باتجاه الإبداع الهادف.. الشاعرة المغربية “سوار غازي” أنموذجا
غازي أحمد الموسوي | العراق
بين أرجوحة التقمص والوعي السيكولوجي العميق تتحرك شاعرتنا وفق رؤية واضحة توعوية تجمع بين قراءة الواقع وتشخيص إحدى علله بغاية قيمية وهادفة .
إنما المدهش الأول في نص شاعرتنا سوار غازي هو قدرتها على تقمص سيكولوجيا الرجل بإحساسه الذكوري وبطريقة تنم عن قراءة واعية قادرة على استكمال جانبين مهمين:
الأول :طريقة التفكير التي يتميز بها الرجل عن المرأة بحكم الطبيعة .
والثاني : تشخيص ذكورة المجتمع الشرقي عامة والعربي خاصة،ولهذا وقع اختيارها عليه كقناع رشيد مؤهل لتقديم مثل هذا الخطاب الأخلاقي الحكيم وبالتالي هي تتوقع أن يكون حسن الإصغاء من الملتقي بجنسيه
أكبر مما لو كان الحكيم أنثى ،وفي نفس الوقت فإن حضور شخصية الراوية الأنثى في حدث سردي حكائي جمعت فيه بين التوتر الشعري والتنظير الفكري في إطار مجتمعي أخلاقي تربوي ظاهرة شجاعة تعبر عن ثقة عالية بالنفس،ولعمري إن التصدي لهكذا مشروع أمر جليل وموضع تقدير كبير.
وبعد أن تحدثنا بعجالة عن أهمية المشروع الفكري والقيمي،الذي يمثل مضمون النص ،لا بأس من أن نتسائل عن سبب مقاربة الشاعرة لأسلوبية السجع التراثي؟فهي تعلم أنها كتبت نصا نثريا واضحا،وتعلم كذلك أن أسلوبية قصيدة النثر مثلا تبتعد كثيرا عن التقنيات، التي تستخدم في القصيدة الحرة ونعني قصيدة التفعيلة،فما هو الحافز الداخلي لمثل هذا الخيار ؟.
وإجابة نقول أن الذي دفعها إلى ذلك نتصور هو التشبع الثقافي بالسياق الموروث المتصل بوعي الخطاب الذي تحدثنا عنه في مدخل الحديث ذاته .ونعني الخطاب العربي الحكمي الذكوري ،وهي بذلك قدمت تضحيتين بليغتين:
الأولى :اختيار القناع المختلف تجنيسا ،وهو أمر ليس سهلا على أنثى شاعرة .
الثانية: إختلاف الأسلوب والتوجه والهدف والمبنى والمعنى كشاعرة التزام نوعي ،في زمن نشهد فيه على حشود من الشواعر اللاتي لا يتزحزحن قيد أنملة عن الشعرية الوجدانية الغنائية ،حتى ولو تعمقن في الأداء إلا البعض القليل المختلفات في الخطاب ،شكلا ومضمونا .
مدخل النص :
من تربى على الخلق الكريم والرجولة لن تسقطه شراك الأنوثة مهما بلغ إغواؤها ،والمطلوب هو الثباث حتى لا نسقط ضحايا رغباتنا الذاتية ونزواتنا وتبررها بضعفنا واحتياجنا للآخر ،لأنه في الأصل فكر ضد الواقع والدين.
***
نص: نَوَاتِــــيُّ الخِصــْر
ســــــوار غــــازي
قاتلتي…
أشهدُ أنَّ في سِحرِها…
تجلَّى سِحرُ كلِّ النساء
أتقنتْ لُعبةَ الغوايةِ والإغرَاء
على صوتِها الرنَّان
يصمتُ سِحرِ البيَان
أنثى كنهرٍ يُغري الشطآن
تقتلكَ ثمَّ تُحييكَ بلا أنتهاء
خصرها في الحب نُوتِيٌّ يُدير
سفنُ الإبْحَار
يتيه بكَ الحالُ والتِّرْحَال
لا تدْرِي ما القولُ وما الأفعالُ ..؟
تفقدُ القدرةَ على العِصْيَان
مددتُ لها أطرافَ البنَان
كطفلٍ صغيرٍ خجولٍ
يتهجَّى لغةَ اللمْسَةِ العذْرَاء
طوقتني كَسِوار بَلُّورٍ
في معصمِ الخنسَاء
سمْرائِي كنورِ الجوْزَاء
تمارسُ العشقَ بلا استحيَاء
آهٍ…معذبتِي عينَكِ الهدبَاء
مقْبَرَتِي يا وجْهَ القمرَاء
تغازلنِي بِكُحْلِ رموشِها السَّودَاء
ساحرَتِي الرقطَاء….
يلسَعُنِي فحيحُ أنفاسِها….
يدعونِي في اشتِهَاء
أستسلمتُ أنا الضعيفُ لها
ويُذنبُ في حضرتِهَا
جُموعُ الأتقيَاء…
شفاهُها خمْرٌ معتقٌ تُسكرُ
تُوقظُ صهيلَ الشعورِ
تُذيبُ جنونَ الإِعْصَار
بعثرتْنِي مزَّقتنِي أُنوثتُها
الصارخةُ تحتَ الرِّدَاء
فاتنتِي أسقتنِي…
من ثغرها البسَّامِ شهد المُدَام
بينَ ذراعيها اكتوَت جوانِحِي
و أحرقتْ بردُ الأيامِ
خطيئتِي حبُّها …
كانَ أولُ المحرَّمَاتِ
أدخلتي مدنَ العَشْقِ والآهَاتِ
خَضْرَاءُ الدِّمَنِ تراقصتْ كفراشةٍ
على عرشِ شهوتِي المكبُوتةِ
هزَمتْ جُغرافيتُها تارِيخِي
كَتبتْ خُرافتِي بحبرِ رجُولتِي
***
في آخر: ومع أن شاعرتنا تستلهم في خطابها روح الشاعر إحساسا واستنباطا ولكنها أكثر إنحيازا إلى أسلوبية الخاطر تعبيرا ،وأقرب للأداء السردي وصفا وطريقة في التفكير ،ومع ذلك فقد قدمت نصا جريئا فيه من الإيثار وروح النداء الكثير ليس طعنا في شريحتها التي تنتمي إليها وإنما كشفا لنوع محدد ومحدود من هذه الشريحة ،وتحذيرا وتوعية ووضع الكثير من النقاط على الحروف ،أهمها ضعف المحاور ،ونعني الرجل أمام هكذا نمط من المؤثرات الخادعة .