أمام كوة الموت
إسماعيل حقي
وقفتُ وحدي أمامَ القبر أرثيني
أصيحُ بالقبرِ هل يا قبرُ تأويني
//
تيبّسَ الفجرُ في احداقِ راحلتي
ولم أزلْ ميّتاً في بـدءِ عشريني
//
كأنني والأسى يجتاحني قدراً
قربانُ آلهةٍ يسعى لسكّـينِ
//
وكلما أوجسَ الطوفان يغرقني
حسبتُ قاربَ عينيها سينجيني
//
وكلما أبرقتْ عينٌ بطارقةٍ
حسبتها أملاً يوماً سيأتيني
//
وكم غرقتُ ولي برٌّ يريدُ يدي
كأنني صيحةٌ في عينِ مطعونِ
//
وحين فرّتْ عيونُ الفجرِ من سبلي
دفعتُ نفسي دفعاً للثعــابين
//
ورحتُ اظفرها حبلاً ليشنقني
معلقاً عنقي في غصنِ زيتونِ
//
مؤجلاً كلّ احلامي على حجرٍ
كمُمْسكٍ قبضةً من نارِ غسلين
//
أكفّنُ الروحَ في عيني أذلُّ بها
خوفي.. وقلبي في الحالين يعصيني
وفي الرمالِ أرى الأقدامَ تسرقني
مني.. وعيني الى اللاشئ ترميني
//
معبـّـئا عنقي في راحتيّ .. بلا
رأسٍ .. بلا كذبةٍ غضبى .. بلا دين
//
أحثُّ خطوي لبيتِ العنكبوتِ سدى
كأنني الليلُ يأوي للبساتين
//
اذ أوشكتْ لحظةٌ ما كنتُ أجرأها
تعاقرُ الدهرَ في كأسٍ من الحَين
//
بطولةٌ لستُ منها غيرَ منهزمٍ
وحكمةٌ لستُ منها غيرَ مجنونِ
***
وقفتُ وحدي امامَ القبرِ أسألهُ
لعلَّ من جائعٍ ذئبٍ فيأتيني
//
أصيحُ بالقبر يا قبرُ انتفضْ غضباً
ودعْ سكونك .. كلٌّ خانني دوني
//
أصيح بي وانا المطعون دون دمٍ
أرى دمائي في كل العناوين
//
يا قبرُ فيمَ انتظاري والمُدى زُمرٌ
من الظنون تشظت في كوانيني
//
يا قبرُ لا توقظ الذكرى بأخيلتي
أنا فتى ديسَ في حدِّ السكاكين
//
حلمتُ أطوي جميعَ الارضِ طي يدي
وها هي الأرضُ في باعينِ تطويني
//
قتيلُ نفسٍ .. وأدري أن قاتلتي
نفسي .. وأدري دوائي لا يداويني
//
أعيرُ عينيَ وهماً كي يخبئني
علّي توهمتُ أن الوهمَ يأويني
//
يا قبرُ .. تثملُ مني كلُّ ظامئةٍ
إلا شفاهي .. فهل لو متُّ ترويني