الصراع الإنساني وسنن التدافع

د. يحيى عبد الله | أكاديمي موريتاني

إذا كان الإنسان قديما وحديثا هو كياني اجتماعي يعيش عكس ما تعيش الحيوانية غير الإنسانية الأخرى كما تقرر علوم الإجتماع. فإن البهيمية الإنسانية تتنقل إلى هذا الإنسان في كل عصوره المختلفة وهاهي اليوم في عالم الماديات تتراكم على الجوانب الإنسانية لتبلدها ببلادة الحيوانية ليصبح الإنسان اليوم ينزع إلى حيوانية المادة متجاهلا جوانب الروح التي لا يمكن فصلها عن الإنسانية.

ومرد تلك التزعات يرجع إلى ما يعيشه عالمنا المعاصر من حروب ودمار وويلات وكراهية زرعت الحقد وجنت ثمارا لا تناسب الوظيفة الاستخلافية في الأرض التي جيء بالإنسان ليعمرها في حين حلت آثار الحروب مخلفة كما يقول مالك بن نبي: “أما الحرائق ودماء الملايين التي سوف تسفك مع الحرب القادمة، فسوف تظل في ذاكرة الشعوب باعتبارها النتيجة الوحيدة لصفحاتها في تاريخ استدار وخلف وراءه حضارة التجار” [مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي – المسألة اليهودية، صفحة ١٢٧].

هذه النتيجة النهائية لكل فعل يخالف إنسانية البشر فيرد الحياة إلى عالم ما قبل التاريخ الإنساني مهما تطور الجانب المادي للإنسان فإنه يبقى بحاجة ماسة لى ما يوقد روحه التعاطفية ليكون بذلك متعايشا مع بني جنسه الصراع الأنساني سنة حتمية ينتجها الإجتماع البشري لكنها يمكن تجاوزها ومحو آثارها بالروح الإنسانية.

وإذا كان الإسلام في بداية فجره جاء بمبادئ إنسانية مشتركة ممتدة صلاحيتها عبر الزمان والمكان لأي كائن إنساني فإنه أيضا لم يغفل عن الأسس النظامية التي تعكس روح حضارته وقدرته على التكيف مع الظرف الإنساني الحاضر  يؤكد ذلك بن نبي: “فشرط الإسلام أنه دين قادر في تكوينه على تصحيح الرأسمالية وتعديلها، وكذلك الشيوعية ومحو العنصرية والاستعمار ليأخذ على يد اليهود في إدارة العالم.

وهكذا نرى دور الإسلام في عالم جديد؛ يعتمد على قيمته الداخلية بقدر ما للقيمة الروحية وفاعليتها من قدرة على استيعاب مخلفات عصر مضى في تجدد الحضارة الإنسانية” [مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي – المسألة اليهودية، صفحة ١٣٠].

مع هذه الروح الإسلامية الفاعلة حيث جعل الإسلام تعاليما تجمع جوانب الإنسانية في سلك من الانتظام لا يقبل المساس إذاء  بأي كائن أحرى الإنسان المشترك في الخصائص التشاركية مثل الحب والرحمة والعلاقات وكل ما يؤكد روحا تقاربية بين الإنسانية متعاونة في خدمة اعمار الأرض فهو إسلامي مقبول.

فمما يجب التفكير فيه والتنقيب عنه القواسم المشتركة بين الشعوب لتتجتب صراعا يدمر مستقبلها ويعيق حركتها إلى الأمام لتكون بذلك يدا واحدة يرحم قويها ضعيفها.

وهذا المبدأ الإنساني في الإسلام لا غبار عليه في تعاليمه وكذلك قوانين العالم والحياة اعتنت  به مستلهمة روح الإنسان الواحد. وقد أكد القرآن الكريم على احترام الإنسانية في أبهى صورها وتجلياتها” (ولقد كرمنا بني آدم).

……..

الأفكار الواردة في المقالة تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن سياسة جريدة عالم الثقافة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى