الإذاعة المصرية.. تاريخ حافل بالثقافة والتنوير

أحمد عبد المجيد حسن | لندن

الإيطالي الشهير “ماركونى” هو من ابتكر الإذاعة وأسس شركة خاصة لبث هذه الخدمة فى مختلف أنحاء العالم وكانت مصر من أوائل هذه الدول في عام 1936 تم بث الإذاعة المصرية رسميا. وقد أقرت منظمة اليونسيكو يوم 13 فراير من كل عام كيوم عالمي للإذاعة للاحتفال بها. وكان للإذاعة المصرية دوراً في غاية الأهمية في تثقيف غالبية المصريين، فضلا عن دورها الإعلامي والإخباري والترفيهي.

وتتفرد الإذاعة دون غيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى حتى رغم كل هذا التطور التكنولوجى الهائل الذى نشهده اليوم سواء فى اتجاه التلفزيون و المحطات الفضائية أو عالم الانترنت بكل ما فيه أو عالم السينما بكل سحره، تنفرد بأنها الوسيلة التى لا تتطلب استخدام حاسة البصر و التركيز الكامل، وبالتالي، فإن أي شخص يستطيع سماع الراديو و هو يقود سيارته أو يعمل فى مكتبه أو حقله او حرفته.

وقد تولى أمر الإذاعة رواد أفاضل أخذوا على عاتقهم مهمة استغلال هذا الصندوق السحرى فى تثقيف كل من يستمع له فى مجتمع يعاني غالبية أفراده من الأمية، فكانت الإذاعة خير تعويض لهم و محاولة هامة ومخلصة فى تحمل هذه الرسالة الهامة. فعلى مدار ما يقارب القرن من الزمان مرت خلاله الإذاعة بمراحل كثيرة من التطوير نوعاً و كماً و لكن كان بث الكثير من البرامج الثقافية والحوارات مع الأدباء والعلماء والسياسيين و الاقتصاديين و العلماء فى مختلف المجالات وعرض مظاهر التطور والتحديث فى شتى العلوم والفنون و الآداَب و أيضاً سرد القديم من نظريات أو أحداث تاريخية أو دينية أو مدارس علمية ومذاهب فلسفية هو أحد الجوانب الرئيسية فيما تقدمه الإذاعة يوميًا و تقديم كل ذلك فى شكل مبسط ليتناسب مع غالبية المستمعين للراديو بأسلوب شيق وسهل وممتع وبالطبع مفيد. كل هذا فى توقيتات محددة حتى يعتاد الناس عليها. وكان غالبية الجمهور بالفعل يتابعون بشغف ورغبة جادة فى المعرفة فيحظى المتابع لها بوجبة ثقافية دسمة تقدم له يوميا بشكل سهل وهادئ، وهو غير منشغل بها عن عمله أو عما يقوم به. وظهر أثر ذلك جليا على أجيال كثيرة في مصر والوطن العربي. ولعله ليس من الغريب اطلاقاً أن تجد رجلا عربياً ريفياً بسيطاً لا يجيد القراءة والكتابة، ولكنه يستطيع أن يتحدث في أي موضوع ثقافي وكأنه ملم به أشد الإلمام

كانت الإذاعة أيضا عاملاً مهماً فى توحيد الأمه العربية وتماسكها فى أوقاتها الصعبة. فلا ننسى أنه في عام 56 عندما قصفت قوات العدوان الثلاثى الإذاعة المصرية فصاح المذيع السوري الوطني “من دمشق.. هنا القاهرة”. ودور إذاعة صوت العرب فى دعم وتعزيز الحركات التحررية والاستقلال لدول الوطن العربي.

 الآن وصل التطور الإذاعي أنك عندما تقود سيارتك وأنت تستمع لإحدى اسطوانات الأغاني فتجد الإذاعة تقتحم ما تستمع له لتعلن لك عن الحالة المرورية، وحالة الطقس أو أي أخبار أخرى مهمة ينبغى لك أن تعرفها فى رسالة لا تتجاوز دقيقتين كل ساعة تقريبا. كان هذا من الأمور التي أدهشتني هنا في بريطانيا، لا أعلم التقنية التى يستخدموها فى ذلك، ولكنه شىء يستحق أن نبحثه، حيث من المهم لقائدى السيارات معرفة حالة المرور فى المدن التى يسيرون فيها وحالة الطقس أو أي لأخبار أخرى مهمة.

 أخيراً نتمنى أن تستعيد الإذاعة المصرية دورها التثقيفي والتنويري المهم بمعطيات العصر الحديثة، وبشكل حداثى مؤثر وشيق، فهى لازالت تشغل حيزاً كبيرا فى عقول ووجدان العالم العربي، وينبغي استغلال ذلك في سبيل الاصلاح المجتمعي والحضاري المنشود     .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى