حكايا من القرايا ” ووقع اللوج…”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

توجهت الفاردة، من الرجال والنساء إلى بيت العروس، كي تُزفّ إلى بيت الزوجية، وفي مقدمتهم أبو إبراهيم والد العريس، والسعيد الصالح خال العريس، ومعهم حصان مطهّم مزيّن يقوده صاحبه الحج خليل كي تركبه العروس، ولم تسكت أم إبراهيم عن المهاهاة والزغاريد، تشاركها نسوة الفاردة… أما العمّة فتحية – فتح الله عليها – فقد استأثرت بالضرب على الطبلة… والمشاركة في كورس يردد أغاني حليمة المطلق، وكان المشاركون سعيدون في تكوين هذا المهرجان المتحرك، إلا (أبو إبراهيم) كان متجهم الوجه، وكأنه يحمل همّاً ثقيلاً.
وصلت الفاردة الكريمة بيت أبو مشعل، والد العروس، وكان في الاستقبال رجال أبو مشعل وقفوا صفّاً واحداً لاستقبال الفاردة… أخذ جماعة أبو إبراهيم مقاعدهم… وقبل أن تدور فناجين القهوة على الضيوف، ترجّل السعيد الصالح خطبة من قاع الدست، طلب فيها الأمانة (العروس) كي تنتقل من بيت أهلها الأول إلى بيت أهلها الثاني، ردّ عليه والد العروس بالمباركة… وشرب الناس قهوتهم… وشكروا مستقبليهم، ثم ودّعوهم، في تلك اللحظة وجدت وجه (أبو إبراهيم) وقد انشرح سروراً وتهلّل، ولسانه انشغل بشكر أهل العروس، ورجالات الفادرة، سأل محمد الحسن: أتدرون سبب عبوس (أبو إبراهيم) في الروحة، وانشراح وجهه في الجيّة؟ وأجاب الحسن مباشرة، بقا الزلمي خايف يدفع الهدوم، هدم عم، وهدم خال، وهدم… وأبو إبراهيم والسماء والطارق، ملبيّة معو أفلس الحزين بعد العرس… لكن الله خفّف، ولم يطلب الجماعة أي هدم… ضحك القوم… وضحك أبو إبراهيم… وكأنه يوافق على الكلام…
انطلق موكب العروس وهي مغطّاة الوجه، وملفوفة بعباءة خمرية على ظهر الحصان، يتقدم الموكب الرجال، والنساء تغني وتهاهي، حتى إذا وصلت العروس بيتها الجديد، تفرق الرجال، وأوقفت النسوة العروس باب الدار، وزودوها بورقة ليمون عليها عجينة، تناولتها الحزينة بيد محنّاة مرتجفة، وطبعتها على ناصية الباب… واتكأت على امرأتين، أدخلنها مغطّاة الوجه إلى كرسي في غرفة، صعدت إليه بمساعدة النسوة، ثم إلى اللوج… ودخلت النسوة تغني طرباً… وتتراقص طرباً…
آه… اللوج وما أدراك ما اللوج؟ طاولتان خشبيّتان، تغطيهما سجّادة، وسجادة أخرى رُسِمَ عليها غزالان معلقة على واجهة خلف اللوج… على اللوج كرسيّان للعروسين، وزُيِّن اللوج بقصوف الريحان والبعيثران، وأغصان الزيتون… والورد والحنون…
جلست العروس على كرسيها… ورفعت النسوة أطفالهن، ووضعنهم على اللوج قرب العروس. صعد العريس اللوج، وكشف عن وجه عروسه، وخرجت النساء عن أطوارها… وارتفعت عقيرتهن بالغناء والزغاريد… ورقصت العمّة فتحية، وعلى رأسها إبريق الفخار المزوّق متعدد الزعابيب…
سمع العريس ببداية زعزقة الخشب من تحته، شعر بأن اللوج استنفد حمله، وها هو يريد أن ينقضّ… وبالفعل وبعد دقيقة وإذ بالخشب يميل نحو الأرض… قفز العريس… وانتظر الضيفة الجديدة والأطفال على الأرض… كي يلتقطهم… وأسرعت النساء لالتقاط الأطفال الساقطين… وتعالى الصياح… ودشع الرجال… لكن الله سلّم… طاولة العروس لم تسقط… والأطفال سلمت أجسادهم لكنهم امتلؤوا رعباً… أخذتهم الحجة صبحية، وعالجتهم ميدانياً، بسقيهم من ماء طاسة الرجفة… بعض الناس قالوا: إن رِجْل العروس ليست خضرا على بيت (أبو إبراهيم)، وبعضهم اتهم المسلوعة بأنها كانت تُعقّد في شعرها والعروس مصمودة… وناس قالوا: كانت العروس معطيّة عطيّة صينيّة لابن عمها، وبعد ما كبرت أبوها أخلف النية، وزوّجها للغريب… المهم الله ستر… وألف مبارك للعروسين… وبالرفاء والبنين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى