من كتاب المرايا

عبد القادر الحصني | سوريا

أجل. حاولت أن أكتب قصيدة حبٍ. حاولت فقط. وهذه مرافعتي.

كما لو أفقتُ على الوقت أزرقَ، ظلّله غبشٌ أسمرُ

وألقيت في الناس عينين حائرتينِ:

أهذا مساءٌ تأخّرَ

أم فلقٌ صبحهُ مُبكِرُ؟

 

على حافة الليلِ أم قرب بوّابة الفجرِ

هذا الهواء الذي يتنهّدُ بين حبال الغسيلِ

فيصنع أشرعةً للمنازلِ

بينا تطلّ النساءُ الجميلاتُ من قَمَرات المراكبِ،

يسألنَ عمّن تلمُّ الغسيلَ ومن تنشرُ؟

 

بقايا المصابيح من ليلة الأمسِ لم تنطفئ بعدُ

أم بعضهم يشعل الآن بعض المصابيحِ؟

ياشمس تبريز

ياقمر الأولياء بشيرازَ

يا حلمَ نار المجوس ببرد اليقين:

أنا كنت أحلم بالمستحمّةِ،

أم كانت المستحمّةُ تحلم بي،

أم أنا والتي تستحمُّ، أفقنا على حلم الآخرين،

ولانذكرُ؟!

 

  • مضى زمن الشمس والملكاتِ

مضى زمن الطفل والأغنياتِ

مضتْ أنهرٌ في الرماد إلى حتفها،

وتأسّن ماءُ البحيراتِ.

أنتَ مريضٌ

وقلبكَ أرجوحةٌ، لا أشكُّ بأن الملائكةَ الطيبين على سدرة المنتهى علّقوها، وأنّ رنين الخلاخيل في أرجل الحورِ، من تحتها يُسمعُ

 

ولكنَّ قلبك هذا المريض الذي ملَّ من سَجنه الأضلعُ

سيأخذه الحبُّ ذات صباحٍ، فيمضي بعيداُ ،

ولا يرجعُ.

 

تداركْ – إذا اسطعتَ- حيرةَ عينيكَ من نجمةٍ

أغلقت خلفها باب غرفتها في السماءِ

وفسِّر على ساعة الرمل بعض خطوط يديكَ

إذا التبست بطيور الفضاءِ

ولا تتورّط – إذا ورّطوكَ – بمرثيّةٍ للهواءِ

ففي زمنٍ مثل هذا الذي أنت فيهِ يضيقُ بأعراضه الجوهرُ

وتخلع بستانها وردةٌ في الظلامِ

إذا اكتشفتْ أنّ أخضرها أحمرُ.

 

له أن يخاف عليَّ

له أن يخاف على نفسه فيَّ

هذا صليبي وظلّي

وهذا يعين عليَّ الضنى

 

تمنيّتُ لو فتّه بين حشدٍ من الناسِ

لو حين أبطأ ، أسرعتُ

لو غطَّ في نومه ، فانسللتُ

لو الريح تأخذه نحو أيّة أرضٍ، تُسمى هناك،

وأبقى هنا

لأدخل أقرب مقهى صغيرٍ، وأنسى الذي كان مابيننا

ولكنّني بعد عشرة عمرٍ طويلٍ،

تالفّتُه بالغيوم التي بيننا تعبرُ

وصرت إذا مااعتراني النعاسُ، وألفيته ساهراً أسهرُ

 

أقصُّ عليه الأقاصيص عن أرخبيل نجومٍ، يجوس شواطِئه بالقوارب بحارةٌ من سلالات قرطاجَ ، أرسلهم هانبعلُ، ليكتشفوا خطّةً للوصول إلى قلب روما، ولكنّهم صادفوا في الأزقّة ، بين النجومِ نوافيرَ ، ينحتها العنبرُ

ويصنع منها صبايا، يَمِسْنَ، كما قصبُ المصّ

والسكّرُ،

فظلّوا هناك ، ولم يبحروا.

 

– لماذا رجعتَ ، إذاً، أنتَ ؟

أطبق جفني على غيمةٍ خلفه تمطرُ:

رجعتُ لأن فراقك صعبٌ،

ومثلي على البعد لايصبرُ .

 

تبسّم في شفتيه الرضا، ثم نامَ،

وها أنذا بعده أسهرُ..

 

صناديق من فضّة للنعاسِ، مفاتيحها في جيوب

الظلامِ،

وبرج قديمٌ، تعلّق في صدره جرسٌ، لايرنُّ،

وحبل يؤانس وحشته في الفراغ هواءٌ عتيقُ

 

قرأتُ على الرمل خطّاً، يمشّط بالريح ريشَ النَعامِ،

وأوّلت معنى الحياه بغزل البنات، لأن الكلام يضيقُ،

وأقنعت شيخي بأن الوصول جميلٌ،

ولكنّ أجمل منه الطريقُ.

 

دعوتُ الربيع إلى زهرةٍ،

والفضاء إلى نجمةٍ،

والكتابَ إلى كلمةٍ،

والإله إلى رجل متعبٍ، والصديقَ إلى امرأةٍ

مال عن وجهها في الخريف البريقُ.

فجاء الربيعُ ،

وجاء الفضاءُ ،

وجاء الكتابُ ،

وجاء الإلهُ ،

ولم يأتِ ، بعدُ ، الصديقُ.

 

إلى أين أمضي بخمري التي منذ عمرٍ أقطّرها

قطرةً.. قطرةً،

ثم أسكُبها ملءَ صلصالتي، فتروقُ

أريد نداماي.. أحلى نداماي أن يشربوها

وأن يسألوني، يتعتعهم سُكْرُ هذي المدامةِ :

مَنْ أمّها وأبوها ؟

أريد لهم أن يروا من خلال الزجاجة أوصافها

وأن يسألوني إذا كنت أعرف خزّافها

 

أريد نداماي يا سيدي :

قد أعدت إليها رسائلها، غير أن الكلام الذي في رسائلها لا يُعادُ،

وحمّلَ روحي من الهمّ ما لا تطيقُ.

 

أريد نداماي :

وَحْدَ نداماي من يعلمون بأن الذي يتفتّحُ في الروح ليس شقائق نعمانها،

بل حروقُ

ووحدهمُ يعرفون حقيقة مايعتريني من الوقتِ،

حين مع الوقت لا يُستبان غروب،

ولا يُستبان شروقُ،

وحين يشبّه لي أنني أبصرُ

كما لو أفقت على الوقت أزرقَ ، ظلّله غبشٌ أسمرُ

 

– تريد نداماكَ ؟

ماذا بوسع نداماك أن يفعلوا ؟

سوى أن يديروا عليك الكؤوسَ ،

وأن يثملوا مثلما تثملُ

تريد نداماكَ، لكنّ شمساً على البابِ ،

أخّرها أنّها اتّخذت كلّ زينتها،

وهي تبغي الدخول عليكَ ، ولكنها تخجلُُ.

ترى مايجهجه أشقرَ ملتبساً بالندى والنضارِ،

ومشتبهاً بالخواتم والكستناء على النارِ،

هذا قميص النهار الخفيفُ،

تدفّق من فوقه شعرها المرسلُ

 

ترى عربات الهواء بأفراسها البيضِ،

جنّحها موعدٌ في الجبالِ ،

وسرّحها كوكبٌ في الخيالِ ،

فضاقت عليها الدروبُ ؟

وهبّت رُخاءُ على الآنساتِ: فجفنٌ يرفُّ ،

وجفن يذوبُ

إلى أن جرى عسلٌ بينهنّ ،

ومرّ ببال الجرارِ الحليبُ

 

ترى كيف تصحو عليك يداها ، وكيف بأنفاسها تُقبلُ؟

يقولون يا طالما قبلتك ، وأنت نؤومُ الضحى ، تغفلُ

يعّلقها فيك أمرٌ عجيبٌ ، وأنّك منزلها الأولُ .

 

أرى في كتاب المرايا حقيقة شمسي التي تسفرُ

أقلّبه موجة موجة كلّ يوم ، كما تفعل الريح والأبحرُ

فيفجؤني أن هذي الحياة

تزخرف أسماءها والصفات

وتسكبُ غير الذي تعصرُ

 

سعيد بشمسك ياسيدي هلّلوا .. يا

مبارك النور في وجهها، ونثار المجرات في شعرها،

ومباركتان يداها

 

سأدنو حزيناً بكلتا يديّ لكيما أراها،

لأن كتاب المرايا يقول: بشمسٍ ترى الشمسَ لا بسواها،

فهلٌ انظرُ

بعينين متعبتينِ ،

كما لو أفقت على الوقت أزرقَ، ظلّله غبشٌ أسمرُ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى