أفشوا السلام.. ينبت الحب بينكم

د. عادل المراغي | أكاديمي مصري

شرعت المصافحة واستن السلام بين البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وثقافاتهم كي تستمر الألفة، ويستمر التعايش بين البشر بسلام وأمان واطمئنان. نعم إفشاء السلام يولّد المحبة والألفة، ويرتكز على التسامح الفطري، وينشر شذاه ندياً عطراً طيباً. لكن للأسف الشديد نرى بعض الأشخاص لا يعرفون هذا المصطلح وقيمته الاجتماعية والنفسية، وآثاره السلبية، مثلاً أحد المسؤولين إذا ما دخل مكتبه ترى وجهه عابساً لا يلقي السلام، ولا ينطق بتحية، ولا يردها أو بأحسن منها. وحدثني صديق لي أنه كان يعمل في مؤسسة وهو حديث العهد في الوظيفة، فجأة دخل عليهم رجل عابس الوجه مقطب الجبين حائر النظرات، التفت إلى جميع الموظفين شذراً، ثم خرج وأقفل الباب، فوجئ هذا الموظف الجديد وأخذته الهواجس وظن أنه المعني، وازدادت هواجسه بعد أن طرق المسؤول مرة ثانية باب المكتب في أقل من دقائق معدودة، نظر صوب الموظفين ورمقهم بنظرات مريبة كأنهم متهمون. مثل هذا المسؤول دون شك إذا تقدم أحد وصافحه سوف يصافحه بأطراف أصابعه، وإن رد السلام فإنه يرده سريعاً، حيث يسمع الرد على هذا النحو «سلام سلام»، لا أدري ما تفسير ذلك: هو كبر أو غل أو تعالٍ. إن هذا التصرف منبوذ، فالإنسان الذي لا يستطيع التكيف مع المجتمع وأناسه بطرح السلام ونشر التعارف والتواد حتماً به خلل تنبغي معالجته لدى المتخصصين، وإلا سيكون هذا الشخص منبوذاً من الغير، ومن جميع أفراد المجتمع.
إن إفشاء السلام هو المفتاح الحقيقي لكسب القلوب، فإن فتح قلوب العباد بالسلام عليهم سلاماً طيباً وابتسامة مشرقة في وجه من تلقاه على أن تكون سباقاً لهذا الخير، يزرع الله سبحانه وتعالى محبتك في قلوب الآخرين، وييسر لك طريقاً إلى الجنة، وفقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
و للسلام فوائد عدة نذكر منها: 1- فيه امتثال لسنّة النبي عليه الصلاة والسلام. 2- إحياء سنّة آدم عليه السلام. 3- من علامات الإسلام. 4- من حقوق المسلمين على بعضهم بعضاً. 5- من أسباب حصول المحبة. 6- من أسباب دخول الجنة. 7- من خصائص أمة الإسلام. 8- أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام. 9- من أسباب مضاعفة الأجر. 10- من أسباب حصول البركة. 11- من أسباب حصول السلامة. 12- السلام اسم من أسماء الله الحسنى. 13- صدقة على الناس. 14- من موجبات مغفرة الله.
ومن آداب السلام: 1- إذا لقيت أخاك المسلم فبادر بالسلام. 2- أن تسلّم على من عرفت ومن لم تعرف. 3- إذا سلّم عليك المسلم فرد التحية بمثلها أو بأحسن منها، وليكن ببشاشة وجه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». رواه مسلم. 4- لا تقل أبداً «عليك السلام» فإنها تحية الموتى. 5- الراكب يسلّم على الماشي، والماشي يسلّم على القاعد، والصغير يسلّم على الكبير، والقليل يسلّم على الكثير.
وقد يكون السلام مع المصافحة وهي من الآداب الإسلامية التي وعد الله بالأجر العظيم والعطاء الجزيل سنّة المصافحة. فالمصافحة يغفر الله بها الذنوب والخطايا لقوله عليه الصلاة والسلام «إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلّم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر». سلسلة الأحاديث الصحيحة 526. وقوله عليه الصلاة والسلام «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا». رواه الترمذي
ويكفي أن السلام اسم من أسماء الله، فالله هو السلام، ومنه السلام، والسلام فضله عظيم عند الله، وفوائده للمسلم جمَّة وغفيرة، فالآيات والأحاديث في فضله والحث عليه كثيرة؛ ولكن نكتفي هنا بذكر ما نستشهد به على ما نتحدَّث عنه؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [النور: 61].
فهو تحية مباركة طيبة، وماذا تتوقَّع لك ولمن سلمت عليه أن يحدث لكما إثر هذه التحية المباركة الطيبة؟! يكفي منها اسمها، فهذا قول الله عنها، أما أقوال الرسول عن السلام، فمنها:
عن البراء رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفشُوا السلامَ؛ تسلموا)؛ رواه ابن حِبَّان
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفشُوا السلام بينكم) رواه مسلم وإفشاؤه سبب لبركة الله؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلِّم؛ يكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك)؛ رواه الترمذي
وفي موطأ مالك أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره: أنه كان يأتي عبدالله بن عمر، فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرَّ عبدالله بن عمر على سَقَّاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين، ولا أحد إلا سلَّم عليه، قال الطفيل: فجئت عبدالله بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟! قال: وأقول: اجلس بنا ها هنا نتحدَّث، قال: فقال لي عبدالله بن عمر: يا أبا بطن – وكان الطفيل ذا بطن – إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقينا).
فالسلام مفتاح عظيم من مفاتح القلوب، وبه تُطفأ حرارة الغضب، وتزيد المحبة، ويرتفع الإيمان، فلا تتخلَّوا عنه ما حييتم، ولا تستبدلوا به أي لفظ ما بقيتم، جعلني الله وإياكم من أهل السلام.
السلام علي الجميع
والسلام يكون على الكبير والصغير، والحر والعبد، والأبيض والأسود، وعلى مَنْ عرَفتَ، ومَنْ لم تعرف، هو منهج سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

أثر السلام على الصغير:

كان عليه الصلاة يمرُّ على الصغار، فيُسلم عليهم ويُداعبهم، وربما أركبهم معه على راحلته ليُدخل السرور في قلوبهم، فكثيرٌ من الناس لا يعرف المعاني التي يغرسها السلام في قلوب الآخرين، وربما دخل المجلس فسلم على الكبير وتجاوز الصغير، بدون مصافحة ولا سلام، فكسر خاطره، وغرس في قلبه كرهًا لا ينساه ما دام حيًّا؛ لأنه جعله أقل الحاضرين قيمةً وقدرًا، ومَنْ يُعامل الصغير بالسلام مع بسمة لطيفة وأحلى كلام، نال منه التقدير والاهتمام.
قال الشاعر:-
يا ذا الذي ترك السلام تَعَمُّدًا
ليس السلام بِضائرٍ مَن سلَّمَا
إن السلام تحيّة مبرورةٌ
ليست تُحمِّل قائلًا أن يأثما

و السلام تحيَّة رضِيها الله لعباده:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلَق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلِّم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل مَن يدخل الجنةَ على صورة آدم، فلم يزل الخَلْق ينقص حتى الآن) رواه البخاري ومسلم
والسلام تحية أهل الجنة:
قال الله تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، وقال سبحانه: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]، وقال جل شأنه: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، وقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26].
واليهود يحسُدُون المسلمين على السلام:
روى أحمدُ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما حسَدَتْكم اليهود على شيءٍ ما حسَدَتْكم على السلام والتأمين)
وإلقاء السلام من حقوق المسلم على أخيه:
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميتُ العاطس))؛ رواه البخاري ومسلم
وتبليغ السلام أمانة من أهم الأمانات.
روى عبدالرزاق عن معمرٍ، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن رجلًا أتى سلمانَ الفارسي فوجده يعجن، فقال: أين الخادم؟ فقال: (أرسلته في حاجةٍ، فلم يكن لنجمع عليه اثنتين، أن نرسله ولا نكفيه عمله)، قال: فقال الرجل: إن أبا الدرداء يقول: عليك السلام، قال: (متى قدمت؟)، قال: منذ ثلاثٍ، قال: (أمَا إنك لو لم تؤدِّها، كانت أمانةً عندك).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى