فَرَحٌ يغور في بالوعة

عمار العربي الزمزمي | تونس

(إلى روح الصبيّة فرح ذات الأعوام التسعة التي سقطت في بالوعة لتصريف المياه متروكة بدون غطاء  بشارع غير مُضاء)

أيُّ حَقٍّ في الحياةِ بِمَدينَهْ

تُتْرَكُ فيها فَوْهاتُ المَجاري

في الظلامِ تَتَرَصّدْ

مِنْ يَمُرّ مثْل أفْواهِ تماسيحَ لَعينَهْ؟

أيّ حقٍّ للطفولَهْ

في بلادٍ تَغْرَقُ فيها الزهورُ

في سَراديبِ العُفونَهْ؟

أيّ حَظٍّ مِنْ فَرَحْ

في بلادٍ أهلُها اعْتادوا المَآتِمْ

في حَوَاريها الكَئيبَهْ؟

                                     ☆ ☆

فَرَحُ كانتْ مَلاكًا

يحْرُسُ حُلْمَ الأمومَهْ .

فرحُ كانتْ هِلالًا

أفَلَ قبْلَ اكْتِمالٍ

في سماءِ إمّها الثكْلَى الحزينَهْ .

نَحْلَةً عامِلَةً كانتْ فرحْ

دأبُها جَمْعُ القواريرِ الّتي ما نَعِمَتْ يوْمًا بِمَا كانتْ حَوَتْ

مِثْلَمَا في بَلَدي

تَفْعَلُ كلُّ “بَرْبَاشَهْ”(1) صَغيرَهْ .

نَجْمَةً كانتْ فرحْ

والنّجومُ في بلادي

تُطْفَاُ أنْوارُها قبْلَ الأوانِ

بِغباءٍ و رُعونَهْ .

زَهْرَةً كانتْ فرحْ

والزهورُ في بلادي

تُسْحَقُ قبلَ التفتّحْ

تحْتَ أقْدامٍ غليظَهْ .

طائرًا كانتْ فرحْ

 والطيورُ في بلادي

تُخْنَقُ أصْواتُها

قبْلَ أنْ ينْطَلِقَ الشّدْوُ بِجَوْقاتٍ بَليدَهْ .

//

 يَا سِياسِيّي الفسادِ

والمصالِحْ

يا صَحافِيّي السِّبابِ

والفضائِحْ

أقْذَرُ هَذي المَجارِي

أنْظَفُ مِنْكُمْ وأنْقَى

مِنْ نُفوسٍ لَكُمُ تَبْدو نَقِيّهْ.

خَبّروني

هَلْ رَضيتُمْ

لَيْلَةَ غابتْ فرحْ

أنْ تُصيبُوا وِجْبَةَ أكْلٍ شَهَيَهْ؟

هَلْ قَضَيْتُمْ

وصُراخُ أمِّها يُدْمِي القُلُوبَ

لَيْلَةَ نَوْمٍ هَنِيَهْ؟

هَلْ نَظَرْتُمْ

بَعْدَمَا النّورُ بِعَيْنَيْها خَبَا

في عُيونِ مَنْ حَبَبْتُمْ

مِنْ صَبِيٍّ وصَبِيَهْ؟

//

يا رِجالًا يا نِساءً

أوْدَعُوا الصّنْدُوقَ أوْراقَ اقْتِراعٍ

هَلْ وَعَيْتُمْ

أنّ مَنْ زَكّيْتُمُ أصْلُ البَلِيَّهْ؟

___________

هامش:

( 1) البرباش مؤنثه و جمعه برباشة . وهو لفظ من الدارجة التونسية مشتق من بَرْبَشَ أي نَبَشَ و نَقَّبَ .يُسْتَعْمل في الأصل  للحديث عن حركة  الدجاج الذي يحثو التراب و سائر المواد بحثا عن القوت .و البرباش هو من يقوم بنبش المزابل بحثا عما يعتقد أنه يصلح للاستعمال الشخصي أو للبيع.