أناي الضائعة التي هي أنتِ

مازن دويكات | فلسطين
الانتظار ُرصيدٌ في بَنك الزمنْ
ودَيْنٌ على غائبٍ في النعاسْ
والانتظارُ سكونُ البدنْ
واشتعالُ الحواسْ.
…….
الانتظار مفردة ٌ يحتشدُ فيها السكون في جانبٍ، والتسلّط في جانب آخر . جناحان ملتبسان لطائر ٍ من خرافةٍ، فرضتّهاعلى الأرض، ِمنحتها العادية والتعوّد.
حالة تشبهنا بغير إرادتنا، وتشبه الآخر الذي فينا بالاستدراج والتدرج.
إلى أن تعلَقُ في فخاخه المنصوبة في كل الفصول.
كل ما على الأرض ينتظر، في البدء من الأعالي، البرق والرعد ينتظران.
الشارة لزيارة الغيمة والغيمة تنتظر هطولها على الأرض،
دارت الأرض دورتها، تشبعت طينتنا الأولية، فكنا أول من كان، وكنا
أول المنتظرين.
…….
لنا ما نشاءُ من الوقتِ
حتى تقوم القيامة
ولنا أن نتأخر عن الموتِ
حتى تعود لنوح الحمامة.
……
أدرك أن الموت الفيزيائي لا يتأخر ثانية عن موعده، ولكن ما أعنيه هنا هو الموت المجازي الذي ندخل أنفسنا بإرادتنا في خرم أبرته، ويخيطنا كما يشاء، ويرتّبنا في قوالب منمطة، يُصب الشمع عليها، لنصبح في آخر
الأمر دُمىً في متحف الشمع.
…….
ذات يوم ٍ قال درويش:
أمّا أنا ، فسأدخل في شجرة التوتِ
حيث تحّولني دودةُ القزِّ خيط َ حرير
فأدخل في إبرةِ امرأةٍ منْ
نساء الأساطير.ش
ثم أطيرُ كشالٍ في الريح.
……
تذهلك وتدهشك هذه الصورة الشعرية المركبة في نسيجها وتحولاتها،
مجموعة من الحركات البصرية والذهنية من الصعب إدراك فضاءها الزمني، آلية شعرية وميكانيكا شاعرية، عبقرية الشاعر زاوجت بين الشعرية والشاعرية من جهة، وبين الآلية من جهة أُخرى، وأمام هذا الإدهاش الطاغي تجد نفسك منساقاً حدّ التلاشي أمام تحولك الإنساني إلى شالٍ مزركشٍ يتمدد بجلاله وبهائه على كتفي امرأة جميلة.
كم سنة ضوئية انتظرت هذه الجميلة لتحصل على هذا الشال الإنساني المزركش!
سؤال، ينقلني من مفردة السكون إلى مفردة التسلّط ، وأبدأ في طرح الأسئلة.
…….
أنا منْ أنا
شعلةٌ من كلام المحبين
أمْ سوسنة!
دفترٌ أزرقٌ
في حقيبة ِعاشقةٍ مؤمنة
أم جدارٌ من الضوء
ِبين هناك وبين هنا!
كلُ مابيننا،
لمْ يعدْ يا مقدسة المقلتين لنا
نحنُ من..
قمرٌ من قرنفلتين،
نخبئُ واحدة في النهارِ
ونتركُ في الليلِ
ِواحدة في خزائن أرواحنا!
نحن وردةُ آذار قبل تفتحها
وإلى أن تكمّل من عمرها الذهبي سنة.
……
نحن أيتها السنبلة آخر ما كان وأول ما سيكون، جسر ٌمن الذهب الصافي بين حضارتين، إرث مقدس ومدوّن على البردى حفرته أصابع أسلافنا ثم علّقتّهُ بين مسلّتين من حجر الورد، مهمتنا أن نحيا على هذه الأرض، نهش عنها الذئابَ القطبية بعصا من قصب الروح، ونزرع فيها أشتال زعترٍ ونعناعَ. ونشرب قهوتنا في ممر الحديقة.
…….
أنتِ، منْ أنتِ..
ضلعٌ من الياسمينْ
وقامة مأهولةٌ
بملائكة ٍ طيبين!
……..
كل ما حولي ينتظر ،أرقب بعينين مصوبتين على الجهات الأربع، أفتح صندوق الصباح المبلل بالندى والتعب ، أرى مرآة صغيرة، أحدّقِ فيها، لاشيء في الوجه الصقيل سوى وجه آخر، أعرفه تمامً، أضحك فيضحك الآخر الذي في المرآة، أبكي فيبكي، أترك المرآة وحيدة فأعثر على أناي” الضائعة التي هي أنتِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى