شيءٌ من  الصبر

مرفت عبد العزيز العريمي | مسقط

 التقيت بصديقتي سلمى كانت مسرورة  جدا كغير عادتها  فسألتها ما السر وراء ذلك فقالت بوجه مشرق: عرضوا علي وظيفة جديدة.. تبدو لي جيدة.. أفكر في الاستقالة.. قلت لها:  هذه رابع وظيفة خلال ستة أعوام بعد تخرجك من الجامعة وفي كل مرة تقولين الشيء نفسه، لما العجلة أعطي لنفسك فرصة لتطوير ذاتك ومهاراتك؟!

نظرت إليَّ حائرة وقالت : الوظيفة الأولى كانت جيدة لكن تسرب إلي الملل فما كنت أقوم به أقل من إمكانياتي وطموحاتي لذا قررت تركها.. أما الوظيفة الثانية فكانت متعبة جدا وتستهلك مجهودا ووقتا كبيرين  مع إن الراتب كان مجزيا.. والوظيفة الثالثة كما تعلمين لم أستطع التأقلم مع جو العمل والعاملين .. أريد وظيفة تتناسب مع إمكانياتي وأحلامي أرغب في وظيفة تناسبني.

قلت لها: لا توجد وظيفة في العالم مفصلة لشخص ما وإن وجدت فلا بد من وجود تحديات تواجه شاغلها، الهروب من التحديات ليس حلا للمشكلة لأنها ستظل قائمة.. بالصبر والتأني ستبلغين مبتغاك.. بالصبر والتأني ستتعلمين مهارات جديدة نافعة لإدارة حياتك.

 كثيرا ما  نسعى بكل ما أوتينا من قوة لتحقيق هدف في التوقيت الذي نراه مناسبا لكنه لا يتحقق بالرغم من كل مساعينا لذلك عليك أن تتيقني أن كل شيء له توقيت مناسب نكون نحن مستعدين لاستقباله بما نمتلكه من خبرات  فلا تتعجلي… سلمى كغيرها مما يعانون من فراغ  في تحديد الغاية والمبتغى من العمل فيهيمون في طريق لا نهاية لها لأنهم  لم يملأوا الفراغ بكلمات مناسبة  تتناسب مع رغباتهم الحقيقية  التي تملىأ الفراغ الوجداني لديهم.

فالاختلاف الدراماتيكي في سبل بلوغ الغايات والأهداف جعل الإنسان يفقد خصالا عديدة ويكتسب خصالا أخرى؛ فالإنسان العصري أصبحت احتياجاته أكثر فما كان يعتبر حتى وقت قريب من المكملات يعد حاليا من الضروريات في بعض المجتمعات التي اعتاد أبناؤها على الرفاهية.

الصبر وعدم الرضا بالموجود لا يلتقيان، فالاعتياد على بلوغ الأهداف بسهولة وسرعة يجعل من الإنسان يعتاد السرعة في تلبية رغباته واقتناء ما يرغب النفس وبالتالي انعكس ذلك على علاقاته مع الغير فلم يعد يتحمل الحياة بحلوها ومرها فإن واجه تحديا يتساقط كما تتساقط أوراق الشجر الصفراء عند هبوب رياح خفيفة، فخصلة الصبر تلاشت لأنه لم ينشأ عليها فكل مطالبه مجابة نتيجة الرفاهية التي كفلتها له الحياة العصرية.

وعلى النقيض من ذلك عندما نذهب إلى القرى والمناطق النائية التي لم تتلبس بعد بالمدنية تتراءى أمام عيوننا خصل جميلة يتمتع بها أبناؤها كالرضا والسماحة والصبر والقناعة والحلم وغيرها الكثير اكتسبوها من الطبيعة من حولهم تعلموها من الطير والشجر والجبل وهذه الخصال أصبحت نادرة عند من لبس ثوب المدنية وانساق وراء بريقها . 

الصبر لا يعني الخضوع أو عدم الطموح فشتان بينهما؛ فالصبر يعني أن نتحكم في ذواتنا ونضبط رغباتنا لبلوغ الأهداف الكبرى مع إعطاء فسحة من الوقت لتحقيق مساعينا.

عندما نتأمل خُلق الصبر بمعناه الحقيقي يتجلى الشكر في أسمى معانيه .. نجد الإيمان الراسخ والثقة بأن ما حدث هو خير، الصبر يعنى أن الإنسان في تلك اللحظة آثر التأمل والسكون ومراجعة النفس والوقوف على حيثيات الأمور بتفاصيلها بروية وهدوء على أن يتخذ ردة فعل  سريعة  قد تكون غير محمودة  النتائج.

الصبر يعلِّم الإنسان تهذيب النفس والتحكم على انفعالاته، فالصبر يجمع بين جنباته الخصال الحميدة كافة؛ الحلم والشجاعة، فالإمساك عن الكلام أثناء الغضب يعد صبرا، والإمساك عن الغضب يعد حلما، وتحمُّلُ مصاعب الحياة بيقين “أن الفرج آت” هو الإيمان. تلك الخصال مجموعة تنقل الإنسان إلى عالم الحكمة.

والصبر أنواع أبرزها الصبر أمام الرغبات والمصاعب التي تمر بالإنسان في حياته اليومية  دون تذمر أو شكوى.

المرأة الحامل التي تحمل بين أحشائها طفلا لمدة تقارب العام تتحمل ذلك الكائن الذي يتغذى منها ويلازمها ليل نهار متحملة ذاك الوزن الزائد والتغيرات التي تحدث في جسدها مواجهة الحياة اليومية كشخصين في جسد واحد فتكون أول من يسعد بولادة هذا الطفل بعد صبر طويل.

المزارع البسيط الذي يحرث الأرض بيده ويسقيها من عرقه لعدة أشهر متحملا أشعة الشمس الحارقة التي تلفح جسده صابرا ليجني أزكى الثمر فتتحقق سعادته عندما يحمل  ثمار مجهوده بين يديه.

الأمثلة كثيرة عن الصابرين والصابرات الذين يحصدون الفرج بعد صبر طال أو قصر فالصابرون هم الأكثر سعادة من بني البشر هم الأكثر حكمة في إدارة الأمور والوصول إلى النتائج مرجوة، بالصبر الجميل تتحسن حياتنا ويقلل  توترنا ويزداد إيماننا بأن كل شيء يسير وفق نظام دقيق ومقدر وما علينا إلا أن نعطي لكل شيء وقته ونستمتع بعد حين بجميل الصبر، فبعد الصبر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى