حوار عالم الثقافة: الأديبة الجزائرية خولة فاضل والإعلامية الليبية ريم العبدلي (وجها لوجه)

خولة محمد فاضل كاتبة وإعلامية جزائرية متميزة وبيدها قلم يجري حبره كنهر يتدفق على صفحات أوراقها من الإبداع.. الكتابة  بالنسبة لها بوح وتعبيرعن مكنونات، ومشاعر وأحاسيس، وصياغة فكرية بصورة فنية وجمالية. ولنتعرف عليها أكثر كان لنا معها هذا الحوار:-

 

قدمي نفسك للجمهور؟

تحية من صميم الفؤاد تعبقها أنفاس الورود أزفها لكل من استهواه العبور بين حروفي وخلجات بالي وروحي.. رغم أني لا أحسن المقدمات ولا تروقني النهايات..لا أجيد الترحيب ولا التوديع أكتفي بالنظر والصمت والابتسامة والٱهات.. تحياتي لك الأستاذة ريم العبدلي على كرم الاستضافة.. تحياتي لك أيها القارىء تشق عباب كلماتي بأشرعة الأماني والأحلام والمغامرة..

فلوجهي المترع بالأسى غواية وحكاية  مقتطفة من وشيج الروح ولأحلامي المعتقة بين أسوار الوجع.. تجف الأقلام وتنكسر المرايا.. روايتي عتيدة  ممتدة الفصول بلا نهاية..  أنا هنا فيافي أرهقها الحنين لمزن الشتاء.. أغنية حزينة من ناي النشيج وأشجان الليالي على مذابح الحنين ووجيب الاغتراب القاسي..

حكايتي  أنجبتها  سياط الجلاد والمنافي وأكداس الصقيع يفترشه البائسون والمحرومون في وهاد الظلام وعلى أوتار الروح تعزف الٱلام.. وتعزف سكرات الحمام.. ويعزف الفناء وما تبقى مني غير الوجع والهم ودموع أسفكها خلف ظلال الوطن..ما تبقى مني غير السراب والوهم وهيكل محشور في غياهب العتم..ما تبقى مني وقد أمسيت بلا لون ولا حلم..ما تبقى مني غير حكاية من ألم .. بقايا امرأة منفية في العدم.

أديبة جزائرية ٱمنت أن الحرف الجميل يسافر لوحده ويصنع لنفسه حضورا بين الأقلام المبدعة..أظنه روحي المسافرة بلا جواز سفر أو تذكرة.. عاصفة  حارقة ثائرة هادئة مذهلة حائرة..تماهت بمهجتها الفصول والعصور.. رواية امتدت فيها الحكايا ورسمت صفحات المرايا..نقية كالطفلة تعانق لعبتها وتشتاق لمعلميها وأسوار مدرستها ..تتوق إلى عالم جميل تسوده الإنسانية والمحبة والسلام..

 ولدت من رحم المعاناة، بهوية منتهية الصلاحية أو ظل هوية .. مجرد رقم أو اسم مهمل في هذا الوطن الذي تجرعت فيه الغم والكمد والمحن، فاعتنقت حروف الأبجدية لأنحت بها من أوجاعي الروح اسما ووجودا خارج أسوار العدم لم يتبق لي من وطني غير اسم قيدوه في هوية من ورق، ثم أشعلوا من غربة روحي عود ثقاب ليحترق..ليس لي من وطني غير الوهم..فأنا أحيا مجرد رقم ..سيحذف لو حاولت أن أعترف أنهم سرقوا مني الوطن وأني مجرد حكاية من ألم الشجن أو أني ظلال إنسان أو وهم غمسوه في وهاد العتم..خلقت موؤدة في كفن.

***

هل نسنطيع القول بأن حضرتك أستاذة في النهار وكاتبة وصحفية في الليل؟

أستاذة اللغة العربية وربة بيت في النهار وصحفية هاوية وكاتبة في الليل..عندما يسدل ستار العتمة ويغرق في ظلاله الحياة والأشياء تبدأ حياتي الأخرى وسفري في فضاءات الكتابة.. ذاكرة الليل هي التي تمنحني عنفوان البوح والتأمل والتمرد والجرأة..اللحظات النورانية التي أخلو فيها مع السكون والصفاء حيث تتجلى الحقيقة الكامنة بفؤادي وبصيرتي وتحفني الخواطر بأشواكها وأزهارها..عندما تتفتق وردة الليالي فتزهر فينا جمالا عابقا بالأحاسيس والفضيلة وتسمو أرواحنا بعيدا عن جسد المادة.. حينها يبدأ قلمي في ترجمة خباياي وأسراري..وتنتحي الحجب أمام بصيرتي..وتتدفق في خاطرتي ٱلاف الهواجس المستعرة.. إنه السفر في الغياب والحضور والوهم والفضاءات المتوارية.. تلك الرياح العاتية شراع سفينتي نحو عالم الحرف..

***

حضرتك معروفه بأنك كاتبة مخضرمة وأستاذة وصحفية فما الذي وُلد أولا الصحافة  أم الكاتبة؟

كنت صحفية محترفة قبل أن يلجم الإرهاب لساني وقلمي وأخير بينه وبين الحياة.. فجرأة قلمي أقعدتني تحت حبل المشنقة.. ففضلت أن أحبس داخل الزنزانة على أن أموت قبل أن يسمع صوتي وتضج صرخاتي.. وأمام القهر والمنع والترهيب والتهديد حولت وجهتي إلى التدريس.. لقد أحرق الإرهاب عدة مشاريع أدبية لي قبل أن ترى النور حين داهم البيت العائلي وأحرقها.. عشت فترة صعبة ترقبت فيها الموت مع كل نفس، فهجرت الكتابة لمدة تناهز العشرين سنة.. غير أن هواية الإبداع والصحافة بقيت كامنة في أعماقي تؤزني.. فعدت من سنتين لأبحر في فضاء الحرف.. وبجرأتي المعتادة غير أن الظروف تغيرت.. لقد أطلق الحراك الشعبي صراحي.. وكسر الأصفاد التي قيدني بها الإرهاب الذي ضرب البلاد  بشتى أنواعه.. لقد عشت ظروفا قاهرة طاحنة..وحان الٱن موعد تفريغ تجربتي الموجعة معه.. لظى تلك النار التي كانت تستعر بداخلي ستحرق ذاكرة أجسادهم وأياديهم الملطخة بدماء الأبرياء.. شيء من روح تلك التجربة هو موضوع روايتي الجنين التي سترى النور هذه السنة بحول الله..إنها مريرة موجعة.

الكتابة ولدت الأولى وحروفي هي التي فتحت لي أبواب الصحافة.. عندما كنت طالبة بمعهد الٱداب واللغة العربية والصحافة أنضجتها ومدتها بالجرأة واتساع الرؤى والموضوعية.. لقد كانت الصحافة جسر عبوري نحو الكلمة الطلقة وفضاء الإبداع الرحب.. اكتسبت من خلالها الجرأة في مواجهة ذاتي والمجتمع والتعبير عن رؤاي بكل بسالة وحرية وصدق.

***

بين عالم القصة القصيرة والصحافة علاقة وطيدة فماهي الأوجه المتعددة لتلك العلاقة برأيك؟ و وهل كان للصحافة ثأثير على إبداعك القصصي؟

القصة القصيرة قريبة جدا من الصحافة غير أنها تنقل الأحداث بأسلوب فني مشوق تبرز فيه مقومات القصة التي تختلف عن المقالة التي هي فن الكتابة الصحفية الأولى..ومن المؤكد أن هناك علاقة بينهما فالصحافة تساعد في نضجها وتجعل الكاتب أكثر اطلاعا على الأوضاع السياسية والاجتماعية وإحاطة بها وأكثر عمقا في تحليل الأحداث ومقدرة على استوعاب ما يدور حوله.

***

هل ثمة علاقة شخصية تجمعك بنصوصك؟ ولو طلب من حضرتك انتقاء قصة تمثلك فماذا ستختارين؟

كل قصة أكتبها هي جزء مني.. فيها من روحي وكياني ورؤاي وأحاسيسي وخواطري وأحلامي وأوهامي وثقافتي ومذهبي؛ إنها تشبه ابنتي..تحمل شيئا من تجاربي ومواقفي وبعضا من رسالتي..فكل قصة أكتبها تمثلني فمن الصعب إن لم أقل من المستحيل أن أفرق بينها واختار واحدة دون أخرى رغم إحساسي أحيانا أن تلك التي تحمل شيئاً من سيرتي الذاتية هي الأقرب مثل قصتي ليلة في الجحيم.

***

قمتِ بمحاورة العديد من الشخصيات وتم نشرها في العديد من الصحف العربية كما تم أيضا نشر العديد من الدراسات النقدية حول كتاباتك.. وبدورنا نحاورك فحدثينا عن الإضافة التي قدمتها لك هذه الحوارات والدراسات؟

الحوارات تسمح لك بتقديم نفسك ووجعة نظرك وٱرائك..فهي فضاء فكري ثقافي للاجتماع بالقارىء والتواصل معه والإبانة عن سيرتك الذاتية ورؤياك ووجهات نظرك في بعض القضايا خاصة الأدبية والثقافية..فالحوار ٱلية موجهة لتقديم الأديب  نفسه والتعبير عن أفكاره وعقيدته وأحلامه وهواجسه وتطلعاته ورؤاه ومشاريعه..

***

كلمة نختم بها الحوار مع حضرتك؟

مسافرة في الحرف..

مبحرة في التيه والوهن..

غريبة الوجه والدار والوطن..

غريبة الروح واللسان

أسافر وحدي..

 أكسر مقامع القيد..

تطحنني الفواجع والمحن..

يبعثرني عشق من شجن..

وحلم ضرير غيبوه في كفن..

 

ووحدي غريبة أمضي..

تتقادفني أزقة الشارع الولهان

تحاصرني وجوه من رماد ودخان

وعيون معصوبة من اللهفة..

تموج بالشظايا والأحزان..

وعصور معتقة من الأصفاد والهوان..

تحاصرني قلوب ماتت فيها الرجفة..

وأكداس أجساد أغتيلت فيها العفة..

وضوء فاقع الألوان..

وأفواه خرساء من الدهشة..

ووجوه غريبة الملامح والألحان

كأن بها مسا من الشيطان..

 

أظل مسافرة في الحرف..

ووجهي مترع بالأسى والغياب..

يلفه نقع الحرمان والضباب..

يرسمني الحرف من المحيط إلى الخليج

وأحمل اوجاعي من سبتة إلى الضفة..

ومن دجلة إلى الجولان..

أسافر عطشى كالنيل العطشان..

 

يكتبني الحرف..

يعزف الحكايا والخبايا والوجع..

اتفرس في وجه العربي الظمآن..

أتفرس في وجهي المترع بالشجن

في عيون أضناها الليل والغبن..

أتفرس وجوهنا في مرايا السنين

يجرحني حطام المرايا..

أقلب فصول الرواية..

غارقة في الوحل كل الشوارع والزوايا

وشظايا المرايا تمزق أشرعة السفن..

فنتيه في دوامة السراب..

تلفحنا ريح سموم من عفن

نتيه بلا هدي ولا إياب..

يوجعنا نباح الكلاب..

من غربان وساسة خراب.. 

ينهشون أوشاج الوطن

ختاما لهذا الحوار أقول للقارئ الفاضل:

إليك أكتب حرفي.. ويلتهب إحساسي.. وينطلق عزفي.. أنت الملك الذي كل الأقلام تسعى إليه وكل الأحلام والرسائل تبدأ منه وتنتهي إليه.. أنت المبجل المكلل الذي يمنحني شهادة تواجدي ويقلدني عقد الاستمرار والبقاء ويمنحني الدعم بالمتابعة والوفاء.. فالمبدع بلا قارئ كمن يخطط بالماء على الماء.. إني بانتظار مواسم الفرح التي سنحياها معا.. فأنا امرأة تتوسد أوجاعها لتنام..كل أحزان الإنسان أحزاني.. كل الوجوه المعتمة الغبشة بالضباب والهم  وجهي الٱخر.. كل دخان تصاعد من جوف المحرومين هو أنفاس احتراقي.. أنا الغريبة المنسية خلف أسوار الحرمان.. أنا ظل امرأة تجر خطاها الواهنة وأقدامها الحافية فوق الأشواك والصبار والقتاد والصخور المسننة.. انا القابضة على الجمر في صمت عجيب.. أنا التي في صدرها تنغرز آلاف الخناجر.. ويقيم فيها الزمان المآتم والمجازر..  أنا بقايا إنسان.. أحلامه مشوشة مشوهة تغتال قبل أن تبصر.. أنا اسم بلا عنوان.. وروح منسية مكبلة في مقامع النسيان..  أنا يا أنت.. وجه الليل..أنين الحلم..نشيج الأشجان.. أنا وجهك الآخر.. تحية إجلال وتقدير لكل من تابع  كتاباتي أو حواري.. وتحية احترام وامتنان لإعلاميتنا المتألقة ريم العبدلي على هذا الحوار الذي تمنيت أن لا ينتهي ليستمر شرف تواجدي بينكم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى