منظمة التحرير الفلسطينية والتحديات الصعبة

وليد العوض | فلسطين

 

 في ظل اشتداد الهجمة المعادية على شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة ومحاولة تصفية قضيته الوطنية يشكل استهداف منظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

أحد أبرز معالم هذه الهجمة التي بلغت ذروتها في ظل حكم الرئيس الأمريكي الآفل دونالد ترامب، ومع مغادرته البيت الأبيض مطلع العام المقبل، لا يعتقدن أحد أن مثل هذا الاستهداف يمكن أن يتغير بل سيأخذ أشكالا جديدة تتمحور كلها في محاولة الانقضاض على حقوق شعبنا أو على الأقل تدجينه للقبول بسياسة الأمر الواقع التي يجري ترسيخها يوم بعد يوم وعلى مختلف المستويات.

وكما أشرت فإن الذين يعملون على استهداف شعبنا وحقوقه يحاولون تمرير مسعاهم الخطير عبر محاولة شطب منظمة التحرير الفلسطينية كسقف أعلى لطموحاتهم أو إضعافها وانهاكها والانتقاص من مكانتها للانقضاض على دورها بالحد الأدنى، واللافت في هذا المجال أن هذا الاستهداف يأتي والمنظمة ومؤسساتها كافة تعيش منذ عقدين من الزمن في حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن الذي بات يصل بكل أسف على شفا الاندثار.

وفي خضم هذا الوضع  الذي لا يسر صديق باتت حتى غالبية الأجيال الفلسطينية الشابة لا تعرف عن المنظمة، مكانتها وتاريخها ودورها إلا لماماً، رغم ما قامت به من دور هام وتاريخي في قيادة النضال الوطني الفلسطيني منذ منتصف الستينات حيث أعادت لشعبنا ودوده على الخارطة السياسية وقد شكلت بذلك التكوين السياسي لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، وإطارها  العام وقيادة مسيرتها الوطنية، وهي من أحيا القضية الوطنية  الفلسطينية وأعادها إلى واجهة الأحداث وعبأت شعبنا ونظمته حولها وهي من صان القضية وحماها وحملها إلى العالم أجمع وحول الشعب من لاجئين إلى ثوار ينشدون العودة وحق تقرير المصير، ونحت قيادتها وبما قدمه شعبنا من تضحيات حظيت القضية الفلسطينية بتأييد العالم أجمع، إنها باختصار شديد شكلت في الزمن الصعب الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني وعلى أرضيته مارس حياته السياسية الاجتماعية والثقافية  بتفاصيلها كافة، وما من شك فإن ذلك تزامن أيضا مع حالة نهوض وطني وقومي بل وتقدمي على مستوى العالم ساعد في احتضان المنظمة وكفاح الشعب الفلسطيني ويعرف كل ذي بصر وبصيرة أن تلك الظروف لم تعد قائمة؛ بل أن العكس تماما هو من يتسيد الموقف، الأمر الذي يقتضي صون المنظمة والحفاظ عليها.

اليوم وفي ظل ما نعيشه من مخاطر تقف المنظمة كما أسلفت صاحبة الإنجازات العظيمة والمكانة الكبيرة والتضحيات الجسام، صاحبة الرصيد والإرث الكفاحي المجيد على مفترق طرق حساس وخطر فتواجه عدو خارجي يتربص بها شراً يريد تجاوزها والقفز فوقها لما مثلته من دور ومكانة وبهذا يريد القفز على الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني وشطب ما حققته من التفاف شعبي حولها ومن نجاحات لا يستهان بها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وأما على المستوى الداخلي.

وهو الأهم فلم  يعد غياب دور المنظمة ومكانتها والشعور بأهميتها يقف عند حدود الأجيال الشابة التي لم تعاصر ظروف نشأتها ومعالم الطريق الشاق الذي سلكته على مختلف الصعد لتحقيق ما نعتز به من إنجازات، بل ومع الأسف فقد طال هذا التغييب للمنظمة ودورها حتى العديد من أبنائها الذين كانت لهم الرافعة التي حملتهم إلى كافة مواقع القيادة لكنهم اليوم يتعاملون معها بكل استخفاف وضيق يصل لدرجة الإسهام في إضعاف دورها وتبديد مكانتها وطغت عملية الانخراط في دوامة السلطة ومظاهرها المتعددة هو الشغل الشاغل وعلى هذا الأساس وفي معمعان هذا الانغماس في السلطة وما حملته من مظاهر المكان والمكانة منذ ما يقارب الربع قرن بدا وكأن دور المنظمة قد انتهى، وكأن أهداف شعبنا وحقوقه الوطنية التي رفعتها منظمة التحرير وقدم شعبنا الفلسطيني في سبيلها التضحيات الجسام قد تحققت بقيام هذه السلطة على ما تيسر من أرض الوطن.

بهذا المنطق النظري والسلوك العملي الذي ترسخ تدريجياً لما يزيد من عقدين من الزمن بدا وكأن السلطة حلت مكان المنظمة رغم أنها أُنشأت بقرار منها وليست بديلا عنها، وأنها إحدى مؤسساتها التي أُنشأت بقرار من المجلس المركزي في أيلول عام ١٩٩٣ لرعاية وإدارة شؤون  الأراضي الفلسطينية بموجب اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل.

إن نص قرار تشكيل السلطة الوطنية الصادر عن المجلس المركزي يؤكد أن المنظمة هي المرجعية وهي المسؤولة عن السلطة وعن أداءها بكل تفاصيله، وعلى عاتق المنظمة تقع المسؤولية السياسية عن القضية الفلسطينية برمتها، كما تقع عليها مسؤولية رعاية شؤون شعبنا الفلسطيني في الشتات الذي يشكل ٦٠٪؜ من مجموع الشعب الفلسطيني، وأن منظمة التحرير وليس السلطة ووزاراتها هي من يمثل الشعب الفلسطيني في كافة المحافل العربية والدولية، ومن يتحدث باسمه وهي من يوقع أية اتفاقات تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني ومصيره .

إن هذا الحال قلل دون شك من مكانة المنظمة وأضعف دورها ليس فقط على صعيد  علاقاتها مع جموع اللاجئين في الشتات  بل على الصعيدين العربي والدولي كما ولدى المنظمات والهيئات السياسية والبرلمانية والشعبية الإقليمية والدولية التي تعاملت مع مؤسسات السلطة الوطنية كمؤسسات بديلة للمنظمة.

هذه الأيام وفي ظروفنا الراهنة فإن المحذور قد حصل والمؤسف قد وقع حيث نشهد تراجعاً غير مسبوق لمكانة المنظمة وغياب لدورها بل واهتزاز لمكانتها وتغييب متعمد لمؤسساتها وعلى رأسها اللجنة التنفيذية الخلية القيادية الاولى والعليا للشعب الفلسطيني وقد تعمق هذا الغياب بكل أسف أعقاب المجلس الوطني الذي عقد  في نيسان عام ٢٠١٨، وما تلاه من إضعاف تام لدور اللجنة التنفيذية وإلغاء العديد من  دوائر المنظمة واستبدالها بأسماء باتت أقرب لمؤسسات الدراسات والأبحاث، وربط الصندوق القومي بوزارة المالية وتعطيل دور المنظمات الشعبية إلى أن شاخت وتآكل دورها، ناهيك عن ما شهدته المؤسسات السياسية والتشريعية والتنفيذية للمنظمة من تعويم وإغراق بحيث وصلت عضوية المجلس الوطني الفلسطيني لأكثر من ٩٥٠ عضواً بعد أن أضيف العديد بشكل مخالف للقانون وقد سجلت تحفظي في حينه على ذلك باعتباره خرقا فاضحا للنظام والقانون، وعلى ذات الطريق من الفهلوة والاستفراد  والتواطؤ أيضا جاءت تشكيلة المجلس المركزي واستكمال عضويته ولجانه بطريقة أفقدته أي دور وفعالية يمكن القيام بها وتلاحظون معي أنه لم يعقد أي اجتماع له منذ عامين رغم أن النظام ينص على عقده كل ثلاث شهور.

في ظل هذه الحالة من الضعف والوهن المستشري من الطبيعي أن يكون حال اللجنة التنفيذية للمنظمة وهي أعلى هيئة قيادية سياسية للشعب الفلسطيني على ما هي عليه الآن بحيث باتت تعقد اجتماعات تشاورية في بدعة لم تعرفها من قبل ، حتى وأن هذه البدعة غابت مع وفاة امين سرها المرحوم صائب عريقات ومع وفاته توقفت اللجنة التنفيذية عن أداء أي دور بما في ذلك مجرد إصدار البيان الذي كان المرحوم عريقات يحرص على القيام بها، وأعتقد أن ما تعيشه اللجنة التنفيذية من واقع مرير يتمثل ليس فقط فيما تعيشه من تهميش ووهن بل ايضا بما يحدث من استخفاف بقراراتها والتراجع عن القرارات التي كانت قد اتخذتها دون استشارتها بحيث يعلم أعضاءها عن ذلك عبر وسائل الاعلام كما حدث من تراجع عن القرارات التي اتخذتها في ١٩-٥ فيما يتعلق بالاتفاقات مع دولة الاحتلال.

تلك القرارات التي جاءت لتمثل امتدادا لقرارات المجلسين الوطني والمركزي وما حملته من مؤشرات هامة بسلوك مسار جديد يتجاوز الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال وقد جاء النكوص عن تلك القرارات (قرارات 19-5) بمثابة إعلان واضح عن العودة للتمسك بمسار الاتفاقات وعودة العلاقات مع دولة الاحتلال، هذا المسار الذي لن يوصلنا إلى الاستقلال وقد سبق وإن تم الإعلان عن التحلل منه، إن هذا الواقع من التذمر وعدم القبول دفع بالدكتورة حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لتقديم استقالتها علها تقرع جدران الخزان بعد طول صمت.

وبعد: أن ما تعيشه منظمة التحرير بمؤسساتها ودوائرها وسفاراتها كافة من ضعف ووهن وغياب لكل منطق تشاركي، يتناقض وبكل وضوح مع الدور والمكانة التي أُنشأت لأجلها منظمة التحرير الفلسطينية، ولأجل المحافظة على ما حققته من انجازات ولصون الارث الكفاحي الذي رسخته بدماء وتضحيات شعبنا الفلسطيني لابد من القيام بخطوات جادة ومسؤولة للإصلاح بروح الشراكة الوطنية لا الاستخفاف، بمنطق التعاون والتعاضد لا الاستخدام، بمنطق الاخوة لا بمنطق الوصاية، بهذا المنطق  الأخوي والرفاقي الصادق فقط يتجسد الحرص على حقوق شعبنا الوطنية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة دورها وتعزيز مكانتها واصلاح مؤسساتها بما يضفي مصداقية أكبر على وحدانية تمثيلها لشعبنا الفلسطيني ويغلق كل الأبواب أمام كل من تسول له نفسه تجاوزها أو الالتفاف عليها أو اضعاف صفتها التمثيلية تحت مسميات مختلفة تجد في ثغرة الانقسام البغيض وما خلفه من تداعيات منفذا ومناخا لها، بغير ذلك ستبقى فإن ابوابها ستبقى مفتوحة وجدرانها هشة تتقاذفها رياح المؤامرات والدسائس التي تستهدف قضيتنا الوطنية وتريد من المنظمة أن تقوم فقط بدور ذكر النحل الذي ينتهي دوره عند قضاء الحاجة التي يخططون لها.

وبعد كل هذا أنني أدرك انه ونظرا للواقع المعقد الذي نعيشه وفي ظل وتراكم الأخطاء والخطايا واستمرار التنكر لكل دعوات الإصلاح لسنوات طوال أن مسألة إصلاح المنظمة وإعادة الاعتبار لها واستعادتها لمكانتها بفعالية لن تكون عملية مسألة سهلة، لكنها مهمة واجبة بكل الأحوال، فهي تحتاج أولا الى توفر النوايا الصادقة وبذل جهود جادة وجبارة من قبل كل المعنيين فعلاً بإعادة الاعتبار للمنظمة وفي مقدمتهم  الأخ الرئيس أبو مازن الذي بيده كل المفاتيح لذلك ، ومعه كل أبناءها الذين حملوا مشعلها ودافعوا عن القرار الوطني المستقل في أحلك الظروف وأخطرها. 

إن توفر مثل هذه الارضية المتمثلة بصدق النوايا وجدية في الخطوات ليس أمرا مستحيلا لكنه شرطا أساسيا للنجاح  في ذلك  سيساعد دون شك في التغلب على كل ما ستواجه هذه العملية من صعوبات ومتاعب  ستكون حاضرة بكل تأكيد، خاصة وان غياب هذه الأرضية في السابق هو الذي حال دون نجاح العديد من اللجان التي شكلت لوضع تصورات خاصة بتفعيل المنظمة وتعزيز مكانتها التي سكنت سويداء قلوب شعبنا  وحفظها في المقل في أصعب الظروف، إنها  المكانة التي تفرض علينا جميعا التكاتف والتعاضد لاستعادتها والحفاظ عليها وتعزيزها في مواجهة الأنواء التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية على اكثر من مستوى وصعيد.

 أختم مقالي هذا مجدداً الدعوة الصادقة لكل الحريصين على المنظمة ودورها ومكانتها لبحث السبل الكفيلة التي تضمن الوصول لما نبتغيه بروح من الشراكة الوطنية والحرص الصدوق كبوصلة لا يمكن الحياد عنها رغم الصعاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى