تساؤلات مؤلمة.. الواقع والتاريخ السوري

مجد أحمد القادري | سوريا

اشتهرت سوريا قديماً بعلمائها ومفكريها وأدبائها وشعرائها وفنانيها ومازالت تضمُّ عدداً ليس بقليل منهم، ومنها يلد جيلٌ بعد جيل يتميزُ بعلمه وثقافته وفكره وفنه الجميل ويزاحمُ الكثير في عوالم العِلمِ والفكرِ والجمال، ففيها فكر راق، وثقافة إنسانية راقية، وعلمٌ لا ينضبُ معينه، حتى رجال الدين، مسلمين ومسيحيين، في سوريا يرتقون بفكرهم وعلمهم وانفتاحهم على غيرهم أكثر من رجال الدين في دولٍ أخرى، وحتى العلمانيين السوريين هم أرقى من غيرهم بكثير في انفتاحهم وفكرهم التنويري.
سوريا جميلة جداً، يا أصدقائي، في الفكر والأدب والفنِّ وببلادها وطبيعتها، لكن لا يُصدُّرُ لكم إلا فكرُ العاقين من أبنائها وفعلهم.
ولا تظنوا أنني أراها كلها قبيحة حين أنتقدُ بعض الثقافات التي فيها، فلقد عرفت الكثير من أصحاب الفكر الجميل والإنساني والعلميِّ في الكتب وفي حياتي، في جامعة دمشق التي أدرس فيها، وقد منَّ الله علي وتفضّلَ في مقابلة بعضهم، وبأن أتعاملَ معهم من دكاترتي وأساتذتي وزملائي، وكذلك أصدقائي المثقفين في هذا العالم الأزرق.

ربما غيري لا يرى مثل ما أراه، فإما أن يكون مثالياً لا يرى في سوريا إلا ما هو جميل ويعتبر ما يحدث هو طارئٌ وعرضيّ بفعل مؤامرات خارجية وستزول قريباً أو بعيداً، وإما أن يكونَ سوداوياً لا يرى فيها إلا القبحَ والقبيحَ، فاهتزت ثقته بما في سوريا من خيرٍ وجمال فيسعى إلى تشويه بلاده ما استطاعَ إلى ذلك سبيلا.

وبغض النظر عن الجمال والقبح اللذين فيها، ففي كل البلاد هناك الجميل والقبيح والزين والشين والغث والسمين، فإنني أتساءلُ دوماً وفي القلبِ ألمٌ وفي الصدرِ حزّةٌ: لماذا يُحارب العِلمُ والأدبُ والجمالُ والفنُّ في سوريا ويُعتم عليها إلى هذه الدرجة؟! لماذا يُحارب المثقف أو المتعلمُ في صعوده ونجاحه حتى يسلكَ طرقاً ملتوية، فيصلَ إلى هدفه إما فساداً وإما سوياً شريفاً يعاني ما يُعانيه في دربه ومشواره؟! ولماذا تسود في سوريا ثقافة السياسة والتجارة، وثقافة الطعام، وثقافةُ الدبكات؟! والثقافات الأدبية والفنية والعلمية والدينية الأصيلةُ تبقى خجولةً خافيةً، وكأنها أصبحت أشياء يُخجلُ منها في هذا الزمان! سوريا ليست في الطعام والدبكات يا أصدقاء، بل هي علمٌ وثقافة وحضارة عريقة. ولماذا تتجه شعوبنا ويتجه شبابنا نحو السخفِ والسطحية والسخرية المريرة من كل شيء، حتى من الجديِّ والعلمي في السنين الأخيرة؟! هل هي محنة سنين التيه والعجاف التسعة التي فعلت بنا ما فعلت فضغطت علينا وجعلتنا نلجأ إلى هذا السخف وتلك السطحية والسخرية التي هي ملاذ الشعوب البسطاء أمام قوةٍ قاهرةٍ؟! أم هي ذلك من قبل دخول الملتيميديا حياتنا وكان ذلك غائباً عنا؟! أم أن هناك مؤامرات كونية من دول العالم تركت بلادها وشعوبها وتسعى حثيثةً ليلاً نهاراً إلى تعتيم ما هو جميلٌ وراقٍ وعلميٌّ وثقافيٌّ لدينا، وتنشر بيننا ما عدا ذلك؟! أم هناك أسباب أخرى تعمل على تسطيح الأدمغة وتفرض سياسة التجهيل والتسخيف على الشعوب؟!

لك الله سوريا، ولشعبك السلام والأمان، ولك النصر على الجهل والتخلف والسخيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى