غياب ولا محطة وصول قد تفتح له ذراعيها

د. أحمد جمعة | مصر 

-١-
في الليلة التي تغيب الأم،
تنطفئ شعلة القلب
وتتقد في الدم ألف شمعة للانتظار،
يمضي الوقت قطارا فارغا
ولا محطة وصول قد تفتح له ذراعيها
ووحده من يمنحك حضن الأبد:
الحزن،
ويبيع دموعك الملوكية
جواري
للأيام الغريبة!

-٢-
جميعهم مرّوا في صمت مهيب
بيد أنني ضحكت،
ضحكت حتى سقطت على الأرض عيناي
وبللتا التراب بملامحها،
ضحكت في جنازتها بينما الجميع في بكاء مرير،
جميعهم لا يعرفون بأنني تذكرت نكةً
كانت حكتها لي في طفولتي
عن رجلٍ أجهش بالضحك
في جنازة أمّه!

-٣-
أحببت كل ما أكره؛
بغية أن يهزمني
فأزداد له كراهية.
كرهت كل ما أحب
لأنني خفت..
كراهيته.
كل ما خفت فراقه
اقتربت منه
لأفارقه.
كل ما أردت فراقه
اطمأننت إليه
ففارقني.

-٤-
ذهبوا،
ولم يشغلوا أنفسهم بقفل قلوبنا
تركوها مفتوحة على شارع
للذكريات،
تركوا مفاتيحها معلقة على الأسئلة
خلف باب قديم للانتظار.

صمتوا، صمتوا طويلا،
أطول من ليل غريب أفلت من شمسٍ تائهة،
ولما تكلّموا، قالوا: وداعا.
ثم ذهبوا، وقلوبنا بيوت للعناكب،
والكلام في حلوقنا قنافذ،
والأفكار دبابير.

ذهبوا،
بعدما حصدوا من أرواحنا رقتها
بعدما زرعوا مكانها خناجرهم
بعدما سقونا من كأس حبهم مرارة الخداع،
بعدما رموا في أجسادنا الفارغة حجرا
وقالوا: أغنية خرساء.

لمّا تيقنوا من وقوعنا في حبهم
الذي لا وقوف بعده
ذهبوا.

-٥-
خطوة وربما قدم
وتنزل باسما رغما عن هرولتك
لتقابل الذي يطرق مذ ميلادك
باب حياتك،
عاريا
وليس من جيب للأماني
قد تدس فيه يدك الآثمة الباطشة،
بفم متهدل
هدلته وعودك الكذوبة بالحب،

خطوة وربما قدم
وتدوس معذبا
على لغمك الذي صنعته بيدك
لقلوب طبطب عليها القدر،
آسفا ومفلسا
ترقد على سرير ضيق للحساب
وما من سبت في رصيدك قدمت
ليحقنك بالراحة
أحد،

خطوة وربما قدم
وستصفعك الحياة بكل كيدها
متشفية
لكل ما أفسدته فيها من أيام
وببخس تبيعك
للموت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى