواع الخداع و الحيل و الكذب و المكر و الغدر و النفاق و الشذوذ ، مستبد ، مستغل ، جاحد ، غيور ، حسود ، حقود ، حرباء إنسانية يحب أن تسلط عليه كل الأضواء و يكون محطة أنضار و تمجيد و مدحه و الثناء عليه ، فهو صاحب الرأي الحكيم و الذكاء الخارق بل الأفضل و الأقوى و الأجمل يضن نفسه محور الكون ، له رغبة مميتة في الشهرة سواء سيئة أم جيدة ، ديكتاتوري لا يتقبل النقد أو المعارضة و لا أية مرآة أمام وجهه ، مطاع الأوامر ، الأمر الناهي و الحكم القاضي صاحب العضمة و الهيمنة المطلقة ، هتلر و ستالين و فرعون زمانه ، لا مجال الأخرين في تصحيح أخطائه أو يلومه أو منافسته أو انتقاده أو إظهار عيوبه فهو يتمتع بقدرات كبيرة و أحصنه قوية للإندماج في المجتمع ، كتير الإنشغال بالمبالغة في إنجازاته حتى و لو كانت بدون قيمة ، فهو قليل الصبر داهية في المكر متمرس خبير مختص في مجاله يمتلك قوة الإقناع و الحجة و التلاعب بمشاعر الآخرين و برمجة عقولهم ، يرمي بمساوئه و أخطائه و مشاكله و عيوبه على من حوله بالحجة و الدليل هو متقلب المزاج و الطباع يجعل من شريكته فريسته عندما يريد اصطيادها يستجيب لكل رغباتها و يحقق لها كل مطالبها و يمشيها على بساط السعاده و الحب و الطمأنينة و الأمان حتى تصبح مدمنة طباعه المزيفة لكن عندما يتمكن منها و يسلبها كل طاقتها و يمتص دماءها و يصل لمبتغاه يجر البساط من تحت قدميها فتسقط مصعوقة فوق أرضية الواقع المر ، فيذهب للبحث عن فريسة أخرى و هكذا فروحه تتغذى و تتلدد و تتمتع بعداب الآخرين .
هو مريض القلب مسمم الدم ، قال تعالى “في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ” حبه للتملك و السيطرة و العنف و البطش و العدوانية يجعل منه آلة تدمير تعتمد على الفتنة الكبرى و إشعال نار الخلافات التي تهدم الديار و يموت فيها العمار و يسود الدمار للوصول لأهدافه و تحقيق غاياته و قال تعالى ” يفسدون في الأرض و لا يصلحون ” .
فهذه الشخصية النرجسية المنحرفة تكون قد ترعرعت في بيئة مختلة و وسط غير متوازن و غير طبيعي عانت من كل أشكال الحرمان النفسي و الجسدي من عدم الاهتمام و الإهمال و الفقر و الهجر و إلغاء القيمة و الاحساس بالضعف و العار و الخزي و القمع و الإقصاء التام .
كل هذه المعاناة و المعطيات لاتنتج عنها سوى شخصية مضطربة إلى أقصى الحدود و مجنونة بحب نفسها حتى الموت ” لأن فاقد الشيء لا يعطيه ” و “الإنسان ابن بيئته ” ” و من لا يرحم لا يرحم ” .
لذا فالإنحراف النرجسي هو من آفات النفوس لا يمكن علاجه و لا التعايش معه لأنه مستحيل التعامل و الإرضاء لهذا فالحل هو الهروب منه و تجاهله و بناء حصن منيع بينك وبينه لحماية نفسك من جبروته و طغيانه بل آركب سفينة نوح و أنج بنفسك من طوفانه.
ملاحظة: النرجسية هي موضوع تناوله عدة متخصصين في المجال من دكاترة و علماء النفس و كتاب أجلاء أبدعو لنا في شرحه بالكمال و التمام جازاهم الله خير الجزاء .
أما هذا المقال فهو فقط بمتابة تذكير للقارئ بهذه الشخصية التي أصبحت تتكاثر في عالمنا الحالي و المادي ” و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ” .