الثقافة والمثقفون

شعبان عبد الرحمن| نانت ـ فرنسا

من الصعب وضع تعريف جامع للمثقف، أو لمن يعتبر من النخبة، إلا أن تداول هذه الكلمات كثيرا جعلني أبدأ محاولة التصدي لهذه المهمة، وكانت أداتي الوحيدة هي ملاحظة من يطلق عليهم المثقفون فى فرنسا وفى العالم العربي لاستخلاص بعض المعايير التي قد تساعد في عملية الفرز بين من يمكنه الانتماء لهذه الطائفة وغيرهم ممن أقحموا أنفسهم فيها، أو أدخلوا فيها دون مبرر.

أولا: المثقف هو شخص حصل على قدر من التعليم كبر أو صغر، ثم بمجهوده الشخصي عمل على تنمية معرفته الشخصية في مجالات متعددة، تشمل كل جوانب الحياة، وهو يختلف عن الخبير أو المتخصص الذى يحاول جاهدا أن يلم بكل شيء حول موضوع بذاته، وليس هناك ما يمنع المتخصص أن يكون مثقفًا فى الوقت نفسه، لأن المعيار هو الاهتمام بكافة جوانب الحياة البشرية.

ثانيا: صفة المثقف لا يضفيها الشخص على نفسه، وليست شهادة دراسية تمنح، أو شهادة تقديرية يمنحها حاكم أو ملك، وإنما هي اعتراف من الجمهور بأن هذا الشخص أو ذاك يستحق أن يحمل هذا اللقب. والجمهور لا يمنح هذا اللقب اعتباطا ودون معايير، وإنما يستند أولا إلى كتابات هذا الشخص وآرائه في الأمور العامة من ناحيه، وحياده التام في عرض هذه الآراء، والحياد هنا يعنى الموضوعية دون تأثر بمنصب زائل أو الخوف من بطش سلطان مستبد، من ناحية أخرى.

 ثالثا: المثقف متعطش دائما للمعرفة، فهو يشعر دائما بنقص فى معرفته ويسعى إلى إكماله بشغف، ولا يفكر أبدا فيما حققه، بل يفكر في مشروعه المستقبلي في المعرفة، ومن هنا فهو دائم البحث والقراءة.

رابعا: المثقف شخصية ناقدة لكل ما يراه أو يقرأه، ولا يعنى هذا النقد لمجرد النقد، وإنما لكونه يسعى للكمال، فهو يدرك جوانب النقص في كافة الأمور، والقراءة النقدية تساعده على فهم الأمور بتعمق، والتفكير أثناء القراءة.

خامسا: للمثقف قدرة عاليه على تحليل المعلومات واستخلاص النتائج، مما يجعله جاهزا فى أى وقت لإبداء رأيه مستندا إلى حجج قويه ومنطقية.

سادسا: يتمتع المثقف شخص بالحيدة والاستقلال الفكري مهما كلفه هذا من متاعب جمة. ولهذا فهو ثائر دائما على كل الأوضاع المقلوبة، ومدافع عن كل مظلوم إذ أنه لا يطيق الظلم.

بقي لي أن أحدد علاقة المثقف بالسياسة، وكذلك علاقته بالثروة.

المثقف الحقيقى نادرا ما ينجح فى العمل السياسى لسبب بسيط هو أنه ينشد المطلق والسياسة تكتفى بالممكن ، إلا أن دور المثقف مهم فى توعية العامة بحقوقهم ، وبمدى مصداقيته يؤثر فى توجيه الرأي العام ، وإذا نأى المثقف بنفسه عن العمل السياسى المباشر فإن السياسيين يتقربون إليه ويحاولون جاهدين شراء تأييده لوجهة نظرهم أو على الأقل عدم انتقادهم، فإن إنصاع لهم نتيجة الضغط أو الإغراء يتحول إلى شخصية انتهازية في غاية الخطورة، لأنه من ناحيه يضلل الجمهور الذى وثق فيه، ومن ناحية أخرى يستعمل ذكائه وعلمه فى تبرير الظلم مما يسبب أضرارا كثيرة.

من ناحية أخرى، يمهد المثقفون للأحداث السياسية والتحولات الاجتماعية الكبيرة في بلدانهم، ولا أحد ينكر دور جان جاك روسو، ومنتسكيو في التمهيد للثورة الفرنسية، كما لا أحد ينكر كتابات نجيب محفوظ، وصنع الله إبراهيم وغيرهم من المفكرين في إحداث تأثيرات كبيرة في التحولات التي شهدتها بلدانهم.

أما عن علاقة المثقف بالثروة، فهي كعلاقته بالسياسة فهو تاجر فاشل، إلا أنه ليس هناك ما يمنع أن يشتغل المثقف بالتجارة، أو أن يكون رجل أعمال مثقف وفى الحالتين فإن انشغاله بالأمر العام يقل، وأهم ما يميز المثقف هو أن اهتمامه بالأمر العام يطغى على بقية الاهتمامات، فهو قبل أي شيء صاحب رسالة.

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى