العقل مع القلب (قصة قصيرة)

أسماء إلياس | فلسطين

أنشد قصيدة، وأنا أستمع إليه بكل شغف، وعندما وصل إلى النهاية نظر نحوي وقال لي: أحبك كل يوم أكثر من سابقه.

 نظراته تؤنس وحدتي، وعندما يبتسم،  تضيء بوجهي ألف شمعة، يروي لي  قصص بطولات أشخاص أثروا بالحياة،  أستمع له بكل  حب، أتعلم منه الشيء الكثير، فهو الوحيد الذي رافقني منذ طفولتي إلى مرحلة شبابي،

  فهو يحمل صفات اسمه، فلكل إنسان من اسمه نصيب، البراهين تؤكد لي بأن  وحيد يحمل الكثير من صفات اسمه،  شخصيته مميزة، انسان مثقف واع ومتعلم، وهو وحيد ليس له مثيل.

 أحيانا نتجادل بعدة مواضيع حياتية أو سياسية أو علمية، أجده مثقفا شموليا ملمّا يعطي براهين وأدلة على كل موضوع خضنا به، لا يهم ماهية هذا الموضوع، لكن الذي شدني نحوه في البداية، هو أسلوبه الراقي، تربيته، فقد تربى في بيت يؤمن بالحرية، لا يفرق بين الجنسين، لذلك عندما ولد لم يأخذ كل الدلال لأنه ذكر، بالعكس كانت المعاملة بينه وبين أخواته عادلة، والده السيد فايز يؤمن بالمساواة بين الجنسين، والمرأة ليست أقل من الرجل، عندما كان يسمع مقولة (وراء كل رجل عظيم امرأة) يعترض لأن المرأة ليست ناقصة، يكفي أنّها تنجب وتربي، من دونها لا تكتمل الحياة، إذن هي كاملة، ومن يرى غير ذلك فبسبب العقول التي تربت على تهميش دور المرأة، مع أن المرأة تبوأت الكثير من المناصب العالية، هي القائدة الوزيرة، والكثير من المهن التي تقوم بها، فلم يعد دورها ينحصر فقط بالإنجاب وتربية الأطفال، كما قال عنها نابليون “المرأة التي تستطيع أن تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها.”

في أحد الأيام وأثنء زيارتي لأحد المعاهد بالبلاد، لأكون ضيفة شرف بمناسبة يوم الطالب، ولألقي بعضا من خواطري التي أكتبها، والتي ذاع صيتها بعد أن قمت بإصدار ثلاثة اصدارات، جعلتني معروفة بكل الأوساط الأدبية الثقافية، التقيت بوحيد عند المدخل، سلم بحرارة، وقال لي: – اليوم خطرت على بالي.

 قلت باسمة: خير يا طير؟

 قال: وابتسامة تعلو شفتيه: بالمناسبة فكرتُ بكِ، لقد تم تعييني رئيس اتحاد الأدباء،

 – ألف مبارك لك هذا المنصب، – أنا سعيدة جدا من أجلك.

 – أشكرك يا غالية، لهذا فكرت أن تكوني معي، ما رأيك بهذا الاقتراح؟

– اقتراح جيد جدا، أنا موافقة كيف لي أن أرفض شيئا جاء منك؟

اقترب مني وهمس بأذني:

  تعلمين بأني أحبك يا زهرة، لهذا أول من فكرت أن يكون بجانبي هي انت، هل تعتقدين بانه يوجد في كل العالم امرأة توازيك جمالا وأنوثة وذكاء؟ أكيد لا يوجد، لأنك وحيدة مميز.

ابتسمت وتلك الابتسامة ترجمت كل ما بداخلي من حب، وحيد وحده يعلم ما هو بالنسبة لي.

في نهاية التكريم الذي حضره كل رجال التعليم من كل المعاهد والوزارات، تم تكريمي وتكريم بعض الأدباء والشعراء. ثم ألقى وحيد قصيدة، التفت نحوه وكانت نظراته تحكي ألف حكاية. فهو مثال الإنسان المحب لوطنه المناضل، وقد زرع فيه والده حب الأرض والوطن، ويردد أمامه دائما:

يا ولدي لا يوجد أغلى من الأرض، لأن الأرض عنوان الشرف والفضيلة.

دعاني وحيد لفنجان من القهوة في أحد المقاهي المنتشرة على شاطئ البحر. هناك جلسنا بمحاذاة الشاطئ المليء بالرواد، فقد كان فصل الصيف قد حل، وكثير من الأولاد يلهون على الشاطئ بمرح وانبساط. تخيلت نفسي عندما كنت صغيرة، وأرجو الوالد كي يأخذنا إلى البحر حتى نسبح ونلهو، لكنه يرفض، ليس لشيء إلا لضيق اليد فقد كان فقيرا معدما، كان عامل بسكة الحديد، وكل يوم يعود للبيت تعبا مهدود الحيل، وأمّي دائما تقول لنا، حال عودة والدكم أريد منكم عدم ازعاجه، كنا نسمع كلام والدتنا بكل حب. كبرنا وتلك الذكريات ما زالت باقية بذاكرتي، بعد موت الوالد بحادث عمل، عملت والدتي بالخياطة حتى تقوم على تربيتنا. بذلك الزمان كانت المعيشة صعبة، لولا أنهم دفعوا لنا تعويضا جراء الحادث الذي أودى بوفاة الوالد، ما كانت الوالدة استطاعت اقتناء ماكنة خياطة.

 لكن الشيء الجميل بتلك الذكريات أني تعلمت شيئا واحدا بأنه يجب على المرأة أن يكون بين يديها شهادة تكون سلاحها وقوتها، لهذا تعلمت حتى نلت شهادة المحاماة، وأعمل حتى أصل لدرجة أكون فيها قاضيا، أحكم بالعدل.

بعد أن استطاب بنا المقام قلت: ما أجمل الصيف، وما أوسع بساطه.

فرد وحيد: نعم يا حبيبتي لا يوجد أجمل من الصيف، تكلمنا وشوق أحدنا للآخر كبير. وعيوننا تترجم ما بداخلنا من عشق، شربنا قهوتنا، تواعدنا على أن نبقى سويا. واتفقنا على الزواج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى