الرمز والدلالة في رواية البومة السوداء للكاتب المصري خليل الجيزاوي

د. صبحية عودة زعرب | أستاذ الأدب والنقد الحديث جامعة صبراتة ـــ ليبيا

اتجهت الدراسات النقدية الحديثة نحو توظيف الرمز بأشكاله المختلفة في الخطاب الروائي بعد أن كانت دراسته منصبة على الخطاب الشعري، ويُعَدُّ الرمز من أقدم الوسائل الفنية التي استخدمها الإنسان لفك لغز الكون وفض أسراره، كما اتجه إلى تفسير ظواهر الطبيعة الغامضة، وكشف أحاسيس الكاتب الشعورية واللاشعورية تجاه القضايا الإنسانية والحضارية والوجودية، ورواية البومة السوداء للكاتب المصري خليل الجيزاوي لا تخرج عن هذا الإطار، حيث تتلمذ على يد عمالقة الأدب والنقد العربي خاصة الروائي الكبير نجيب محفوظ، ويحيى حقي، ويوسف إدريس والناقد المعروف الدكتور عبد القادر القط؛ لقد أسهمت مكانته الثقافية في أن ينسج خيوط تجربته الإبداعية من سيرته الذاتية والذهنية والفنية والتي تبرز أهميتها في أنها تعالج المرحلة الحرجة التي نعيشها على الرغم من أن عنوانها لا يشي بذلك ويوحي بأنه يقف عند البومة المستوحاة من الموروث الشعبي.

من هذا المنطلق وقع اختيارنا على رواية (البومة السوداء) لتكون منطلقا لدراستنا، لاستنطاق البنيات الرمزية المضمرة، وكيفية توظيفها، والغرض منها، خاصة وأنها تنزع إلى الرمزية بدءًا من عنوانها، وذلك لإقامة “الدلالة الأدبية بكل ثرائها، وإيحاءاتها، بهدف احتواء ما أطلق عليه (رولان بارت) علامات الأدب”[1]، يقودنا هذا المعنى إلى استحضار أهمية السياق وعلاقته بالدلالة إذ لا وجود للسياق بدون الدلالة، ولا قيمة للدلالة بدون السياق لإنتاج المعنى[2]، ولما كان الرمز غامضًا ومعقدًا، ويخضع لوجهات نظر مختلفة، ومن المستحيل أن تلم بتعريفاته نظرية نقدية محددة، فقد وجد كاتبنا أن الميثولوجيا القديمة خير زاد يغترف من مصادرها لتوظيف الرمز بأبعاده المختلفة ذلك لأن “المعطيات التراثية تكتسب لونا خاصا من القداسة في نفوس الأمة، ونوعا من اللصوق بوجداناتها لما للتراث من حضور دائم في وجدان الأمة والشاعر حين يتوسل إلى وجدان أمته عن طريق توظيفه لبعض مقومات تراثها يكون قد توسل بأقوى الوسائل تأثيرا عليه”[3]. خاصة وأن ثمة علاقة وثيقة بين الرمز والميثولوجيا، “بدأت مع اعتقاد الإنسان الأول، إن القوى الخارقة الباهرة تختفي وراء المحسوسات فالتجأ بعد ذلك إلى عبادة الشمس والنجوم، وسيطرت عليه روح الخرافة، فرأى في التمائم، وبعض الحركات والطقوس خير دواء، ثم تدرج العقل البشري وأدرك القوانين الطبيعية لتجيء بعدها مرحلة السحر ثم يليها زمن الكتابة والرمزية”[4].

لقد اتسم عالم الرواية بصراع الخطابات، وأخذ يعج بالموضوعات المثيرة، والحكايات العجيبة، التي تنتمي إلى أجواء السحر والشعوذة والخرافات والأساطير والمردة والشياطين حتى ذابت الفوارق بين الإنساني واللا إنساني، وخضع الحدث لقوى غيبية مجهولة غير مرئية بحيث أصبحت الذات غير متأكدة من ذاتها أو من الآخرين، ليصل الصراع ذروته في ثنائية “صراع بين جني وإنسي، رجل وامرأة، خير وشر، إلا أن انتهاءهما إلى فناء يشير إلى أن طرفي الصراع من الضروري أن ينفي أحدهما الآخر حتى يعود الاستقرار والاستمرار”[5].

وهنا يفرض النقد سؤاله:

لماذا انتقى الكاتب رموزه من الموروث الشعبي القديم في زمن العولمة والمعلوماتية؟!

كيف وظف الرمز فنيًا، وما أهم القضايا التي أثارها؟!

هل القارئ بحاجة لثقافة غيبية تستند على الوهم والسحر بدلا من العلم والمعرفة؟!

لقد استثمر الكاتب رموز الميثولوجيا وتفشي ثقافة السحر والحسد والكراهية والغيرة والقتل لا لإعادة الماضي فحسب، بل لعقد قرائن تشبيهية بين مسخ آدمية الإنسان وهويته في الماضي ومسخ آدميته في الحاضر.

لقد انتقى الكاتب شخصياته من حياته الخاصة لتكون ناطقة بالفكرة التي بنيت عليها الرواية”، فالتجارب الإنسانية مهما طال الزمن عليها لا تنقرض، بل تظل مختبئة في الوعي الإنساني، متحفزة للظهور على السطح عندما تجد المثير فتقفز مختزنات الأعماق إلى السطح وتتشكل كل العناصر المكونة للمعرفة الإنسانية منذ أقدم العصور في عدة أشكال تتناسب مع ما استطاع العقل أن يصل إليه من تحضر ومعرفة”[6].

وحتى لا تكون دراستنا ضربًا من التنظير رأينا أن نقدم أولا نبذة مختصرة عن أهم تعريفات الرمز وأهم الآراء التي قيلت حوله ومن ثم موقع الكاتب منها، وأهم التعريفات التي ارتكز عليها وذلك من خلال مقاربة سوسيو/ سيميائية من منظور تأويلي يستنطق الرموز والإشارات والعلامات اللامحدودة.

الرمز وأهم اتجاهاته في الخطاب النقدي:

بادئ ذي بدء لا حياة بدون رمز، ولا رمز بدون حياة؛ لذا لجأ النقاد للرمز وتفننوا في استخدامه بما ينسجم مع مقاصدهم الأيديولوجية والنفسية والسياسية، فالرمز في أبسط تعريفاته يعني: الإيحاء والإيماء والإشارة، وهو يبحث في المعنى الخفي غير الظاهر ويقبل الكثير من التأويلات والدلالات المكثفة، فهو” شيء محسوس يشير إلى شيء معنوي وبين الشيئين مشابهة”[7].

وعلى هذا الأساس، ينهض الرمز على ثنائية الدال/ والمدلول، البنية السطحية/ والبنية العميقة، الشكل/ والمضمون، اللفظ/ والمعنى، لكن المعني بالدراسة هو الرمز الفني الخفي، ولا يعني ذلك أن الكاتب” تخلى عن الاتجاه الواقعي، إنما يعني ترميز الواقع بدلالات وإشارات مختلفة، وهذا يحتاج إلى قدرات فنية عالية”[8].

وعليه، فالرمز هو” ذلك الشيء الذي يوحي بشيء آخر بفضل وجود علاقة معينة بينهما”[9]، أما سعيد علوش فيرى أنه “مصطلح متعدد السمات وغير مستقر، وهو علامة تحيل على موضوع وتسجله طبقًا لقانون ما، وهو أيضًا وسيط للإشارة إلى عالم الأشياء”[10]، وهناك من أرجأ الرمز إلى “الكائن الحي أو الشيء المحسوس الذي جرى العرف عليه على اعتباره رمزًا لمعنى مجرد، أو هو كل ما يحل محل شيء آخر في الدلالة لا بطريق المطابقة، وإنما بالإيحاء أو بوجود علاقة عرضية أو متعارف عليها، وعادة ما يكون الرمز بهذا المعنى ملموسًا يحل محل المجرد”[11]؛ ولعل أهم من تعرض لتعريف الرمز هو (دكتور محمد غنيمي هلال) حين رأى أن جوهر الرمز هو “الإيحاء أي التعبير عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى على أدائها اللغة في دلالاتها الوصفية، وهي الصلة بين الذات والأشياء بحيث تتولد المشاعر عن طريق الإثارة النفسية لا عن طريق التسمية والتصريح”[12].

في ضوء التعريفات السابقة، يمكن القول: الرمز يعني دلالتين: الأولى هي المعنى الصريح المتداول بين عامة الناس، والأخرى هي المعنى الخفي الذي يحفز القارئ ويثيره للبحث عن معناه واستنطاق دلالته، كما يرتبط الرمز باللاشعور العميق الذي يعبر عنه الشخص عن طريق الرؤى والأحلام والكوابيس رمزًا لشيء، أو موضوع أو شخصية ما، وهو ما أفضى بأنواع وأشكال متعددة للرمز مثل: الرمز الديني، والتاريخي والوجودي، والسياسي، والخرافي، والأسطوري، والتراثي، والسياقي وغيره وجميع هذه الأشكال تصب في بوتقة الحضور والغياب، فدلالات الحضور تستدعي دلالات الغياب؛ ولعل هذا ما يفسر دلالة التصوير اللوني للعنوان (البومة السوداء)، واللاشعور الكامن في أعماق الكاتب عن رمزية البومة والقضايا المحورية التي يثيرها من وراء هذا الوصف، وهذا ما يدفعنا إلى القول: إن رواية البومة السوداء للكاتب المصري خليل الجيزاوي “ما هي إلا عملية إعادة صياغة لتلك الأفكار الكامنة في لا وعي الإنسان التي تفرض عليه وجودها”[13]، وهذا ما يجعلنا نردد ما توصل إليه (ميشال بوتور) وهو أن الروائي “ليس هو الذي يضع الرواية، بل تضع نفسها بنفسها، وما الروائي سوى أداة إخراجها ومولدها، ونحن نعلم مقدار ما يتطلبه ذلك من علم ومعرفة وصبر وأناة”[14].

وفق هذا المضمون سنحاول أن نستنطق البنيات الرمزية في النص، وأن نتلمس الحاضر من خلال الرموز التي أضفاه الكاتب على صورة البومة السوداء والتي تُعَدُّ رمزًا من رموز الشؤم في التراث العربي، ولكن قبل أن نتوقف عند محاور الدراسة نرى من المفيد أن نقدم للقارئ مُلخصًا للرواية أولا.

توصيف الرواية:

تنتمي رواية البومة السوداء للكاتب المصري خليل الجيزاوي إلى الروايات الرمزية ذات النزعة العجائبية، فما أن تقرأ السطر الأول من الرواية حتى تشعر بأجواء ألف ليلة وليلة حيث الشعوذة والسحر والجان والشياطين والمردة والأساطير واستدعاء الأرواح الشريرة والعشق، ذلك أن عالم الرواية لا يمكن قراءته قراءة عادية بل مجازية حيث “الإحالة والافتراض والاستنتاج. إنها تطرح موضوعات وإشكالات تتعلق بتمثيل مضمون الخطاب بناءً على مقاطعه وفقراته وتصوير محتواه ومشكلات تقنياته الفنية”[15].

صدرت الرواية عن سلسلة إبداعات عربية، الشارقة، 2021، في مائتي وسبعين صفحة من الورق المتوسط، وقسمت الرواية إلى سبعة فصول دون أن يحمل أي فصل عنوانًا خاصًا به، حمل كل فصل شخصياته وأحداثه التي تكمل بعضها بعضًا والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعنوان الرئيس، وعلى هذا النحو، “نلاحظ أن الأحداث لا تحتكم في تطورها إلى منطق السببية ولا إلى قوانين الواقع والحياة، وإنما تتحكم في هذا التطور قوى خفية غير مرئية، قوى علوية قاهرة تحدد مساره واتجاهاته”[16].

ينهض عالم الرواية على تقنية سرد اليوميات على غرار رواية الغثيان لسارتر، وجنح إلى توثيق رواية الأجيال (الأجداد – الآباء – الأبناء – الأحفاد) من خلال ذاكرة الجدات، وبناء على المشاهدة والمعاينة بعيدًا عن الوثائق التاريخية الرسمية، مما فتح المجال واسعًا أمام البناء غير المنظم الفوضوي من خلال المشاهد التي تتخللها الكوابيس والأحلام والهلوسة والتشظي وتداخل الحكاية تلو الحكاية أي “تضمين الحكاية الأولى في الثانية لأجل تسلسل الأحداث وترابطها، وتنوير المروي له بخصوص السابقة أو تلك”[17].

يبدو ذلك واضحًا حينما استثمر الكاتب الموروث الشعبي ليصور نمط الحياة والعادات والتقاليد والأعراف في الأرياف المصرية مقارنة بالحياة المدنية، وذلك من خلال خطاب روائي “لا تكمن وظيفته في إعلان خبر أو سرد حكاية، إنما في نقل وقائع واقعية أو خيالية صيغتها الوحيدة أو المميزة لا يمكن أن تكون غير الدلالية”[18].

بني الحدث في الرواية على ثنائية الخير/ والشر، والإيمان/ والسحر، ولا حول ولا قوة أمام أهل الريف البسطاء إلا الإيمان بالسحر وملحقاته، يتجلى ذلك حينما أخذت الجدة تروي لحفيدها قتل أبنائها الثلاثة – إبراهيم وجمعة وحميدو – على يد جارتها الساحرة نبيلة وهم لم يتجاوزوا خمسة وعشرين عامًا”؛ لقد نجحت أعمالك الشريرة في قتل أولادي الثلاثة، نعم قتلوا ولم يموتوا، قتلهم الغل والحسد والحقد”[19]، وفق هذا المعنى فقد أخذ القتل دلالتين: الأولى واقعية، ومعروفة ومنتشرة في المجتمعات البدائية الأكثر جهلا وفقرًا، وهي تفشي ظاهرة الحسد، وتحديدًا القضاء على نعمة الآخر ولو كان أقرب الناس، والأخرى، رمزية وتعني الأخذ بالثأر لنجاح الآخر في حياته وتفوقه عليه. وفي الحالتين فالمجتمعات العربية بليت بداء الغيرة والحسد والكراهية، ولم تجد أمامها سوى اللجوء إلى السحر، وهنا “يبدو القتل مناسبة قول يبحث عن معناه وعن دلالاته. إنه إعادة تأليف لواقع ظهر اندراجه التتابعي غير المنطقي غرائبيًا مستحيلا لتجربة مريرة، يُشكّل سردها على تلك الطريقة فك طلاسم الواقع وولوج أسراره”[20].

وإذا بحثنا في أسباب هذا القتل تخبرنا الجدة من خلال الراوي العليم الذي يتحكم في زمام السرد أن الساحرة نبيلة كانت تطمع في الزواج من زوجها بعد موت أختها سعدية زوجته الأولى بلدغة ثعبان قبل الإنجاب، ومنها استخدمت السحر الأسود وسيلة للدمار والخراب والقتل انتقاما منها؛ لهذا طلبت الجدة من حفيدها أن يوثق تلك الحكايات عن طريق الكتابة لتتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل؛ لأخذ العظة والعبرة في المستقبل، جدير بالملاحظة، أن الكاتب لم يعرف الشخصيات دفعة واحدة وإنما على دفعات دون أن نسمع صوتًا أو نعرف شيئًا عن الشخصيات الأخرى، وهي خليط من الكائنات الحية الإنسانية، والكائنات الحية غير الإنسانية وهو ما أوقع الكاتب في اللجوء إلى النهايات السريعة المفاجئة دون سابق إنذار، فالراوي الذي يتولى زمام الحكي ويقود الحدث “لا يبيح لأي مظهر كلامي آخر أن ينافس كلامه أو يدخل فيه، هو فقط الذي يقول، ومضمون هذا القول الذي يتحدثه ليس كلام الشخصيات، وإنما أصداء هذا الكلام في ذاكرته بعد أن اختمر في عقله، وأصبح جزءًا من تجربته”[21]، وهو ما جعل “ربط النص بسياقه تفشل في كثير من الأحيان بسبب تجريده أو بسبب استحالة توضيح البنى النصية”[22]، فمثلا لا نعرف عن شخصية الجد سوى أنه تخرج من الأزهر، لكنه لم يعمل بشهادته، وعمل راعيًا للأغنام بعد وفاة والده، وهو بذلك يرمز إلى القائد الذي يجمع شتات رعيته ويقوم بحمايتها من سطو الآخرين ويرمز لهم بالذئاب، أما الجدة، فترمز إلى الأرض بعطائها وخصوبتها ونموها، وهكذا فقد قسّم الكاتب الشخصيات إلى خيرة وتمثلها الجدة، وشريرة وتمثلها شخصية الساحرة نبيلة، وأصبحنا أمام عالمين متقابلين “ولا قدرة لنا على عقد مصالحة بينهما، إنهما نتاج توزيع طبيعي لا يمكن التصرف فيه لا بالنفي ولا بالإثبات”[23]، غير أن هذه الحالة انتهت بموت الساحرة ذبحًا في بيتها عقابًا على جرائمها على يد مجهول.

وفق هذا السياق، لا بد وأن نستحضر رواية الجريمة والعقاب التي تركز كما يرى (ميخائيل باختن) “على الحدث في نقاط الأزمات والانعطافات حيث تصبح اللحظة معادلة من حيث قيمتها الداخلية ببليون سنة، أي أنها تفقد حدوده الزمنية”[24]، لقد مات الجد وماتت الجدة ومات الأخوال ولم يبق سوى كلبهم عنتر حارسًا لبيت الجدة ومواشي الجد من اللصوص، ثم تموت الساحرة نبيلة ويعود الأمن والسلام والاستقرار، وتعود المياه إلى مجاريها في الريف فجأة ودون تمهيد”، وأخيرًا سكنت الرياح، وهدأت العواصف والزوابع، ولزم الناس بيوتهم، ودخلت العصافير أعشاشها والأفراخ والبط والإوز والأرانب أخنانها”[25]، عند هذا الحد بدأت الجدة تعيد “الحياة لأخوالي وجدي وهي تسرد حياتهم كأنها تنتقم من ملك الموت”[26]، وذلك لتميط اللثام عما لم يذكره التاريخ وتمثل الكتابة تعويضًا عن التاريخ؛ ليقوم حفيدها بهذه المسؤولية، وكأننا أمام أسطورة أوزريس وإيزيس، وابنهما حورس الذي يرمز إلى الحفيد الطفل والمستقبل، حينما تعهد بالانتقام لأخواله من الأشرار، لكنه اصطدم بصعاب ومعوقات تحول دون ذلك.

“كنت أسكن في دار أبي وأمي ووسط أخوتي، لكنني كنت أشعر أنني غريب بينهم، وهم غرباء عني، وأشعر أن الدار ليست داري”[27]، يفصح القول السابق عن غربة ذاتية ومكانية معًا، لقد انشغل أهل الريف بأحداث فرعية، وأهملوا الرئيسية ولجئوا لعلاج السحر إلى الشيوخ والدراويش بدلا من العلم والمعرفة، مما أصبح هذا المكان تربة خصبة للجهل والتضليل، عند هذا الحد، يمكن القول: “حين يصير الوطن سجنًا، والسجن هو الوطن يصبح الفضاء ضيقًا مهما اتسعت جوانبه”[28]، وهنا لابد وأن نسأل: أليس هذا ما يشعر به الشباب العربي اليوم من حيث التيه والاغتراب والهجرة والضياع؟! وعليه فالخطاب الروائي “عمل فني لا ينقل التاريخ بحرفيته. إنما ينقل تصور الأديب له الذي ينظر نظرة عميقة فاحصة متأملة في التراث التاريخي مع تركيز الضوء على حدث معين وتشكيله تشكيلا فنيًا مُستمدًا من مادته الأدبية التي صورها في بنائه القصصي”[29]، ولعل الكاتب هنا يعقد قرائن تشبيهية بين الماضي وحال الأمة العربية اليوم لأخذ العظة والعبر والدروس من الماضي، وعلى هذا النحو أصبح الرمز مادة ثرية خصبة يسقطه الكاتب على الواقع لمناقشة قضايا حية ما تزال تؤرق الإنسان العربي ولمناقشة هذا الموضوع سنقف أمام الوحدات الرمزية الرئيسة التي تضمنها الخطاب الروائي من خلال المحاور التالية:

أولا: رمزية العنوان الرئيس:

هو العتبة الأولى لولوج النص وسبر أغواره، واستجلاء معانيه، وفض عتمته، إذ لا يمكننا الدخول إلى النص دون اجتياز هذه العتبة، وغالبًا ما يكون العنوان مختزلا، مُكثفًا، وذو صبغة رمزية تقبل التأويل والتعدد، فالعنوان كالاسم يحمل هوية النص وكينونته، وهو البنية الرئيسة التي تدور حولها البنيات الفرعية الأخرى.

يُعَدُّ العنوان حقلًا دلاليًا مستقلا بذاته، يتشكّل من الدال والمدلول، والبنية السطحية والعميقة لإنتاج الدلالة المطلوبة، وعنوان رواية (البومة السوداء) لا يخرج عن هذا الإطار، حيث يتألف من مقطع لغوي لا يرقى إلى مواصفات الجملة، لكنه محمل بالدلالات والمعاني المختلفة، فالعنوان “عندما يستميل القارئ يكون ترياقًا مُحفزًا لقراءة النص، وحينما ينفر القارئ من تلقي النص يصير سُمًا يفضي إلى موت النص وعدم قراءته”[30]، وفق هذا المنظور، فقد تفنن الكتاب في اختيار عناوين مدوناتهم وأولوها أهمية خاصة لجذب انتباه القارئ.

لقد وظف الجيزاوي العنوان توظيفًا سيميائيًا مُحكمًا حين ربطه بمضمون الرواية من خلال أسلوب المفارقة؛ لأن العنوان “ليس مجرد تحديد لمعنى. إنه حالة وعي فلسفي لا ترى المحدد بشكل مباشر، بل حالات رمزية تحتوي على أسرار الإنسان الثقافية والاجتماعية والدينية، وهي أسرار يجب الكشف عنها من خلال عنها من خلال امتلاك المفاتيح الضرورية للـتأويل”[31]، فبدون التأويل لا يمكننا الوصول إلى المعنى المطلوب؛ ولعل هذا ما جعل العالم السيميائي الإيطالي يشدد على أهمية التأويل في قوله: “إن التأويل يُمثّل صياغات جديدة لقضايا فلسفية ومعرفية، وإن الاعتدال في التأويل أو التطرف لا يتم تفسيرهما على أساس ما يقوله النص، إذ يجب البحث عمّا هو أشمل وأعم عبر العودة إلى وقائع لها علاقة بموقف الإنسان من العالم والله والحقيقة والمعرفة والحضارات والثقافات”[32]، وفق هذا المفهوم فقد تحول العنوان من بنية لغوية إلى بنية سيميائية إشارية قابل للتأويل بوصفه، “مُفتاحًا تأويليًا ببعديه الدلالي والرمزي”[33]، إذ يمكن أن ننظر إلى العنوان بأنه “مفتاح سيميائي ذو أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته، ومحاولة فك شفرته الرامزة”[34]، وإذا أخذنا هذا المعنى مأخذ الجد والتنفيذ، نجد الكاتب انتقى عنوانًا إشكاليًا، اختلف الكتاب والنقاد حول رمزيته، فهناك من ربط البومة بالحكمة والتحدي مثل الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، وآخرون أقرنوها بالخراب والشؤم والموت مثل الكاتب الإنجليزي المعروف وليام شكسبير، فما الرموز التي حظيت بها بومة الجيزاوي في الخطاب الروائي؟! وهل يوجد بومة بيضاء مقارنة بالبومة السوداء؟! وما الإضفاءات التي أضفاها الجيزاوي على رمزية البومة؟!

لقد نهض العنوان على مقطع لغوي قليل الألفاظ، حيث يتألف من كلمتين وهما:

(البومة السوداء) وهي جملة خبرية محذوفة المبتدأ تقديره هذه لتصبح الجملة (هذه البومة السوداء) وكأنها إشارة لبومة بعينها وذات مواصفات تختلف عن غيرها، واستند العنوان على تصوير لوني مستقى من إيماءات اللون الأسود ومفرداته حيث يصفها الراوي بقوله: “البومة السوداء قرينة الشيطان، وحارسة الظلام، وعيناها مركز قوتها، والبومة رمز الظلام والموت، وهي طائر ليلي، يعيش في الخرائب والمقابر، والكبار ينصحون بعدم الاقتراب من المقابر ليلا خوفا من التعرض للأذى، فهي نذير الشؤم والخراب”[35].

يستثمر الكاتب المأثور الشعبي لطائر البوم؛ ليرمز إلى الخراب والدمار والموت، فهو لم يصفها بالليل مباشرة وإنما من أجوائه القاتلة والإشارة إلى الأمكنة والأزمنة التي تتحرك من خلالها وهي في مجملها تودي إلى الموت، فهي لا تظهر إلا في الليل، ويكثر تواجدها في المقابر والأماكن المهجورة، لكنها في الوقت ذاته تفض عتمة الليل وسواده بأيقونة البصر والسمع معًا، (عيناها مركز قوتها)، وهنا رمز لرصد خفايا الواقع وأسراره، وكشف الخفي غير المرئي، أما ربط البومة بالشيطان ففي هذا الوصف تضخيم للواقع بما لم يحتمله الرمز، ممّا يجعلنا نميل إلى الرأي القائل: “أن الإطار العام للأحداث يبدو واقعيًا، أما حركتها فتنضبط إلى فلسفة ميتافيزيقية ترمز إلى موقف يتعالى على الواقع، فإذا كانت الأحداث قد تطورت واقعيًا في أجزاء معينة من الرواية، إلا أنها عادت وحكمت بقوى خفية بعيدة عن واقع العيان والحس”[36]، وعليه ينفتح المقطع السابق على المزاوجة بين المعنى السلبي والإيجابي لرمزية البومة، ممّا يدل على أن لافتة العنوان لا يمكن قراءته في حد ذاته، وإنما من خلال رمزيته، “فالكلمة في الأساس هي إيحاء أو مجاز، والمعرفة السرية هي معرفة عميقة وعلى القارئ أن يتخيل أن كل سطر يخفي دلالة ما، وأن التعرف على مقصدية النص هو التعرف على استراتيجية سيمائية”[37]، وعلى هذا الأساس، يقوم العنوان على ثنائية معقدة ومأزومة، الأولى: ثابتة وخارج العامل السيميائي (المبنى)، والثانية: متحركة وداخل العامل السيميائي (المعنى)، أي أن للعنوان موقعين سيميوطيقين: “موقع تؤسسه نصيته كعنوان، وآخر يؤسسه عمله المعنون به، إذ يخصصه، أو يفسره في لحظة من لحظاته”[38]، ولكي تتجلى البنية العميقة للعنوان لا بد من تحويل الثابت إلى متحرك لخلق بنيات توليدية جديدة تصدم القارئ، وتجعله فريسة التأويل والتخمين.

نتلمس هذا المعنى عندما تتحول صورة المرأة الجميلة إلى بومة قبيحة عقابًا لها على قتل ابنها الوحيد، وتبعًا لذلك تتحول البنيات السافرة إلى بنيات دلالية تثير الفزع والهلع، “بعد أن كانت امرأة جميلة جدًا أصابتها اللعنة، ومسها الشيطان وسحرها، وأصبحت شبيهًا بالبومة، لكنها أصبحت أكبر حجمًا من حجم البومة العادية وطويلة الجناحين والمنقار، وصوتها نعيق حاد قوي ومنفر جدًا”[39].

بني المقطع السردي السابق على ثنائية الجمال/ والقبح، وترمز العبارة (بعد أن كانت امرأة جميلة جدًا) إلى الماضي حيث الجمال والاستقرار والأمان، أما العبارة، (أصبحت شبيهًا بالبومة) فترمز إلى الحاضر حيث الخطف والقتل والإقصاء، وهنا لا بد وأن نسأل: هل يختلف مسخ المرأة الجميلة عن مسخ آدمية الإنسان وطمس هويته الإنسانية؟! وهكذا فالعنوان يختزل التجربة الإبداعية برمتها ويسعى إلى الفكرة التي بنيت عليها الرواية.

يقول إمبرتو إيكو في هذا الصدد: “إن العمل على تطوير الفكر لا يعني الماضي بالضرورة، إننا نعيد فحصه ليس

فقط بهدف ما قيل فعلا، ولكن بهدف معرفة ما كان يمكن أن يقال، أو على الأقل ما يمكننا قوله الآن بناء على ما قيل سلفًا”[40].

انطلاقًا من هذا المعنى، لم يعد ظهور البومة مقتصرًا على الليل الآن، بل أصبحت أكبر حجمًا، وأطول منقارًا، وأعلا صوتًا وأكثر تحديًا وصمودًا، ممّا يدل على فرض سلطتها على حركة أهل الريف دون أية مقاومة.

إن مسخ المرأة إلى بومة من شأنه أن يعمل على تضبيب المواقف حيث “ينتهي الكاتب إلى أن الشر عام ومستحكم في المجتمع إلى الحد الذي يصعب معه تغيير الواقع، إن لم يكن من المستحيل القيام بهذا التغيير”[41]، يتجلى هذا المعنى بوضوح في المقطع التالي: “من بعيد سمعت صوت البومة وهي تنعق بصوتها المشئوم، ورأيتها وهي تعطيني حجرًا صخريًا قائلة: قُمْ واضرب هذه البومة الملعونة، خليها تطير وتنادي بالموت والخراب أمام أية دار أخرى” [42].

إن استخدام ضمير الغائب وتداخله مع ضمير المخاطب الآمرة والدلالة على تماثل المصير المشترك بين أهل العزبة، وإسناد الفعل لطفل ليقوم مقام الكبار يُعَدُّ هروبًا من المسئولية التاريخية ولا تتوازى مع حجم الحدث: (تنعق – رأيتها – تطير- تنادي – قم – اضرب – خليها)، فالمواجهة يجب أن تكون جماعية، ففي الوقت الذي تطلق فيه البومة الإنذار بالخطف والقتل – النعيق – وتنتقل من شجرة إلى أخرى بحرية تامة يعيش أهل العزبة في قلق وخوف وذعر، وكل ما يملكونه من أسلحة هو الحجر والعصا ليس لقتلها بل لنقل الخطر إلى مكان آخر، ممّا جعل الأمور تسير بشكل عشوائي وتلقائي، ودون تنظيم أو ترتيب وتفتقر إلى القيادة الحكيمة.

وفق هذا المفهوم، يمكننا القول: “إن هذا السرد غير المنطقي في علاقاته وفي إحالاته اللغوية متعلق بشخصية غير سوية؛ لتكون رمزًا لسيطرة الخراب والدمار على مجمل الفعل”[43].

وهكذا أمدنا العنوان برموز وتأويلات مكثفة وعديدة عن فكرة الرواية، ومع ذلك يظلُّ العنوان بنية مختزلة لا يبوح بكل المعلومات دون سبر أغوار النص، واستنطاق جمالياته وتعاليه الدلالية والرمزية والسيميائية.

رمزية العتبات الموازية للنص:

توطئة: لا يمكننا الحديث عن العتبات الموازية بمعزل عن الجهود التي بذلها الناقد الفرنسي (جيرار جينييت) مؤسس علم العتبات التي تعرف بالمتعاليات النصية، وتشمل: لوحة الغلاف، اسم المؤلف، الصورة، الإهداء، المقدمة، والألوان، وهي جزء لا تتجزأ من النص بوصفها “بذور يتنامى فيها النص، وهي التي ينبغي على القارئ أن يرتادها محاولا أن يبحث في التقنيات الفنية والدلالية”[44]؛ لهذا، فهي من أهم الموضوعات التي تتصدر الدراسات النقدية الحديثة، إذ “إن النصوص الموازية تقوم عليها بنيات النص، ويأتي الدور المباشر لدراسة العتبات متمثلا في نقل مركز التلقي من النص إلى النص الموازي، وهو الأمر الذي عدته الدراسات النقدية الحديثة مفتاحًا مُهمًا في دراسة النصوص، بما يمكن أن تنطوي عليه مجاهل النص”[45].

من هنا يمكننا أن نركز على أهمها، وهي على النحو التالي:

أولا: الإهداء:

هو جزء لا يتجزأ من النص، ويمدنا بكثير من المعلومات التي نجهلها، ومن خلاله نتعرف الشخصيات التي استأثرت باهتمام الكاتب دون غيرها فنقرأ: (إلى جدتي… أول الحكي ومداد الخيال) لعلك تلاحظ العلاقة الخاصة التي تربط الكاتب بجدته من خلال ارتباطها بضمير المتكلم، وهي ترمز إلى الوطن والأرض والعطاء والخصوبة، أما على المستوى الفني فقد حظيت بحضور واسع في الفضاء السردي والذاتي والفكري والفني، وأسند الكاتب إليها البطولة؛ لتقود الحدث من بداية الرواية حتى نهايتها، فلا صوت يعلى فوق صوتها، تأتمر الشخصيات بأمرها، وتدور في فلكها.

افتتح الكاتب عتبة الإهداء بكلمات مقتضبة، تتسم بالتركيز والترميز، واكتفي بتأثير جدته عليه باعتبارها مصدر إبداعه وملكة خياله على اعتبار أن “الكتابة الرمزية ليست ببعيدة عن الواقع، فواقعية الرواية من حيث أحداثها والشخصيات تبقى مرمزة، فالشخصية – الجدة – إذا كانت واقعية فلها دلالاتها وتشير بالرمز إلى فكرة أكثر، وقضية أبعد، وحدث أكثر أهمية مما هو عليه الحال في الرواية”[46].

في ضوء ما سبق، لا يمكننا الإلمام إلمامًا كاملا بالدور الذي لعبته الجدة في تغيير مسار الكاتب واقعيًا وفنيًا دون ولوج النص.

ثانيًا: رمزية الافتتاحية:

أهم عتبات النص التي تحيط به من الخارج قبل البدء في زمن الرواية، وتعد بمثابة توطئة لكشف دلالات النص وفهم معانيه من الداخل. افتتح الكاتب الرواية بأبيات شعرية للإمام الشافعي، تشي بحالة القلق والتوتر متخذًا من الحكمة والعقل ملاذًا لتخفيف وطأة ما يشعر به، وما يهمنا في هذا المقام هو رمزية هذه الافتتاحية، فعلى الرغم من أنها تركز على الاسترجاع الخارجي والعودة إلى ماض بعيد، فهي تنظر إليه بعين الحاضر، فالكاتب “يحتاج إلى العودة إلى الماضي الخارجي في بعض المواقف في الافتتاحية؛ لتفسيرها تفسيرًا جديدًا في ضوء المواقف المتغيرة، أو لإضفاء معنى جديدًا عليها مثل الذكريات، كلما تقادمت، تغيرت نظرتنا إليها أو تغير تفسيرها في ضوء ما استجد من أحداث”[47]، جدير بالملاحظة أن الكاتب ابتعد عن الافتتاحية في الروايات الكلاسيكية واقترب من افتتاحية الرواية الحديثة من حيث التقنيات الفنية والزمنية، وتعدد الرواة، وبالنظر لرمزية هذه الافتتاحية فإنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإهداء، وترمز إلى الحكمة والأصالة والنزعة العقلانية.

ثالثًا: رمزية الغلاف:

صفحة الغلاف عبارة عن عقد بين المؤلف والناشر، واختيار المناسب وما يتطلبه من وحدات دالة، تكمن أهمية الغلاف في علاقته بعنوان الرواية ودلالته عن طريق الصورة، وعلى الرغم من أن صفحة الغلاف ليست من اختيار المؤلف لكنها “علامة دالة تقدم بعض عناصر التنبؤ، وتعتبر الصورة بذلك لغة موجهة نحو استكشاف فضاء المعنى”[48]، يتألف الغلاف من صفحتين دالتين، تحمل كل صفحة مجموعة من الوحدات الثانوية التي تلعب الألوان دورًا محوريًا في إبرازها، يتمظهر العنوان على الصفحة الأمامية حاملا لافتة إعلانية بخط كبير وواضح، (البومة السوداء)، يعلوه اسم المؤلف (خليل الجيزاوي) ثم يأتي تحديد الجنس الأدبي أسفل العنوان، (رواية)، ثم يعقبه اسم الناشر، (دار الثقافة – الشارقة)، يتوسط صفحة الغلاف صورة منفرة تثير الخوف الفزع والهلع لكتلة سوداء مبهمة دون أية ملامح تحدد هويتها، يغلفها السواد من كل ناحية، وتشي بالغموض، تنبعث من جسمها خربشات سوداء توحي بالمخالب الحادة، ويحيط بها رسومات عشوائية بيضاوية تميل إلى السريالية ترمز إلى عالم فوضوي وعشوائي مجهول وتثير السؤال: ما الدلالة التي تحملها صورة الغلاف؟ وهل تُعَدُّ هذه الصورة محاكاة لعنوان الرواية (البومة السوداء)؟، يقول رولان بارت في هذا الصدد: “يجب على الكاتب أن يحول الواقع أولا إلى منظور مصور، ثم يمكنه بعد ذلك انتزاع موضوعه من إطار هذه اللوحة لتقديمه إلى قارئه”[49].

لقد استثمر الكاتب فن الرسم، وانتقى ما يتلاءم مع العنوان وفكرة الرواية التي تنبني على عالمين: عالم الأخيار، وعالم الأشرار وهو الأكثر انتشارًا وهيمنة كما توحي صورة الغلاف، عند هذا الحد تنفتح صورة الغلاف على رموز غير محددة من خلال “إعادة تشكيل اللغة، ومنح اللفظة المفردة معاني جديدة مستمدة من ذلك الاقتران المدهش بين لفظتين منقولتين من عالمين مختلفين؛ لذلك يكون وقع هذا الاقتران طريفًا في إطار الاستعارة الفاعلة، ويبدو غريبًا ومستهجنًا فيما سواها” [50].

أما الصفحة الخلفية فيتصدرها مقطع سردي، اقتطفه الناشر من الفصل الأول من الرواية، أشبه بقصة قصيرة جدًا، مناقضة لصفحة الغلاف الأمامية حيث يصور نمط الحياة في عزبة الجد (الشيخ خليل أبو صالح) وبيت الجدة. مُستأثرًا بجمال الطبيعة ورموزها وظلالها وألوانها وطيورها وشجرها، يرمز فيها إلى الأجواء الإيمانية الروحانية التي تشيع في بيت الفلاح المصري في الفجر، حيث يتقاطع فيها صوت المؤذن مع صوت الديك، ولم يغب عن ذهن المؤلف إيماءات الطبيعة وألوانها الدالة التي تتمثل في حضور اللون الأبيض في الصباح، وغياب اللون الأسود في الليل، وهي صورة مشرقة ترمز إلى الصفاء والاستقرار والحياة الهادئة وهي الصورة التي نتوق إليها جميعًا.

وهكذا فقد أمدنا الغلاف بكثير من المعلومات عن المظاهر الاجتماعية والأخلاقية والدينية في الريف المصري، والتي تكشف عن التحولات والتغيرات الخطيرة التي تتسم بها الحياة اليوم سواء كانت في المدن أم في الأرياف.

 رابعًا: رمزية الصورة وعلاقتها بالخبر السردي:

تُعَدُّ الصورة لغة العصر الآن، فهي أهم وسيلة بصرية وتواصلية حديثة ومؤثرة في القارئ، وهناك علاقة وطيدة بين الصورة وعنوان الرواية، لا تهمنا الصورة في حد ذاتها إلا في رمزيتها، فلماذا وضعنا الكاتب أمام صورة ممسوخة، شبحية لا تنتمي إلى أية معالم إنسانية فليس ثمة يد، أو عين أو حركة نستدل على ماهيتها؟!!

يبدو أن الكاتب على دراية بأهمية الصورة؛ لذا يمكننا القول: إنها “رصد لمختلف الرؤى المحيطة بها ودلالاتها ومعانيها وتأثيرها وكيفية النظر إليها كرمز وكوسيلة وتواصل وناقل للمعرفة، فالصورة الجيدة تكشف في لمح البصر عن وقائع عديدة، وتفاصيل كثيرة قد لا تكشفها الكلمة بالتعبير الطويل، إذ إن صورة واحدة تستطيع أن تختزل قضية كبرى، يحتاج الحديث عنها بمقال طويل أو كتاب”[51]، وفي جولة داخل عالم الرواية الجديد لم نعثر على أية شخصية ذات ملامح إنسانية، فقد لجأ الكاتب إلى مسخ الكائنات البشرية إلى شياطين ومردة وجن، وكائنات حية غير إنسانية الثعبان، والأفعى، والكلب والحمار وأشباح وخرافات وأساطير مرعبة كلها تمتح السواد وتُشكّل خطرًا على حياة الإنسان، ويبدو أن ظاهرة المسخ للكائنات البشرية في الرواية تنبع من عدم اقتناع الكاتب بكل إنسان شرير ظالم من ناحية وعدم الفائدة المرجوة من كل إنسان ضعيف ومستكين من ناحية أخرى، وحتى لا تكون رؤيتنا ضربًا من التنظير سنقتطف أهم المشاهد السردية التي تفسر فكرة صورة الغلاف: “آه يا بنت الكلاب، آه يا نجسة، آه يا ملعونة، كم أنت ملعونة يا ساحرة، يا شريرة، قتلت فرحة ولدي في ليلة العمر”[52]، وهي رمز للقوى الشيطانية التي تفرق بين الزوج وزوجه عن طريق السحر، فهي وإن كانت شخصية إنسانية وتربطها علاقة الجوار مع الجدة فلا تختلف عن عمل الشيطان في القتل الجسدي والمعنوي عن طريق السحر وهو ما يفسر إيقاع التأوه وتكراره في المقطع السابق”؛ لأنها لا تُشكّل جزءًا من العالم الذي تنتمي إليه.

إنها مطرودة ومدانة لأنها لم تظهر على حقيقتها الطبيعية، ثم تقوم بتجاوز الحدود الفاصلة بين هذا العالم وذاك”[53]،

وفي موضع آخر، يتجلى الرمز في اللاشعور الداخلي الدال على التهديد الذي ينبئ بالخطر: “يطاردني في الأحلام والكوابيس، أسمع صوتها يأتيني مثل فحيح الأفعى”[54].

أما الرمز الديني فيتجلى في استدعاء قصة سيدنا سليمان والحوار الذي دار بينه وبين الأفعى.

 “أم الصبيان لعنة الله عليها، لقيها نبي الله سليمان عليه السلام فقال لها: من أنت أيتها الملعونة؟ قالت: أنا مسخرة ومسلطة على بني آدم وبنات حواء”[55]، يستدعي هذا المعنى قوله تعالى: “فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد” (سورة ص، آية 36- 38).

 أول ما نلاحظه على العلاقة بين التجربة الإبداعية، وما ورد في القرآن الكريم، أنها تقوم على التناقض والمفارقة، فحينما سخر الله الجن والإنس والطير والريح لسيدنا سليمان عليه السلام سخره للبناء والتعمير وليس للخراب والهدم، وبما لا يخرج عن طاعة الله، وأم الصبيان هنا هي الأفعى الذي أخذ عليها سيدنا سليمان عهدًا بأن لا تؤذي أحدًا من مخلوقات الله، لكنها خانت العهد وسممت مياه البئر لقتل أهل القرية فسخر سيدنا سليمان الجن والريح؛ ليكشف عن مكانها ويعاقبها على ما اقترفته من جرائم في حق هذه القرية وأهلها، “أمر بجرها بالسلاسل وعذبها عذابًا شديدًا”[56]، وقد تناقلت هذه الحكايات كتب الحكمة كما يرويها الجد لزوجه.

أما رمز الخرافة في التراث الشعبي فيتمثل في الجهل والتضليل، “من يتكحل بمرارة البومة يرى بعينيه في الظلام الشديد”[57]، علمًا بأن طائر البوم في الحكايات الشعبية يجلب الشؤم والنحس فكيف يتزين المرء بأحد أعضائها ليجلب الشؤم لنفسه وفي الوقت ذاته لم يستطع أهل القرية مواجهتها؟!، ثم ينتقل الكاتب من الخاص إلى العام فيعقد مقاربة تطابقية بين الشخصية الشريرة، والشخصية الصهيونية القاتلة، “نبيلة تشبه صفات الصهيونية القذرة، جعلت كل همها أن تؤذي أطفالي الصغار، بل راحت تنتقم منهم أخذا بثأرها من جدك”[58].

 في اعتقادنا أن القرائن التشبيهية تتمثل في الرغبة الشديدة في الانتقام والقتل، لكن الشخصية الصهيونية تتفوق في صفاتها على الشيطان في أنها لا تقتصر على قتل الأطفال فحسب، بل الكبار والصغار والأطفال والنساء والأهم من ذلك إثارة الفتن والحروب والاستيلاء على الأرض وطرد أهلها منها عنوة وظلما، وهناك مؤشر آخر على ارتباط الرمز بالهزيمة والخيبات، “كانت معركتنا تشبه كثيرًا المعارك بين مصر وإسرائيل، فكانت نبيلة خائنة، غدارة، تجيد الحرب القذرة، تقتل نبيلة أخوالك كما تقتل إسرائيل الأطفال”[59]، لعل الكاتب هنا يربط بين الرمز القديم ونبيلة التي مسها الشيطان فتحولت إلى البومة السوداء، والرمز الحديث الذي يشير إلى ما تقترفه إسرائيل من جرائم، مُحذرًا من الصمت مهما كانت المبررات، أما الرمز الأسطوري فقد برع في تجسيده الشاعر العراقي بدر شاكر السياب خاصة أسطورة الموت، والانبعاث، مثلما برع كاتبنا في استدعاء أسطورة إيزيس وأوزيريس من جانب الخصوبة/ والجدب، الحب/ والموت، التبعثر/ ولم الشمل، التشتت/ والتجمع على رأي الناقد الدكتور عبد الحميد شاكر؛ ولنقرأ ما يدل على ذلك “كان المطر يفيض من سماء الله، فيغسل شجرة الكافور العجوز، يغسلها من غبار الأتربة، ومخلفات وعربدة هوام الليل والعفاريت والمردة والجن والشياطين الذين كنت أسمع عراكهم طوال الليل”[60].

وهكذا ينفتح رمز المطر على جملة من الرموز ذات القيمة الإنسانية التي تستحضر معاني الخصب والحياة والمتعة، وتبعث على التجدد والانبعاث من جديد لبناء وطن خالٍ من رواسب الشر والكراهية والحقد والجهل.

وإذا أمعنا النظر في المقطع السابق، فإننا نتلمس الرمز الأسطوري من خلال الأسطورة الكونية التي تحكي “قصة صراع الخير والشر، الخير يتمثل فيما يعود على الإنسان من الظواهر الكونية بالنفع مثل المطر وشروق الشمس، ومقدم الربيع إلى غير ذلك، كما أن الشر يتمثل في تلك الظواهر الكونية بالتي تحجب عنه هذا الخير مثل الجدب والظلام ومقدم الشتاء”[61]، في ضوء ما سبق فقد وفق الكاتب حينما استثمر ظواهر الطبيعة؛ ليسقط عليها جملة من الرموز والدلالات المكثفة المستمدة من الواقع فالمطر “يغسل الأبدان من الخوف والتردد، والشمس تتحول إلى معبود يتجرد العباد بموجبه من القهر والغربة والاستعباد”[62]؛ لذا بني الرمز الأسطوري على المقابلة بين عالم الأرض السفلي وتفشي قيم الشر، وعالم السماء العلوي وقيم المجد والرفعة والكرامة.

وفق هذا المضمون “لا تستمد الشخصية الشريرة معناها في العمل الفني من ذاتها، وإنما تستمد معناها من بنائها ذاته من جهة، ومن كون هذه الشخصية عنصرًا مُلتحمًا مع عناصر أخرى في العمل من جهة أخرى، فلها علاقات بالشخصيات الأخرى، ولها مواقف وردود أفعال تجاه الأحداث، وبدون تقدير هذا كله لا يمكن فهم الشخصية في العمل فهما كاملا واعيًا”[63].

(فالذات الممسوخة هي إنسان العصر الراهن الذي يعيش الظلمة والحرب والفوضى والجنس والجوع وهو فضاء العولمة التي تشكل المشهد الجنائزي الذي تمر به البشرية اليوم، ولعل الكاتب يبحث عن الأمل المفقود في الاستقرار للذات العربية التي كانت تملك كل شيء في يوم ما، ثم أضاعته ولم تحافظ عليه)[64].

وهكذا فقد كشف الرمز عن خبايا الحكي وجمالياته، وانفتح على سيل من الرموز والدلالات والإيحاءات اللامحدودة والتي بنيت على ثنائيات ضدية من خلال أسلوب المفارقة لتعرية الخلل وإصلاحه، كما جاء فعل المسخ اقتناعًا من الكاتب بأن الشخصيات الممسوخة لا فائدة ترجو منها؛ لقد استثمر الكاتب معطيات الميثولوجيا ليستنطق ما لم يقله التاريخ لأخذ العظة والعبر تخوفا من المستقبل والمصير المجهول.

وهكذا أفصح العنوان عن رمزيته، فالبومة السوداء ترمز لكل عمل مشين ومنفر، هي الشخصية الشريرة، والعدوانية، هي الحرب والدمار والخراب، هي الأفعى التي ترمز للغدر والخيانة، هي القوى الشيطانية التي تبث الفرقة، والحقد والكراهية، هي الحضارة الغربية التي تمسخ آدمية الإنسان وهويته.

وتبقى لنا كلمة أخيرة في نهاية هذه الدراسة وهي، أن رواية (البومة السوداء) للمبدع المصري خليل الجيزاوي من أكثر التجارب الأدبية التي وظفت الماضي مقاربة للحاضر في سياقه، وهذه رؤية نقدية خاصة تقبل التقويم والتعديل.

هوامش الدراسة:

^كاتبة وناقدة فلسطينية تقيم في طرابلس ليبيا، وتعمل أستاذ الأدب والنقد الحديث جامعة صبراتة ـــ ليبيا

  1. فضل، صلاح، بلاغة الخطاب وعلم النص، الشركة المصرية، القاهرة، ط1 9951، ص 304
  2. مجاهد، أحمد، أشكال التناص الشعري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1998، ص 332
  3. زايد، علي عشري، استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، الشركة العامة للنشر، ط1، 1987، ص18
  4. يونس، عبد الحميد، الأصول الفنية للأدب، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط2، 1994، ص 190
  5. أبو بكر، أميمة، المسخ في حكايات ألف ليلة وليلة، مجلة فصول المصرية، مج13، ع، 1994، ص239
  6. عبد الله، عبد البديع، الخرافة والأسطورة، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 1984، ص 67
  7. خليل شيخ، خالدة، الرمز في أدب غسان كنفاني القصصي، شرسبرس، نيقوسيا- قبرص، ط1، 1989، ص12
  8. نفسه، ص 18
  9. منصور، صبري، الرمزية في الفن الحديث، عالم الفكر، مج 6، ع2، 1985، ص 36.
  10. علوش، سعيد، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، د. ت، ص 301.
  11. وهبة، مجدي وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، بيروت، ط2، 1984، ص181
  12. غنيمي، محمد هلال، الأدب المقارن، دار العودة، بيروت، ط1، 988، ص 393.

ثم انظر، فتوح، أحمد محمد، الرمز والرمزية في الشعر المعاصر، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1982، ص139.

  1. عبد الله، عبد البديع، مرجع سابق، ص 68
  2. بوتور، ميشال، بحوث في الرواية الجديدة، منشورات عويدات، بيروت، ط 3، 1996، ص 13.
  3. غزالة، عبد الجليل، معارف في الأدب الفرنسي، الشركة الخضراء، طرابلس- ليبيا، ط1، 2012، ص 150.
  4. السعافين، إبراهيم، تطور الرواية العربية الحديثة، دار المناهل، بيروت، ط 2، 1987، ص 515
  5. جينييت، جيرار، خطاب الحكاية، ترجمة محمد معتصم وآخرون، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، ص62
  6. جينييت، جيرار، المرجع السابق، ص 127 .
  7. الجيزاوي، خليل، البومة السوداء، سلسلة إبداعات عربية، الشارقة، ط1، 2021، ص 19.
  8. – سويدان، سامي، أبحاث في النص الروائي العربي، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط1، 1986، ص 265
  9. الكردي، عبد الرحيم، السرد في الرواية العربية المعاصرة، دار الفكر، القاهرة، ط1، 1992، ص 127.
  10. زيما، بيير، النقد الاجتماعي، ترجمة عايدة لطفي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1985، ص 278.
  11. بنكراد، سعيد سيمولوجية الشخصيات السردية، دار المجدلاوي، عمان- الأردن- ط1، 2003، ص 40
  12. باختين، ميخائيل، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1987، ص 219
  13. الرواية، ص 107 .
  14. الرواية ص.ن
  15. الرواية، ص 95
  16. المحادين، عبد الحميد، التقنيات السردية في روايات عبد الرحمن منيف، دار فارس، عمان- الأردن، 2003، ص99
  17. نبيل، راغب، الشكل الفني عند نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة، القاهرة ط1، 1988، ص 115
  18. بوعزة، محمد، من النص إلى العنوان، مجلة علامات، ع53، جدة، 1425i، ص 408
  19. بنكراد، سعيد السيميائيات(مفاهيمها وتطبيقاتها)، دار الحوار، اللاذقية، ط2، 2005، ص 140
  20. إيكو، أمبرتو، التأويل بين السيميائية والتفكيكية، ترسعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2002، ص140
  21. حمداوي، جميل، الاتجاهات السميوطيقية في الثقافة الغربية، مكتبة المثقف، بيروت، ط1، 2015، ص 7
  22. قطوس، بسام، سيميائية العنوان، وزارة الثقافة، عمان – الأردن – ط1، 2001، ص 33
  23. الرواية، ص 75.
  24. السعافين، إبراهيم، المرجع السابق، ص 514
  25. إمبرتو، إيكو، المرجع السابق، ص 78.
  26. الجزار، محمد فكري، العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، ط1، 1998، ص 125
  27. الرواية، ص 56
  28. بنكرا، سعيد، السيميائيات (مفاهيمها وتطبيقاتها)، المرجع السابق، ص 153
  29. لحميداني، حميد، الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1985، ص418
  30. الرواية، ص 96
  31. رضوان، عبد الله، الرائي، دار اليازوري، عمان- الأردن – ط1، 1999، ص 246،
  32. شقرون، شادية، الخطاب السردي في أدب إبراهيم الدرغوثي، سحر للنشر، تونس، ط1، د. ت، ص 9
  33. انظر، العتبات في الرواية العربية .youm7
  34. دراج، فيصل، دلالات الكتابة الروائية بين الرمز والواقع، مجلة الهدف، ع40، 1993، ص 8
  35. قاسم، سيزا، بناء الرواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، ، 1984، ص76
  36. الحنصالي، سعيد، بداية ونهاية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1995، ص 16
  37. نجم، محمد يوسف، فن القصة، دار الثقافة، بيروت، ط5، 1966، ص 68
  38. الصايغ، وجدان عبد الإله، الصورة البيانية في النص النسائي الإماراتي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1

 1992، ص 39 .

  1. مجموعة مؤلفين، النقد الحضاري في الوطن العربي، دار فضاءات، عمان- الأردن- ط1، 2018، ص 41 .
  2. الرواية، ص 29
  3. بنكرا، سعيد، سيمولوجية الشخصيات السردية، المرجع السابق، ص 56
  4. الرواية، ص 26
  5. الرواية، ص 57
  6. الرواية، ص56
  7. الرواية، ص 7
  8. الرواية، ص 20
  9. الرواية، ص 20
  10. الرواية، ص 107
  11. بهى، عصام، الشخصية الشريرة، مرجع سابق، ص 23
  12. عبد الحميد، شاكر، الموت والحلم في عالم بهاء طاهر، مجلة فصول المصرية، مج12، ع2، 1993، ص205
  13. بهى، عصام، الشخصية الشريرة في المسرح العربي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1986، ص106
  14. انظر، شقرون، شادية، ص 8، المرجع السابق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى