ما هي حكاية صليب الصلبوت؟ وهل المسيحيون المصريون قلوبهم شتى؟
د. يوسف زيدان | الإسكندرية
ما كاد الحكم فى مصر والشام يستقر بيد «هرقل» الذى انتزع عرش الروم من الإمبراطور البيزنطى فوكاس (سنة ٦١٠ ميلادية = سنة ١٣ قبل الهجرة) حتى اجتاح الفرسُ البلاد وانتزعوها من قبضته وسلطانه سنة ٦١٦ ميلادية، الموافقة لسنة ٧ قبل الهجرة. وهو الحدث الجلل الذى أشارت إليه الآيات الأولى من سورة الروم فى القرآن الكريم، حيث قالت (غُلبت الروم. فى أدنى الأرض).
وكان مما يؤلم المسيحيين آنذاك، بالإضافة إلى وقوعهم تحت سلطان الفرس (عَبَدَة النار= أصحاب الأفيال= البابيلون) أن هؤلاء الغزاة بعد استيلائهم على العاصمة الروحية للمسيحيين آنذاك، وهى مدينة (إيلياء – أوروشاليم – القدس)، قاموا بانتزاع الخشبة المسماة فى المصطلح المسيحى القديم: صليب الصلبوت .
وهى قطعةٌ من الخشب، استخرجتها فى بداية القرن الرابع الميلادى من تحت التراب هيلانة، أمُّ الإمبراطور قسطنطين، وهى امرأةٌ قيل إنها كانت فى بداية أمرها تعمل ساقيةً فى ماخورٍ من مواخير مدينة «الرُّها» العراقية.
وهناك أنجبت طفلاً غير شرعى، لم يُعرف له أبٌ. غير أن هذا الطفل (قسطنطين) صار من بعد ذلك رجلاً عسكرياً ماهراً، استطاع أن يقضى على منافسيه من رفقاء السلاح، وأصبح إمبراطوراً. وأصبحت أمُّه بعون الرب «قديسة»، لأنها اكتشفت (الصليب) الذى صُلب عليه السيد المسيح فى اعتقاد أهل الديانة، وأقامت فوقه قُبة كنيسة القيامة التى صارت قبلةً للحج المسيحى، خلال القرون التالية.
ولما انتزع الفرسُ (صليب الصلبوت) انخلعت قلوب أهل الديانة على اختلاف مذاهبهم، وانفطرت حزناً. لكن الروم استطاعوا بقيادة قواد هرقل، أن ينتصروا على الفرس بعد قرابة تسع سنوات على احتلالهم لمصر والشام، وهو الأمر الذى كانت سورة الروم قد تنبَّأتْ به، فى قوله تعالى بعد الآيات السابقة (وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون).
ولما انتصر الروم، أعادوا قطعة الخشب (التى اختفت ثانيةً بعد ذلك بقرون) من عاصمة الفرس «المدائن» وعاد بها هرقل سنة ٦٢٨ ميلادية، إلى إيلياء (القدس= أورشليم) فى حفلٍ مهيبٍ أسال دموع الناس فى أنحاء دولة الروم (المسيحية) على اختلاف مذاهبهم.
واختلاف المذاهب، كان آنذاك سبباً فى اهتراء الدولة. فالمصريون المسيحيون قلوبهم شتى، فيهم الأرثوذكس الروم (الملكانيون) والأرثوذكس السريان (الشوام) والأرثوذكس اليعاقبة (أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة الجامعة بين الله والمسيح)..
وأما سكانُ العراق المسيحيون (أغلبهم من العرب) فكان معظمهم نساطرة، يتبعون هذه الكنيسة الكبيرة التى امتدت فى ذلك الزمان من أطراف الشام إلى قلب آسيا. وأما الشام المسيحى، فكانت مذاهبه العقائدية خليطاً من النسطورية والآريوسية والأرثوذكسية.. وحسبما سنذكر تفصيلاً فى مقالنا القادم، فقد كان لهذا التنازع المذهبى، أثرٌ هائل فى الأحداث الكبرى آنذاك، وفى السِّجال العسكرى بين الفرس والروم.
ولما استقر «صليب الصلبوت» فى مكانه السابق، اجتمع الأساقفةُ فى (أورشليم، إيليا، القدس) حول هرقل الذى سألهم عن مخرجٍ عقائدى، يحلُّ الإشكال القائم بين الكنائس فى مصر، حتى يضمن (مناخ الاستقرار) بالبلاد، فلا يتفرَّق الناسُ بسبب العقيدة، ويلجأ المغلوبون منهم إلى أعداء الدولة، مثلما فعل اليهود.. وبالمناسبة،
فقد أعقبت هذه الزيارة التاريخية لهرقل، مذبحةٌ هائلةٌ لليهود فى أنحاء الأرض، قُتل فيها عشرات الآلاف عقاباً لهم على مساعدتهم للفرس (حسبما قال الأساقفةُ لهرقل) .. وبالمناسبة، أيضاً، فإن رسالة النبى محمد (ص) أو بعثته إلى هرقل، كانت فى تلك الأثناء.
ولذلك انشغل هرقل عن الردِّ على الرسالة التى جاءته من قلب جزيرة العرب، وهو الموضع الذى لم يكن هرقل يهتم به (لكنه سوف يهتم به لاحقاً، وينهزم أمامه) وقد جرى هذا الاتصال الأول، فى حدود سنة ٧ هجرية، أو سنة ثمانية (٦٢٨ أو ٦٢٩ ميلادية) .