وظيفة الفن الراقي

العربي لعرج | المغرب 

لازلت أذكر، والتذكر أقسى وأمر، تغريدة صاح بها الجمهور العريض، الذي غادر قاعة السينما في لاس فيغاس، وهو يردد:لماذا قتلت الكلب؟
والكلب كائن حي، وحيوان، ورغم ذلك سيطرت على المتفرجين مشاعر الحنان، والرقة،في مشهد أثار استغراب الجميع من في العرض.
والفلم من بطولة الفنان المتألق شيون بينseon pen الهوليودي، قتلت العصابة كلبه في مشهد مؤتر.
والكلب في القاموس العربي رمز للوفاء، بعد أن صار كلب حراسة لا غير.
أمام هذا المشهد الدرامي تغيرت ملامح البطل وكأنه تتلمذ على يد المنظر ستنسلافيكي .
والجمهور بدوره سيطرت عليه المشاعر الإنسانية و عم الصمت في الفضاء ،لكونهم واعين بوظيفة الفن الراقي، أو غير واعين ولكن لديهم نوازع خير مدفونة بعشق الإنسان والحيوان.
ولكن إذا كان الإنسان العادي قد أفرز هذه النزعة الإنسانية بعفوية، فإن سلوكاته تبقى رهينة لقوة عاطفية عبرت عنها الدموع والتأني ،فوراء هذه
الإنفعالات والأفكار،مخرج واع،أو فنان ذكي، استطاع بقوة الفكرة والإيحاء والرمز ،أن يظهر ما تكبته النفس الباطنية من مشاعر خفية، تنتظر مؤشرا يدعوها للظهور والثورة على النظم القائمة، من حسرة وظلم، واستبدالها بالبراءة والصفاء والنقاء الروحي نتيجة هذا التطعيم الفكري،الذي لا يحتاج إلى معقمات وحبات تنويم، كي يستيقظ ويحيا.
إذن فالطبيعة النيرة التي ملؤها الإنسانية، والإرتقاء
الروحي تجعله يسمو فوق نزواته الشريرة، التي راكمتها قوى الشر في المحيط.
هذا النوع من الإنفعال والذي يؤذي إلى تطهير النفس
الأمارة بالسوء نحو النبل الغايات الأسمى، وكما كتب أبو حيان التوحيدي كون الإنسان يحتاج إلى كبح
الأهواء والغرائز الحيوانية التي تسكنه باستخدام العقل ،وعزز ذلك الإمام البوصيري في البردة:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .
إذن لماذا قتلت الكلب؟ كانت نظرة استفهام لجمهور استفاق من التنويم المغناطيسي ،في عالم رمادي ضبابي، عجزت أقلام الشعراء والمسرحيين والفنانين
وأهل الدراسات أن يجسدوه في أعمالهم، نظير عقمهم، وغياب وعي استباقي بوظيفة الفن الراقي.
والوظيفة:المقصود بها ميدان العمل، والغاية تحدد مسار الشيء، حتى يصل إليها.
يرى كانط1804/1728 وظيفة الفن أن يحدث تقاربا وتشاركا بين الناس في شيء ذو بعد جمالي.
ويرى هيغل 1770\1831 أن للفن هدف أساسي يتمثل في تلطيف الهمجية الموجهة، بمعنى تهذيب الأخلاق.
ويذهب الفنان المجري لوكاتش 1971/1885 أن هدف الفن هو تقديم صورة عن الواقع، ينحل فيها التناقض بين المظهر والواقع، فوظيفته تطهير
الإنفعالات،وتحويل الألام إلى وسيلة لتحرير الذات، وإحداث تغيير في النفس البشرية،أي استحضار جو أقل إيلاما،والبحث عن لحظات مثالية، أي المساعدة على إبداع عالم أفضل.
و يقول الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشر، وهو أحد الفلاسفة، الذين اهتموا بوظيفة الفن في الحياة:هو تعبير عن عاطفة، أو حدس، أو شعور يخرج من خيال أو تصور إنسان بهدف إسعاد الغير.
والفن الحقيقي: هو الفن الذي ينقل الإنسان من عالم اليومي الممل، إلى عالم جميل، صورة لأنفسنا وهي تتسامى عن الحقد والكراهية والأنانية. تحب الخير من أجل الآخرين، ومن أجل أن يصبح العالم أكثر سلما، وأمنا، وجمالا.
والإنفعال في الفن هو صدى الإنفعالات التي تمتلئ بها النفس البشرية.
وتذهب المفكرة الأمريكية سوزان لانجر 1895 إلى أن هدف الفن ينحصر في التعبير عن بعض المعاني العميقة، بطريقة رمزية.
ويمكن اعتبار التطهير النفسي هو أحد أسمى وظائف الفن بمختلف أنواعه سواء كان مسرحا أو شعرا أو…
وقد وصف المترجم لكتاب فن الشعر لأرسطو دونالد وليام لوكاس تفسيرا شاملا، في ملحق عنوانه الشفقة والخوف والتطهير يصف فيه بعض جوانب التنقية والتطهير والتنفيس العقلي، بحيث يصف تأتير التنفيس الوجداني على كل فرد، في الجمهور.
ويصف برتولت بريشت التنفيس الوجداني بأنه الفن الراقي الذي يترك العديد من المشاعر تحوم في وجدان الجمهور،بهدف تحريض الجمهور على النشاط الإجتماعي.
هكذا إذن نأمل في هذه الإستفاضة أن نوفق في إعادة ترتيب البيت الداخلي الفني، وإرجاع القيمة المسلوبة للفن عامة وإلى الشعر بصفة خاصة، بعد أن غزته الأفكار الهدامة العاجزة عن منحه وظيفته التي تليق به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى