حين تضل عنك الآلهة.. وتضل عنها !!

محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري

في خضم هذا الموت المحيط المترقب، يتقوقع الإنسان على ذاته،  عله يستطيع  أن يطرد عنه هذا الخوف الذي يكاد يقتله، يفتش في نفسه عن قوة مهيمنة غالبة تستطيع أن تحضره  في هذا المكان، فتنقذه، أو تضمن له النجاة.. وحين يعيد التفكير ثم يعيده، فلا يجد إلا قوة الآلهة التي كان يلوذ بها حال الرخاء، ويقدم بين يديها القرابين، ويتمتم لها بصلواته ودعواته ..

وحين يقلب رأسه في ما قد تبلغه تلك الآلهة ، وما تستطيع أن تصل إليه، فلا يمكنه أن يخادع نفسه، فبين شعرة الموت والحياة، لا يخدع الإنسان نفسه لحظة، فاللحظة هنا قد تعني له موتا أو حياة..

فهل ركبت البحر يوما وقد تاه من ناظريك المدى،؟  وتجدك محمولا على قطرات ماء لا يكاد يمسك بعضها بعضا، والبحر من حولك لا يبرز لك معه معلما، ولا يبين لك في الأفق علما أو أملا.. تلطمك الأمواج من كل حدب، و تقاذفك زخاتها من كل جنب،، ترفع الفلك وتخفضه، تزجيه مرة وتثور به أخرى.. حينها لابد وأن تهاجسك نفسك بالهلاك.. فنحن لا نملك من قناعة الطمأنينة فقط إلا حين نلامس أسبابها بين الحين والحين، فكيف إذا تحسسنا ما يطمئننا حينا فلم نجده، ونرسل النظر في الفضاء الممتد فلا يرجع  إلا خاسئا  حسيرا، لايحمل معه طمعا في نجاة أو طمأنينة مرتقبة..

روى أبوداود: أن عكرمة رضي الله عنه، هرب يوم الفتح من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أهدر دمه، فركب البحر قاصدا اليمن، فهاجت ريح عاصف، كادت أن تودى بهم، فقال لهم أصحاب السفينة : “أيها الناس .. أخلصوا، فإن آلهتكم التي تدعون لن تغنيكم هاهنا، فقال عكرمة، والله إن كان لا ينجيني في البحر إلا الإخلاص، فلن ينجيني في البر غيره، ولئن نجوت لآتين محمدا، فلأجدنه عفوا كريما.. فأخلص فنجا ثم جاء فأسلم.

هذه العواصف القواصف قد تأتينا في البر كما تأتينا في البحر، تظل أعناقنا لها خاضعة .. وقد رأينا الغرب الذي بلغ من العلم مبلغا أبطره، وغره، وجعله يبارز ربه  وينادده، ويتألى عليه، حتى إذا ما أحال عليه جنديا من جنده(الكورونا) ، وهو يعزب عن النظر، ويدق عن الفهم والعلم حتى الآن.. يحصد الآلاف ليل نهار،  لا ينال منه طب ولا علم.. لا تنفع معه رقى ولا تمائم “فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب” هود.

ونحن هنا لا نتهم العلم بعجزه أو قصوره، ولا نحقر من شأنه، ولكن نقول: إذا كان (الكورونا) جند من جنود الله، فإنه لا شك في أن يكون العلم كذلك، وأنه حين يأذن الله له بتخليص عباده من هذا الفيروس، فليس له إلا أن يأتمر فيذعن،، وهذا هو الإيذان الذي أراد الله أن يوقن به الخلق، أن العلم أو غيره لم ولن يغني عنهم من الله شيئا إن أراد بهم ضرا أو أراد بهم نفعا، إلا بعد أن يقضي الله أمره، ويحقق مراده في خلقه، ويجري عليهم سننه .

والعلم الحق هو الذي يخضع العباد لخالقهم، ويزيدهم له خشية ورهبة “إنما يخشى الله من عباده العلماء”، أما علم الظاهر الذي أخبر القرآن عنه”يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون” (الروم)، فهذا الذي غر أصحابه كما غر أهل الأرض حتى أنساهم ، فأتاهم بأسه من حيث لا يشعرون.

لقد رأينا البشرية وقد أذلهم البأس، وحاق بهم ما كانوا يفترون,, يجأرون بدعواتهم إلى الله الواحد الأحد، وقد ضلت عنهم الآلهة، وخذلتهم الإيدلوجيات والفلسفات .. علمانية وليبرالية و … ،، وقد ضلوا عنها كذلك.. قد غاضت من عقولهم كأن لم تكن، “وضل عنهم ما كانوا يفترون” .. وسارعوا يرجون الإله الواحد، يعلنون إسلام الخضوع والذلة الذي قهرتهم به الآية، كما فعل مع بني اسرائيل “وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنهم واقع بهم ” ، وهذه نفحة من عذاب (ربك) قد مست.. فكيف بغضب الألوهية حين يقع؟ “ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين” (الأنبياء)..

هذا الإسلام الذي طاف به الغرب في الشوارع والأزقة، يقلبون وجوههم في السماء، ويذرفون الدموع حرصا على الحياة، يصدعون بالتهليل والتسبيح .. هو إسلام القهرية، لا إسلام الشرع الذي أريد من الخلق..

ألا فلنعلم أن سنة الرخاء والشدة يأخذ الله بها عباده ليردهم إليه، إما طوعا، وإما بقهرية وقدرة معجزة لا تدع الإنسان حتى يفيق من غفلته، ويفيء إلى رشده”وأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون”.. وهكذا .. تضل الآلهة ويضلون “بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون” (الأحقاف).. هذا العالم البطر يتيه مختالا فخورا، وقد أخضعه فيروس في شأنه حقير، لكن قدرة الله من ورائه جعلته عظيما، أخضع الجبابرة والأباطرة..  ويبقى حال الإنسان كما هو على عهده (ظلوم كفار) “فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا” (الإسراء).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى