وجهاً لوجهٍ عليّ جبّار عطيّة مع المترجم محمد حسن علاوي

بغداد | خاص

لابدَّ أن يكون المترجم شاعراً كي يترجم الشعر ليكون ملماً بالصور الشعرية والوزن والقافية

يُعد المترجم خارجاً عن النص إذا لم يستطع توصيل المعنى الدقيق له

عرّفني إليه الصديق المخرج السينمائي سعد نعمة في ظهيرة يوم قائظ من أيام صيف سنة ٢٠٢٠ فكأنَّني قابلتُ غيمةً ثلجيةً!
أدهشني تواضعه، وبساطته،واطمئنانه، وحبه للترجمة!
أعرف ذوق أخي سعد نعمة فهو كالنحلة لا يقع إلا على طيب !
هكذا صرتُ وجهاً لوجه أمام محمد حسن علاوي الذي قرأتُ له وسمعتُ عنه.
هاهو أمامي!
زارني في مكتب القسم الإعلامي بوزارة الثقافة بكل تواضع، ثمَّ رددتُ له الزيارة في مكتبه، وهو يمارس عمله رئيس مترجمين أقدم في دار المأمون للترجمة والنشر، ومدير قسم المجلات في دار المأمون (بغداد، وگلكامش، والمأمون) فضلاً عن جريدة (المترجم)، ورئيس تحرير مجلة گلگامش التي تصدر باللغة الإنجليزية. له أكثر من ١٧ كتاباً مترجماً إلى اللغة العربية والإنجليزية، وترجماته متنوعة في الرواية والمسرح، والتاريخ، وقواعد الترجمة، فترجم أربع روايات، وستة كتب في تراث العراق، وهو ماضٍ في مشروعه لنقل ما كتب عن الحضارة الرافدينية؛ لأنَّه وجد تقصيراً في ذلك قياساً إلى ما ترجم عن الحضارة المصرية.
ولد في بغداد ١٩٦٢م، وحصل على شهادة البكالوريوس باللغة الإنجليزية من كلية الآداب الجامعة المستنصرية/١٩٨٨/١٩٨٧م، وله عدة كتب وإصدارات ، أهمها كتاب (أحداث بغداد في اثني عشر قرناً)/٢٠١٣م وكتاب (المدرسة البغدادية في الخط العربي)/٢٠١٣م ورواية (كبرت مع الأشباح)/٢٠١٧م للروائية الماليزية بيرنس تشولي ، ورواية (ذهب مع الريح) للكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل.
هو مغرمٌ بالرحالة البريطاني أوستن هنري لايارد لذلك ترجم له ستة كتب من بينها كتاب (المغامرات الأولى في بلاد فارس وساسان وبابل) مع المترجم منذر كاظم حسين/٢٠٢٠م، وكذلك كتاب (محكمة نينوى)/٢٠٢٢َم
فضلاً عن ترجمته الفورية لثمانية مؤتمرات عالمية، وإلقائه العديد من المحاضرات والندوات بمجال الترجمة.
بعد سنتين من تعرفي إليه لمستُ فيه براءةً قل نظيرها، وجديةً في العمل، وإخلاصاً للتجربة !
ترددتُ في محاورته إجلالاً له، ولعلَّني كنتُ محقاً في ترددي؛ خشية التقصير في الوقوف على رحلته الشاقة واللذيذة في عالم الترجمة.
ألتمس منه ومنكم العذر في ذلك، وقد أصرت الكاتبة رجاء حميد رشيد بنفسها على التقاط الصور المنشورة مع هذا الحوار اعتزازاً بالمترجم، والكاتب، والإنسان (أبي وسام) الذي استحق وسام (الموظف المثالي) رسمياً سنة ٢٠١٣م بعد أن حصل عليها قبل ذلك شعبياً بجدارةٍ !

ما الذي دعاك إلى الاهتمام بكتب الرحلات دون غيرها في الترجمة؟
في الحقيقة أنا مارست كل أنواع الترجمة منها العلمية والأدبية والتأريخية والقانونية والفلسفية فضلاً عن الترجمة الشفاهية بفرعيها التعاقبية والفورية، ولكن في الفترة الأخيرة استهوتني ترجمة كتب أدب الرحلات وخاصة للرحالة وعالم الآثار البريطاني أوستن هنري لايارد، إذ ترجمتُ له أربعة كتب وهي مجلد (آثار نينوى) بجزئين بالاشتراك مع زميلي خضر علي سويد، ونشر في دار الرافدين للنشر اللبنانية وكتاب (اكتشافات نينوى وبابل) الصادر عن دار المأمون وكتاب (المغامرات الأولى في بلاد فارس وساسان وبابل) بالاشتراك مع زميلي منذر كاظم حسين وكتاب (محكمة نينوى) وكلاهما صادر عن دار المأمون للترجمة والنشر، وأعمل الآن على ترجمة كتاب من أدب الرحلات والعمل جارٍ في منتصفه، وتُعَّد كُتب أدب الرحلات من المراجع الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية المهمة؛ إذ إنَّ الكاتب يصف بشكل دقيق جداً التفاصيل التي عاشها وعاصرها خلال سفره، فضلاً عمّا يعكسه من الناحية الاجتماعية إذ يصف علاقته مع القبائل العربية في المناطق التي زارها ، والحوادث التي جرت له و للآخرين أمامه، ومن هنا أيضاً تَستمد هذه الكتب متعتها، إذ إنَّ كل من يقرأها يشعر بالمتعة الكبيرة، وكأنَّه عاش في تلك المدن آنذاك فهو بمثابة فيلم سينمائي مصور يصف وصفاً دقيقاً التفاصيل كافة، ولاسيما إذا ما امتلك الكاتب أسلوباً أدبياً شائقاً في الكتابة، وكان لديه اهتمام كبير جداً بنقل كل ما عاشه وعايشه وعاصره من أحداث ومواقف، وقد بالغ في الوصف حتى وصل إلى درجة الخرافة في بعض الأحيان والأوقات، وهو بمثابة أيقونات أدبية تعطي فكرة عامة عن جو الحضارة فهي ملاحم أدبية خالصة ؛ لأنَّ الكاتب نفسه ذهب وسافر وانتقل، وارتحل من مكان إلى آخر.

ترجمتَ أنواعاً من الكتب في الأدب والرواية والمسرح، وكتب الرحلات فأيها تجده الأشق عليك ولماذا؟
أنا أبذل كل جهدي في ترجمة أي نوع من أنواع الترجمة، وفي الحقيقة حبي للترجمة والصبر هما مفتاحان لتذليل الصعوبات، ولكن أجد الصعوبة الأكثر في ترجمة الشعر الذي يكثر فيه تعدد المعاني التي تقبع ما وراء النص، وبحاجة لتفسير أكثر إحاطة برؤية الشعر والشاعر وكذلك ثقافته وقوميته. بغير ذلك يتم قطع أطراف القصيدة، ويكون الشعر المترجم بحالة كساح لذا لم أترجم من الشعر إلا قصائد معدودة، وأرى أنَّه لابدَّ أن يكون المترجم شاعراً كي يترجم الشعر ليكون ملماً بالصور الشعرية، والوزن، والقافية.

إلى أي مدىً يكون المترجم أميناً في نقل المادة المترجمة؟
يسعى المترجم الملم بآلية الترجمة، وله اطلاع ممارسة في الترجمة ومتمكن من اللغتين وثقافتهما ، أن ينقل بأسلوب واضح وبسيط المعنى إلى القارئ، وهناك الترجمة الحرفية(ترجمة الألفاظ) والترجمة الحرة(ترجمة المعنى) أي أن المترجم يفهم المعنى، ويعيد صياغة الجمل بأسلوبه الخاص وفي هذا له حرية التصرف في سبك الجمل وهذا لا يعني أنه غير أمين بل سيكون مبدعاً إذا ما حافظ على المعنى الدقيق للنص .

ما حدود التصرف في الترجمة، ومتى يعد المترجم خارجاً عن النص؟
يكون حدود تصرف المترجم بالأسلوب على أن يحافظ على المعنى الدقيق للنص وإذا ما كانت هناك إشارات في الترجمة لها مدلولات ثقافية متناقضة للغتين فلابدَّ للمترجم أن يوضحها للقارىء كي لا تربكه، ويُعد المترجم خارجاً عن النص إذا لم يستطع توصيل المعنى الدقيق للنص، أو كان أسلوبه مربكاً للقارىء لوجود اختلافات ثقافية بين اللغتين. على المترجم أن يفهم تماماً معنى النص الأصلي وروحه، وله الحرية في أن يوضح الغموض . وينبغي أن يمتلك المترجم معرفة مثالية بلغتي المصدر والهدف، وأن يتجنب الترجمات الحرفية، وأن يستخدم صيغاً لغوية شائعة. وأن يختار الكلمات، ويرتبها بطريقة ملائمة لكي ينتج النغمة المناسبة. ويتم كل هذا من خلال الممارسة المستمرة في الترجمة، ويصبح المترجم متمكناً في الإلمام بالمعنى المعجمي أي البحث عن الكلمة في المعجم اللغوي، ومعرفة المعنى النصي بعد أن يستعين بالمعاجم ثنائية اللغة، ثمَّ يعرف المعنى السياق، وهوالمعنى الذي يمكن استخلاصه من سياق الكلام، ذلك أنَّه في بعض الأحيان قد تكون هناك كلمات لها معنى محدد، ولكن هذا المعنى يتغير كلية لوجود هذه الكلمات داخل سياق معين. وفي سبيل المثال، فإنَّ جملة:(الفتاة كالقمر في جمالها) توحي بأن الفتاة على قدر كبير من الجمال، ولكن عند الترجمة إلى اللغة الإنجليزية، لا نستطيع نقل هذا المفهوم كما هو، ذلك أن القمر في البيئة الإنجليزية ليس له نفس الإيحاء الذي يتميز به في لغة العرب. ولذلك يجب البحث عن مقابل الجمال في اللغة الإنجليزية، وليكن مثلا بيضاء كالثلج بينما في البيئة العربية لا نستطيع أن أن نقول هذه فتاة بيضاء كالثلج، فمفهوم الثلج في البيئة العربية غير مفهوم الثلج في البيئة الغربية. وقد يُفهم من الجملة السابقة أن هذا التشبيه للذم وليس للمدح. ولذلك فمن الأفضل القول هذه الفتاة شديدة البياض.

ما الكتب التي تتمنى أن تترجمها ولم يتسن لك الوقت لذلك؟
أتمنى ترجمة كل ما يتعلق بحضارة وتأريخ العراق؛ لأنَّ ما تُرجم عن حضارة العراق قليل جداً مقارنة بما كُتب وترجم عن حضارة وادي النيل مثلاً، أو الحضارات الأخرى مع العلم أنَّ العراق هو مهد الحضارات والفكر الإنساني.

يقال إنَّ الترجمة خيانة للنص، فإلى أي مدى تتفق مع هذا الرأي؟
تكون الترجمة خيانة للنص إذا ابتعد المترجم عن المعنى الدقيق للنص، أما أذا اجتهد وقدم النص بأسلوب الترجمة الحرة مع المحافظة على المعنى فلا تكون هناك خيانة.

وجدتُ لك اهتماماً خاصاً بالرحالة والمستكشف لايارد فما سر هذا الاهتمام؟
ـ إنَّ الرحالة وعالم الآثار البريطاني أوستن هنري لايارد هو شخصية آثارية لها شأنها الكبير في التنقيب عن الآثار في نينوى خلال القرن التاسع عشر. وترأس الرحالة العالمي عمليات التنقيب في تل قوينجق، وفي النمرود العاصمة الآشورية القديمة الواقعة جنوبي نينوى على نهر دجلة مقابل مدينة الموصل في العراق الحديث. وكشف هنا عن القصر المفقود للملك سنحاريب الذي احتوى على إحدى وسبعين قاعة، ومنحوتات بارزة ضخمة واكتشف كذلك قصر آشور بانيبال ومكتبته التي ضمت أكثر من عشرين ألفاً من الرقم المسمارية الطينية. وتكشف كتبه الستة صورة مشرقة لحضارة العراق، كما أنَّ كتبه تكشف مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث في ظل الاحتلال العثماني وكتبه من المراجع الجغرافية والتاريخية والثقافية والاجتماعية للعراق في تلك الفترة.

ما الذي يجذبك في النص الذي تترجمه ، المؤلف، أو شهرة الكتاب، أو الموضوع؟
في بداية ترجمة الكتب كنت أترجم كل ما يتسنى لي ترجمته، وممكن أن تقبله دور النشر أما الآن فأبحث عن الموضوع ومدى تأثيره على القارىء.

هل تتوقع أن ينحسر دور المترجم مع ظهور المترجم الآلي؟
كلا لأنَّ الترجمة إبداع، ومهما حصل من تطور فلا تلغي الآلة عقل الإنسان الذي صنعها.

ماذا أضافت لك الترجمة، وما الذي أخذته؟
ـ أضافت لي الكثير من المعلومات الثقافية والتاريخية، ووسعت من أفق مداركي وأخذت مني الصحة والوقت.

هل اخترت حقل الترجمة، أوهو الذي اختارك؟
أنا أخترت الترجمة، وكانت لي رغبة جامحة في ممارسة الترجمة.

في رحلتك الطويلة مع الترجمة ، هل تعتز بكتاب ترجمته وتعده كتاب العمر؟
أنا أعتز بكل كتبي لكن كتاب العمر لا يزال لم أترجمه، وهناك كتاب تحت اليد وهو من كُتب أدب الرحلات أحاول أن أجعله مميزاً.

ما الذي يمكن للجيل الجديد أن يترجمه وهو يرى الترجمات المتنوعة لجيلكم؟
لا توجد حدود تتوقف عندها الترجمة فمنذ ظهور الترجمة قبل سبعة آلاف سنة وحتى الآن وتعاقب أجيال بعد أجيال والترجمة تتجدد.
فصلٌ من كتابٍ معدٍ للنشر عنوانه (وجوهٌ في ذاكرة الأرض).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى