قراءة في قصّة “القبّعات المُلوّنة” للكاتبة: نزهة الرّملاوي

رفيقة عثمان أبوغوش | القدس – فلسطين

  صدرت قصّة “القبّعات المُلوّنة” للكاتبة المقدسيّة، نزهة الرّملاوي. عن دار الهُدى للطّباعة والنشر- 2020 وتحتوي هذه القصّة على أربع وعشرين صفحة من الورق المُقوّى والأملس، كذلك الغلاف من الورق المقوّى، تزيّنه الرّسومات الملوّنة الجذّابة، من أعمال الفنّانة منار نعيرات. تمتاز الكتابة بتكبير الخط وقراءته بوضوح.

  تناولت الكاتبة نزهة الرّملاوي في قصّة القبّعات المُلوّنة مووعًا هامّا من حياة الاطفال، ألا وهو موضوع الفقدان، أو الشعور بالنقص، كما ظهرت عند الطّفلة روان، عدم نمو الشعر على رأسها، بسبب مرض جلدي في الطّفولة؛ ممّا تسببّب في مشاكل واضطرابات نفسيّة، لدرجة فضّلت الاحتجاب عن الأصدقاء والخروج من البيت والذّهاب إلى الرّوضة. نجحت الكاتبة في تحسين نفسيتها بولسطة تركيب جديلة شعر أشقر على رأسها، وحياكة قبّعة جميلة  تُغطّي الرأس. صارت رواان تتباهى بجديلتها وقبّعاتها المُلوّنة، حتّى صارت صديقاتها يقلّدنها.

  لا شكّ أنّ علاج الكاتبة لهذا الأمر يُعتبر علاجًا تربويًّا؛ لتكيّف روان مع الوضع الصّعب الذي مرّت به روان، إنّ فُقدان الشّعر عن الرأس، يشبه فقدان أي عضو من اعضاء الإنسان، أو فُقدان عزيز أو أي فقدان آخر، ويُعتبر هذا الفثقدان سببًا في إدخال الأطفال في أزمة واضطّرابات نفسيّة، يصعُب التخلّص منها دون التدخّل المُبكّر من قِبل الآباء والمُربّين.

   بالإمكان التعامل مع الأطفال، من خلال هذه القصّة العلاجيّة، حيث يتماهى الأطفال مع بطلة القصّة، التي توصّلت إلى حلول آنية للمشكلة. كما استخدمت الكاتبة أسلوب الرّسم عمّا يجول بخاطر روان، والحديث عنه؛ هنا استخدام الرسم كوسيلة علاجيّة للتنفيس عن المشاعر.

 كما تطرّقت الكاتبة للتعامل بين الأم وابنتها روان، صنعت الكاتبة من الألم أملًا؛

من حيث الحديث المُتبادل حول مشكلتها التي تؤرقها، ومحاولة الأم إشغالها والتخفيف عنها بالحديث الديني وتهدئتها. لدي مأخذعلى اهتمام الأم والتفكير بالحلول لمشكلة ابنتها لوحدها، حبّا لو أشركت روان في التّوصّل إلى الحل الذي توصّلت إليه لوحدها، هنا سيكون التعاون بينهما تربويًّا أكثر. ” فكّرت الأم  وقالت: وجدت حلّا للمشكلة” . بينما ساهمت روان في صناعة القبّعات المُلوّنة مع والدتها، هذا حتمًا سلوك تربوي.

ممّا سبق تبدو لنا العاطفة بارزة في القصّة، عاطفة الحزن والألّم، الى عاطفة الفرح والإنشراح، عاطفة الحنين مثل حنين روان لأبها الأأسير في السّجن، ” وأزور أبي في السّجن البعيد” ، عاطفة الخوف والعاطفة الدّينيّة ” ولا تنسي فضل الله الذي خلق لنا العقل وهدانا لنتداوى ونفكّر ونحافظ على هذه الشّعيرات في الشّتاء والصّيف تحت هذه القبّعة”.

 امتازت لغة الكاتبة باللّغة الفصحى الجزيلة، ذات المُفردات القويّة، والّتي تُثري القاموس اللّغوي عند الأطفال، من وجهة نظري التربويّة، علينا ألَا نخاف من تعليم الأطفال المفردات الجديدة ؛ لأنّ هدفنا هو إغناء الأطفال بالثروة اللّغويّة المُحبّبة، وإكسابهم لغة عربيّة فُصحى، كثير منّا يعلم بعدد الأفلام المعروضة على القنوات لعربيّة التي تستخدم اللّغة العربيّة الفُصحى، ويكرّرها الأطفال على مسامعنا؛ المجازفة والحذر باستخدام هذه اللغة الجميلة، واستخدام التكرار المُحبّب لدى الأطفال مع التنغيم الموسيقي؛ للارتقاء بمستوى الأطفال اللّغوي. لم تبخل الكاتبة في عرض المُحسّنات البديعيّة الجميلة” النجمة الغافية في السّماء” “غفوة الشّتاء” الشّمس الضّاحكة” “انقت ربيع الأرض” “فانتشر الزهر على مباسم التلال” والخ.

  كان أسلوب السّرد سلسًا، خاليًا من التعقيد، حيث ظهر صوت الروائيّة وأصوات البطلات في الرّواية، كما استخدمت الكاتبة أسلوبي الحوار العادي بين طرفين، والحوار الذّاتي كان بارزًا في القصّة، كما برز الحوار بين روان والشّمس، وبين روان ووالدتها، وحوار روان مع ذاتها، كذلك الحبكة ظهر فيها لصّراع النفسي، والتي أضافت للقصّة تشوّقًا لمعرفة الحلول.

  تمحورت القصّة في مكانٍ مُحدّد في منطقة مدينة القدس، وتمّ ذكر بعض الأماكن فيها، كما ورد صفحة 21. ” لنبيعها في سوق خان الزّيت سوق العطّارين من البلدة القديمة في القدس”، كيف لا وكاتبتنا غيّورة على القدس وأماكنها، لكونها من مواليد القدس؛ لدرجة أسميتها “بعاشقة القدس”. بينما الكاتبة الرّملاوي لم تذكر زمان حدوث القصّة؛ ربّما بقصد منها؛ لتعلمنا بأنّ هذه المشاكل حصلت وما زالت تحصل في القدس.

 عدد شخصيّات قصّة القبّعات المُلوّنة محدود، الأم وروان، بينما ذُكر الأب بأنّه أسير، ولم تتعمّق بسرد الأحداث حوله وعلاقته بابنته روان، ذُكر بوجوده بالسّجن؛ كي يُبرّر عمل الأم بالحياكة، لتدير شؤون بيتها وسد احتياجاته، أثناء غياب الزوج. بنظري كان بالحري استخدام هذه الشخصيّة، وتفعيل دورها، وليس فقط ذكرها ومر مرور الكرام عنها، هنا يوجد تغييب لدور الأب الرجل في حياة الأسرة!.

 صوّرت الكاتبة قوّة وقدرة المرأة الفلسطينيّة على تدبير شؤون بيتها وتربيىة أبنائها أثناء غياب الزوج، وهذا حال معظم النساء الفلسطينيّات قديمًا وحديثًا.

تناغمت الطبيعة وجمالها مع جماليات اللّغة، حيث لعبت الطبيعة دورًا هامًّا في القّصّة، كما استخدمت الشّمس، والغيوم، والأزهار، والتي ساهمت في إدخال الخيال على القصّة: كما برز في الحوار ما بين روان وشمّوسة في بداية القصّة صفحة 3. ” ابتست شموسة وقالت: “لن تتحمّلي حرارتي يا صديقتي، فأنا كرةٌ ملتهبة من النّار، لا يستطيع أحد الوصول إلي أو حتّى الاقتراب منّي، فأنا بعيدة أكثر ممّا تتخيّلين”.

   انهت الكاتبة قصّتها بنهاية مُفرحة بأنشودة جميلة ” هيا يا بنات .. اشترين القبَّعات… قبّعات جميلة… للحلوة الأميرة روان.. الأجمل من بنت السّلطان”.

خلاصة القول: تعتبر قصّة القبّعات المُلوّنة قصّةً تربويّة علاجيّة –    Therapeutic Story – ذات قيمة عليا، لجيل الطفولة المبكّرة والمتأخّرة، حيث تفتقر المكتبات العربيّة لأمثالها، وأنصح اقتناءَها بالمكتبات المدرسيّة، والبيوت، ليست حصريّة على مدينة القدس فقط، بل بالوسط الفلسطيني والعربي كافّةً.

تمّت بحمد الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى