هل أسأت الاختيار

د. منى الدالي | مستشار تدريب إداري – اتحاد المدربين العرب

جامعة الدول العربيةعندما يتعلق الأمر باختيار شريك الحياة فإننا نتحدث عن موضوع مصيري فهذا الشخص الذي سأختار بكامل إرادتي أن أربط حياتي به لنكملها معا سيكون له تأثير كبير على كل مناحي الحياة الخاصة بي وستتأثر حياتي – شئت ذلك أم أبيت – بسمات هذا الشخص النفسية و العقلية ، فسيحاول كل شخص اختيار شريك حياته بدقة حتى يضمن أن يعيش حياة هانئة مستقرة و سيضع المعايير التي تتوافق مع شخصيته حتى يضمن الانسجام و التوافق، و في رحلة البحث عن هذا الشريك قد لا نجد الشخص الذي تنطبق عليه كافة المعايير فنتغاضى عن البعض منها و التي نعتقد بأنها قد لا تكون ذات تأثير قوي على مجري الحياة و التي نعتقد أيضا بأنها يمكن أن تتغير للأفضل مع مرور الوقت؛ أيا كان الاختيار الذي تم الإقرار به فإننا في النهاية قد اخترنا شخصية ذات سمات عقلية و نفسية و هذه السمات كانت بدرجة محددة في وقت محدد أثناء مرحلة الاختيار، و لكن بعد مرور سنوات من الزواج يبدأ البعض في إعادة حساباته لأنه لم يجد ما توقعه من حياة سعيدة، بسبب الصعوبات و المشاكل التي قابلته، فيبدأ في إعادة تقييم سمات شريك الحياه فيجد أن هذه السمات قد اختلفت عما كانت عليه من قبل، أي في وقت الاختيار فيبدأ الفرد في عض أصابع الندم و يلوم نفسه على سوء اختياره أو يكيل الاتهامات للطرف الآخر بأنه كان مخادع و أنه ظهر على حقيقته على مرور الوقت، و قد يتهمه أيضا بأنه تغير و أنه لم يعد كما كان سابقا، و يعزي هذا التغير لمتغيرات الحياة التي يمر بها كتغير الوظيفة أو الظروف الاجتماعية و الاقتصادية أو تدخل الآخرين في حياتهم الشخصية أو قد يصل الأمر لاتهام الطرف الآخر بالخيانة، و هنا يكون الفرد معذور فيما توصل إليه من استنتاجات لأنه متخبط من هول الصدمة التي يمر بها، و يبدأ في سؤال “نفسه أين هذا الشخص الذي اخترته بدقه ليكون رفيق الكفاح و شريك الحياة ما الذي حدث له، كيف تغير بهذا الشكل أم أنني كنت مخدوعا من البداية، أم أنه تأثر بكلام الآخرين من حوله؟”.

و لكن حقيقة الأمر لم تكن دائما كذلك، فهناك وجه أخر للحقيقة يكشفه لنا علم نفس فكما ينمو الانسان في عدة جوانب كالنمو الجسمي و الذي يتفاوت في درجاته و مراحله فهناك مثلا نمو العضلات و النمو الحركي و النمو اللغوي و الذي يختلف من فرد لآخر فقد يختلف النمو الحركي عند نفس الأفراد في نفس المرحلة العمرية و كذلك تتفاوت درجاته داخل نفس الشخص فقد يكون النمو الحركي أسرع من النمو اللغوي عند نفس الفرد، فكذلك النمو العقلي و الانفعالي يمر بمراحل نمو تختلف من شخص لآخر. فهذا الشخص الذى أقريت بكامل قواي العقلية بأنه هو الإنسان المناسب لي، قد كان ذلك في وقت محدد نمت فيه سماته العقلية و الانفعالية إلى درجة محدده و لكن مع مرور الوقت و اختلاف الظروف المحيطة و الخبرات التي يتعرض لها الفرد تستمر هذه السمات في النمو و لكن بدرجات متفاوتة و قد تتوقف أو تثبت إحدى هذه السمات عند مرحلة عمرية و لا تتجاوزها فنجد شخص يتعدى عمره الأربعين عاما و لكنه لا يزال في مراحل دنيا من درجات الاستقلالية أو قد يكون العكس صحيح فيكون مراهق لا يتعدى الاثني عشر عاما و لكنه يتميز بثبات انفعالي قد لا يصل إليه من هم أكبر منه سنا، و لهذا فإن درجة توافر السمات العقلية و الانفعالية في الشخص الآخر تختلف بمرور الوقت فقد تتزوج من شخص لديه درجة معينة من التقلب الوجداني و هذه الدرجة كانت محتملة بالنسبة للطرف الآخر في وقت محدد و هو بداية العلاقة، و لكن بمرور الزمن و تكادس الخبرات و اختلاف الظروف المحيطة قد تتزايد درجة التقلب الوجداني لدى الشخص و يصبح من الصعب التكيف معه فيجد الطرف الآخر نفسه أمام شخصية مختلفة تماما عن الشخصية التي ارتضاها من البداية.

و لا ننسى هنا قضية النسبية فقد ترتفع درجة إحدى السمات عن أحد الزوجين بسرعة أكبر من الطرف الآخر مثل المثابرة و الجدية و في نفس الوقت يتوقع هذا الشخص أن شريكه لابد أن يكون على نفس درجة السمة الخاصة به و لكن هذا لم يحدث فيتهم الطرف الآخر بعدم النضج أو التغيير.

إننا هنا نجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقة و هذه المشكلة قد تكون أحد الأسباب الرئيسية في المشاكل الزوجية و التي قد تؤدى إلى الطلاق في بعض الأحيان و لكن الوعي بهذه المشكلة هو في حد ذاته مشكلة أكبر فكيف لنا أن نقنع الطرف الآخر بأن شريك حياته هو نفس الشخص الذي أحبه و اختاره شريكا له و لكن هذا التغيير هو أمر حتمي و طبيعي، و كيف نقنعه بعدم وجود تدخلات من أطراف خارجية أدت لهذا الوضع الحالي بل الأكثر صعوبة كيف نقنع هذا الشخص بالاستمرار مع هذه الشخصية الجديدة التي اتضحت أمامه و هو لا يتقبلها؟

و من وجهة نظري فإن علاج أي مشكلة يبدأ أولا بالوعي بها فإن لم أكن على علم بطبيعة المشكلة نفسها فكيف لي أن أعلاجها! و لهذا فإنني أطالب كافة المعنيين بنشر الوعي قبل الزواج بمهارات الاتصال و التواصل و التعرف على السمات الشخصية للفرد و كيفية تأثرها بالظروف المحيطة. و ذلك ليتفهم كل طرف شريكه جيدا و يكون على درجة عالية من الانسجام معه رغم التغييرات التي قد تواجه أي منهما.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى