لماذا تحقد إسرائيل على مدرسة من صفيح تؤوي 50 طالبا فلسطينيا في الغور؟

جدعون ليفي و أليكس ليبك 

الساعة تمام الثانية عشرة ظهراً، اندفع من غرفة المعلمات طالب صغير ليقرع جرساً ثقيلاً من الحديد كان يحمله. صوت الجرس منقذ؟ ليس مؤكداً. فوراً بعد ذلك، تم فتح أبواب الصفوف الخمسة، وانطلق عشرات الأولاد منها نحو الخارج، ينزلون بالدور إلى منحدر الغور الأخضر إلى بيوتهم – خيامهم، يحملون الحقائب على ظهورهم ومعظمهم يضعون الكمامات. أحد الأولاد من ذوي الامتيازات كانت تنتظره توصيلة- حمار مربوط يقف جانباً. هذا الولد يعيش في أحد تجمعات الرعاة المجاورة.

منذ بداية السنة الدراسية الحالية تغيرت حياة هؤلاء الأولاد بدرجة كبيرة. حتى الآن اضطروا إلى السير في كل صباح مسافة 7 كم نحو المدرسة التي تقع في القرية الأقرب- قرية المغيّر. في الظهيرة كانوا يعودون في نفس الطريق الطويلة: نحو 15 كم ذهاباً وإياباً أيام الصيف والشتاء، تحت الأمطار والرياح، وأحياناً أيضاً أمام هجمات المستوطنين الذين يكمنون في طريقهم. في نهاية الأمر، قرر تجمع الرعاة فعل شيء: بناء مدرسة صغيرة لأنفسهم.

بمساعدة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومنظمة مساعدة أوروبية مستقلة باسم “غروبو دي آي” تحققت المعجزة. فقد أنشأوا مبنى بسيطاً للأولاد مكوناً من ست غرف – المدرسة الأساسية المختلطة لقرية رأس التين. هذا المبنى البسيط يشمل خمس غرف وغرفة للمعلمات، وهو مغطى بسقف من الصفيح ويقع فوق تلة. المشهد رائع: المبنى الأبيض البسيط، الصفوف الصغيرة والقليلة التي ليس فيها أي شيء سوى الطاولات والكراسي ولوح من الخشب، ثمة حماسة في عيون الطلاب، ومديرة جاءت هنا بعد أن كانت تدير مدرسة مشابهة في تجمع آخر للرعاة، ونسبة الحضور المرتفعة للأولاد الذين في معظمهم غابوا عن المدرسة السابقة وحتى أنهم تسربوا منها بسبب العقبات في الطريق.

تعلم الأولاد طوال هذا الأسبوع في هذه المدرسة الجديدة، إنها معادلة بمجهول واحد، مجهول حقيقي هو: هل ومتى سينتهي هذا الحلم وتهدم هذه المدرسة؟ خوف بألا يطول هذا الحلم السعيد والمؤثر. وسلطات الاحتلال لن تسمح بحدوث هذا. فالإدارة المدنية قد أصدرت في السابق جميع أوامر الهدم، والجرافات في الطريق. أولاً، حاولوا منع البناء، وبعد ذلك صادروا المعدات والأثاث، أما الآن فيمنعون ربط المراحيض بالأنبوب، فالبلدة غير مربوطة أيضاً بشبكتي المياه والكهرباء. كل بضعة أيام يأتي المراقبون لفحص ما إذا كان أحد ما قد ربط الأنبوب في مراحيض المعلمات. أجل، إلى هذه الدرجة وصل الحقد.

وحسب رأي تخطيطي مهني قدمته جمعية “بمكوم” للمحكمة اللوائية في القدس، والتي يتم يشغل هذه الجمعية مهندسون معماريون ومخططون يحاربون من أجل حقوق التخطيط، كتب المهندس المعماري ألون كوهين في الشهر الماضي بأن لهذه المدرسة أهمية كبيرة بالنسبة لطلابها. “بالنسبة لعدد منهم، هي الإمكانية الوحيدة لأخذ دور في نظام التعليم، بحكم قربها من مكان سكنهم”، كتب كوهين. مؤخراً، قدم كوهين رأيه للمحكمة العليا، حيث جرى نقاش في استئناف القرية على قرار المحكمة اللوائية للسماح بهدم المدرسة. في السابق، قال المهندس، أثبتت السلطات بضع مرات بأن هناك طرقاً لعدم هدم المدرسة التي بنيت بدون ترخيص، بل ومن أجل ذلك أصدر أمر خاص: “تعليمات المصادقة على الإنشاء والإعفاء من الرخصة لمبنى تعليمي”، غير أنها استهدفت المستوطنات التي تقع في المنطقة، ولم تستهدف سكان المنطقة الآخرين. ركز كوهين أيضاً على حقيقة أن الأرض التي أقيمت عليها المدرسة هي أرض خاصة سمح أصحابها بإقامة المدرسة، وفي الأرض الزراعية مسموح بناء مدرسة حسب المخططات الانتدابية التي تسري على هذه المنطقة. إلى جانب ذلك، احتمالية الحصول على رخصة بناء من إسرائيل في منطقة “ج” تبقى ضعيفة جداً. “من الجدير في هذه النقطة محاولة وصف الأولاد والبنات الصغار في الصف الأول، الذين يخرجون من بيوتهم في الساعة السادسة صباحاً للوصول إلى المدرسة عند بداية الساعة الأولى”، يصف كوهين في رأيه الذي قدمه ويقول: “هؤلاء الأولاد ينهون التعليم في الساعة الواحدة ظهراً، وفعلياً يصلون إلى البيوت في الساعة الرابعة بعد الظهر. هكذا يكون يومهم الدراسي مدته عشر ساعات، نصفها فقط مخصص للدراسة. في زمن كورونا يوجد لهذا أهمية زائدة؛ حيث ليس للأولاد إمكانية للتعلم عن بعد؛ فلا وجود لأي حاسوب أو إنترنت أو كهرباء في القرية”.

في 20 أيلول الماضي، جاء إلى هنا موظفو الإدارة المدنية من أجل التصوير. وفي الأسبوع الماضي جاءوا بهدف التصوير وفحص المراحيض خوفاً من ربطها بالمياه. كل زيارة كهذه تثير المزيد من الخوف والرعب في أوساط الطلاب والمعلمات. المتحدثة بلسان مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق أبلغت الصحيفة بأن “الالتماس بشأن الادعاءات تم تلقيه من قبلنا، والرد على الالتماس سيقدم للمحكمة. ونؤكد أن وحدة الإشراف في الإدارة المدنية تقوم بنشاطات إنفاذ للقانون ضد مخالفات في مجال التخطيط والبناء. هذا جزء من واجبها للحفاظ على النظام العام وسلطة القانون. نشاطات إنفاذ القانون، وكذلك مصادرة المعدات التي جرت في ذلك المكان، تنفذ طبقاً للصلاحيات والإجراءات، وكذلك طبقاً لسلم الأولويات والاعتبارات العملياتية”.

في فترة كورونا يدرسون هنا أربع ساعات فقط في اليوم. الصفوف مختلطة: البنات والبنين معاً. الصفوف “أ” و”ب” و”ج” في غرفة واحدة. وهكذا أيضاً في المراحل الدراسية الأخرى. بالإجمال، يتعلم في المدرسة خمسون طالباً، 30 فتاة و20 ولداً، إلى جانب 6 معلمات وسكرتيرة ومديرة. أما البنات اللواتي لم يذهبن في السابق إلى المدرسة لبعد المسافة وبسبب الأخطار، فهن يشكلن الأغلبية الآن. تقول المديرة إنه مع كل المخاوف من الهدم إلا أن شيئاً لا يقارن بما كان قبل افتتاح المدرسة. أولياء الأمور يقولون لها بتفاخر بأن أولادهم أصبحوا يعرفون اللغة الإنجليزية قليلاً، وكذلك الحساب والأدب. وفجأة، هم يريدون التعلم. والمعلمات، كما تقول المديرة، ينتظرن شروق الشمس للمجيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى