رمزية الحب في زمن الحرب في ديوان (وللعشق موال أزرق) لـ”عائشة الخضر”

محمد علوط – ناقد أدبي من المغرب

كان الفنان التشكيلي العالمي ماغريت يقول: (إن الأزرق هو لون الحب المطلق )، ويعرف المتمكنون من سبر أغوار رمزية الألوان مثل الفنان العالمي والمنظر التشكيلي كاندانسكي (أن الأسود هو ملك الألوان).

هذه التوطئة جديرة من ناحية رمزية أن تكون مستهلا / مفتاحا لقراءة العالم الشعري في تجربة الكتابة الابداعية للشاعرة عائشة الخضر (لونا عامر) .. و ذلك لأننا بصدد تخييل شعري في تشكيل دلالاته تتصارع قوة الحب مع قوة المجهول الذي يعصف بالوجود الإنساني العربي كذات فردية و كذات جماعية.

تنهل الشاعرة السورية عائشة الخضر من معين خيال شعري يتسامى في قراءته للواقع من مستوى المحلية إلى الكونية، و من مستوى الذات في تجلياتها العربية إلى الذات الإنسانية ، لذلك و نحن نقرأ قصائد ديوانها (وللعشق موال أزرق) نجدنا بصدد شعر أهم ميزة له هو أنه من أبرز صور الشعر الإنساني، الذي مهما أوغل الإنسان في عجزه و أوغل الواقع في بؤسه ، فإن الكلمة الشعرية تظل بالنسبة لعائشة الخضر رهان على تمجيد قيمتين نبيلتين و هما : الإنسان و الحب .

قصائد مثل: “مقعد في حديقة؛ و غريب؛ و كأن أحبك؛ وعلى قيد انتظار “حين نقرأها و نحن نضع بين أعيننا قصائد من الديوان نفسه مثل ” سورية ؛ و مرثية شهيد ؛ و هلوسة سيريالية في زمن الحرب “نجد أن الشاعرة تنسج رؤيا إبداعية تؤسس للإنسان الذي يقاوم مأساة الواقع بجعل (الحب) كقيمة إنسانية كونية هي السماء التي تطهر الأرض من بؤسها وانهياراتها و سقوطها.

تنتمي الشاعرة عائشة الخضر إلى السجل الرمزي العظيم لـ ( الشعر الغنائي)؛ هذا أمر لا غبار عليه: كل مقومات الشعر الغنائي حاضرة في نصوصها الإبداعية ،  من الجملة المنحوتة من دم الوجدان و أغوار العاطفة الإنسانية ، إلى بلاغة مجازات التوظيف الرمزي للطبيعة ، و تسيد الأنا الشعري بضمير المتكلم كذات رمزية جوهرية ، و تجليات صور الحزن و القلق و الألم و الغربة و الاغتراب و الحنين و النوستالجيا .. هذه الصور المتخيلة الغنائية الرمزية التي مهما تعددت فيها صور الوجع الإنساني .. فإن سؤال مصير وجود الكائن تلخصها الشاعرة و تمحورها في معنى كبير هو لحمة ديوانها ، هذا المعنى الذي لا يكف يملأ وعينا بفكرة عليائية سماوية فراديسية : تجعل الحب من مجرد التعاطف البسيط إلى حمولته الروحية و الثقافية و الأسطورية هو الخلاص الكوني .

نعم .. تنتمي الشاعرة عائشة الخضر إلى سجل الشعر الغنائي .. فلغتها الشعرية من صميم الشعر الوجداني الذي يعيد كتابة الواقع بلغة شعرية رومنطيقة ؛ لكن من وجهة قراءة نقدية صميمية : انها لغة ذات عمق شاعري تأملي و فلسفي و رمزي ؛ لغة شعرية ترقى بالكلمة من مستوى الاستعمال العادي المألوف الى مستوى الاستعارة الأسطورية و مجازات التعبير الكوني الإنساني .

تقرأ قصائد عائشة الخضر فتشعر أنها جاءت الى الشعر من اطلاع واسع و مبحر على مختلف منجزات الشعر العربي من للقصيدة الكلاسيكية إلى الشعر الحديث .. و من تمكنها من اللغة و البيان العربي .. و من قراءاتها المتعددة في الأدب و الفلسفة و الدين و التاريخ و الفنون .. لذلك فنصوصها ضاربة العمق في الذاكرة الكبرى للكلام و الأدب و فنون القول و التعبير و سجلات المعرفة و الفكر .

شاعرة : يحسب لها بكل اقتدار نقدي لا مجاملة فيه أنها لا تقلد أي صوت شعري  ، و لا تتوكأ على منجز شعري جاهز ، بل تمتلك تجربة شعرية أصيلة .. و في نظري النقدي الخالص أعتبرها صوتا شعريا رائدا في الإبداع النسائي السوري العربي .. فنصوصها المنحوتة من متخيل لغات الحب و الصبابة و العشق متميزة و استثنائية و تجعلنا من خلال لغتها نصبو الى حياة خميرتها و إكسبرها الخالد هو الحب .

للعشق موال أزرق .. أليس هذا عنوانا كافيا ليكون بطاقة جمالية تعريفية وافية بالشاعرة عائشة الخضر .. ؟

الجواب النقدي و الاستطيقي : أجل ؛ ثمة امرأة مبدعة سورية تكتب القصيدة كموال شامي و كموشح أندلسي .. أزرق مثل أبدية السماء و البحر .. أزرق مثل المطلق الإنساني الذي ننشده و نحلم به في أزمنة العنف و الحرب و الألم و الاغتراب التاريخي و الايديولوجي الراهن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى