دخول الفعل على ما الاستفهاميّة

محمد موسى العويسات/ فلسطين

ووقفوا لي عند (ما)، ما نوعها في بيت الشّعر الآتي؟ وهو من قصيدة (أنا وليلى) للشّاعر العراقيّ حسن المروانيّ، والدّرس مقرّر في كتاب اللّغة الأول للصّفّ الثّاني عشر. يقول الشّاعر:

لا النّاسُ تعرفُ ما أمري فتعذرَني

ولا سبيل لديهم في مواساتي

ودحضنا الرّأي القائل بأنّها اسم موصول بمعنى الذي فاقتنعوا به، ولكنّهم أصرّوا على رأيهم بأنّها زائدة معتمدين بعض (المساعدات) التي تغصّ بها الأسواق، قالوا نحذفها فيستقيم الكلام، فيكون: لا النّاس تعرف أمري… والحقّ أنّ القول بزيادتها في هذا الأسلوب الأصيل في لغة العرب لم يثبت أنّ أحدا من العلماء قال به.

وما يثبت أنّها ما الاستفهاميّة أمور كثيرة: أولها المعنى، فالشّاعر ينفي معرفة الناس بحقيقة أمره، أي لم يعرفوا أنّه مخذول تركته الحبيبة فيعذروه فيما هو فيه؛  فهم يعرفون أنّه حزين لكنّهم لا يعرفون سبب الحزن وماهيته. أي لا يملكون الجواب في أمره؛ فهذا المعنى الدّقيق هو الذي جعل (ما) اسم استفهام يُستفهم بها عن شيء مبهم لديهم… ومن جهة أخرى هذا أسلوب شائع في العربيّة قديما وحديثا، وهو دخول الفعل على جملة الاستفهام، نقول مثلا: لا يعرف كيف يبحث. لا ندري أين يجلس… لا أعلم أواقف هو أم قاعد… وهكذا.

والشّاهد من القرآن قوله تعالى: ” قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها”، فكان الجواب: ” قال إنّه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها…”، فهذه ما الاستفهاميّة.

والشّاهد على مثل هذا الأسلوب أيضا قول عنترة بن شدّاد العبسيّ في حصانه:

لو كان يدري ما المحاورةُ اشتكى

أو كان لو علم الكلام مكلّمي

وعلى هذه الآية وعلى بيت عنترة يُقاس قول المروانيّ:

لا الناس تعرف ما أمري… فلا يقول بزيادتها في الآية المذكورة ولا في بيت عنترة من له أدنى اطّلاع على لغة العرب.

أمّا الجانب المهمّ فهو أنّ الاسم بعد ما مرفوع، وإن كانت العلامة مقدّرة لا تظهر في بيت المروانيّ في كلمة (أمري)، إلا أنّها ظاهرة في كلمة (المحاورة) من بيت عنترة. وفي كلمة (لونها) من الآية الكريمة فهي في محلّ مبتدأ مؤخّر، ولو كانت ما زائدة لنُصبت الكلمتان على أنّهما مفعولان للفعلين( يدري) و( يبيّن). وأمر آخر ومهمّ هو أنّ الحجّة كائنة في الشّعر الجاهليّ والقرآن وعصور الاستشهاد الأخرى، والمحدثون يحمل شعرهم على هذين المصدرين، فهم لا يؤصّلون القواعد ولا يقعدونها فهم تبع. والشّاعر في قصيدته التي منها هذا البيت المذكور أعلاه جاء على أسلوب العرب في الكلام. فـ ( ما) اسم استفهام… وربّما الخلاف فيها هو بين خطأ لا حجّة فيه وصواب ثابت… فكان داعي البحث تعليميّا أكثر منه إثبات حجّة ووجهة نظر وحسم خلاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى