جولة في قاموس الاحتلال الإسرائيلي

المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين

     دأبت سلطة الإحتلال الإسرائيلية على تبني قاموس خاص بها يخالف المفردات العالمية، قاموس قائم على استعمال ألفاظ توراتية سياسية تخدم المقولة الإسرائيلية، وتبني منظومة الكذب في روايته الإعلامية ومفرداته القصصية لجميع الأحداث التي تمر بها القضية الفلسطينية، عملا بمقولة وزير الإعلام النازي جوزيف غوبلز “إكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس”.

     لذا هي تستعمل مفردات مغرضة بحذر شديد، مجانبة للحقيقة، وألفاظ مضللة مركزية ومحورية مشوهة للعلم والحقيقة وتنفي الحق الفلسطيني بحيث توقع القارىء والسامع في الشرك المقصود، وتحرفه عن الحقيقة العارية الموضوعية كما أوردتها الكتب العلمية والتي كتب بعضها علماء يهود. وللاسف، وقع في هذا الشرك بعض السياسيين والمتعلمين الفلسطينيين والعرب والمسلمون عن قصد أو جهل أوبحسن نية.وتراهم مصرون على استعمال هذه المفردات في كل المناسبات متحججين بكل الذرائع.

السيادة والسلطة
     تجمع كتب القانون والمحاكم الدولية والمواثيق الدولية والفقه الدولي على اختلافها ودون الدخول في تفصيلاتها واسمائها،على أن السيادة للشعب أو الأمة، وأن المحتل لا يملك ذرة واحدة من ذرات السيادة، وأن سيادة الشعب تحت الإحتلال تكون معلقة أو موقوفة. لكن قاموس الإحتلال الإسرائيلي ممثلا باستاذ جامعي يسمى يهودا بلوم يخترع أمرا فريدا مخالفا الإجماع العالمي يسمى بفراغ السيادة وينظرّ له حينما اصبح ممثلا للكيان في الأمم المتحدة.

     وحاول استعمال هذا المفهوم إيهود براك في محادثات كامب ديفيد بطريقة أعجب وأسخف بل أسوأ وأكثر دهاء حينما قسّم السيادة إلى سيادة فوقية فلسطينية وسيادة عبرية تحتية في الحرم الشريف. وما زالت إسرائيل ترفض الإعتراف بتطبيق إتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وأن الفلسطينيين لم تكن لهم سيادة بل للأردن بحجة فراغ السيادة، مع أن الإتفاقية لم تناقش موضوع السيادة لا من قريب أو من بعيد، خشية أن يؤثر هذا الموضوع، على البعد الإنساني، الذي كان الشغل الشاغل لصائغي إتفاقيات جنيف. ليس هذا فقط بل زعموا في سبيل نفي السيادة الفلسطينية،أن السيادة الأردنية سيادة غير شرعية على الضفة الغربية، لأنها ضمت الضفة الغربية ضما باطلا، مع أن الإسرائيليين لم ينكروا السيادة الأردنية طيلة عقدين من الزمان، ولم يبدر منهم أي إشارة لرفضها، بل اعترفوا بها في اتفاقية رودس للهدنة .
أما الحقيقة فهي أن المحتل الإسرائيلي بقواته الغازية، لا يملك سوى السلطة الفعلية القائمة على القوة العسكرية من خلال دباباته ومصفحاته وطائراته وقواته العسكرية، أما السيادة فتبقى للشعب الفلسطيني رغم عدم قدرته على ممارستها، نظرا لوجود القوات المحتلة الإسرائيلية ولعدم تنفيذ الحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني. فالسيادة منذ أن قررها المفكر الفرنسي “جان بودان” لا تنبع من فوهة المدفع ولا من القوة العسكرية بل من الشعب او الأمة التي تملكها، وهي أمر مختلف تماما عن السلطة بكل اشكالها ومسمياتها الكاذبة. فالسيادة لا يمكن أن تكون إلا شرعية وإجراءاتها مشروعة، أما السلطة فقد تكون دكتاتورية أو بوليسية أو فاسدة أو أوليجارشية أو عنصرية.
      تكمن المشكلة في عدم التفريق بين المفردتين وسياسة اللامبالاة من كثير من تصريحات السياسيين والكتاب وبعض القانونيين في كتاباتهم، بينما الفرق والخلاف كبير جدا، فكلوا عند العرب صابون. فكلمة سيادة في الإنجليزية هي ” SOVEREIGNTY”بينما كلمة سلطة هي “AUTHORITY”.

    والأخطر أن يرد المصطلحان في إتفاقية بدون تفريق أو كبديل للآخر. وإذا كان الأدباء والعامة يخلطون بين المفردتين، فلا يجوز الخلط بهما من ذوي الأمر والقانونيين.

الأرض المحتلة
منذ عام 1967 وحتى يومنا هذا، والادبيات الإسرائيلية من سياسية وقانونية وصحفية لا تصف ارض الضفة الغربية والقدس من ضمنها وقطاع غزة بانها أراض محتلة. وتتجنب استعمال هذا الوصف القانوني الدقيق حتى تتجنب آثاره القانونية من تطبيق لاتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي الرابعة والبروتوكول الإضافي لعام 1977. فرغم أن إسرائيل وقعت وصادقت على إتفاقيات جنيف الأربع، إلا أنها تتنكر لها ساعة تطبيقها على الفلسطينيين رغم أنها طبقت بعضها مع الدول العربية وبخاصة الإتفاقية الثالثة الخاصة باسرى الحرب.
وهي قد ابتدأت بتسميتها أراضٍ مدارة، ثم استعملت لفظها الديني ” يهودا والسامرة ” نسبة إلى مملكتيها المتناحرتين، واخيرا استعملوا لفظة نكرة بأن أسموها “أراض” ” شطاحيم ” بالعبرية، وكأنها أرض بدون مالك وبدون سكان حتى يسهل الإستيلاء عليها، والسيطرة على مقدراتها، والإستيطان فيها، ونهب ما فيها من ماء ونفط وتراب .
الإسرائيليون حالمون في ان يعود بهم الزمان إلى جواز كسب ملكية الإقليم بالقوة أو بالخداع والحيلة او الإستيطان أو الحيازة غير الهادئة أو الغزو او الضم، الأمر الذي رفضه القانون الدولي العام المعاصر فهذه اساليب اكل عليها الدهر وشبع، كما هو واضح في مقدمة قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 . ومن هنا تتضح تقسيمات أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام (أ، ب ، ج)، بل فهم هذا الأمر حينما أمر الحاكم العسكري للضفة الغربية في يوم 25 من شهر حزيران/ يونية من عام 1967 بعرض اي بيع أو تأجير عقاري على ضابط الأراضي في الحكم العسكري.

الضم والتوحيد
        لما كان الضم محظورا نتيجة للإحتلال العسكري أو الغزو في العرف الدولي، وأقرت ذلك المبدأ بشكل تعاهدي مكتوب معاهدة مونتفيديو في أوروغواي بأمريكا الجنوبية عام 1933 ، فقد استعملت إسرائيل تلاعبها بالألفاظ، واعتبرت ضم القدس الشرقية للدولة الإسرائيلية وإخضاعها للقانون الإسرائيلي بشكل تام نوعا من التوحيد، لتبرر هذا الضم وتعطيه نوعا من المشروعية.

      وهذا ما حاوله أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتقديمه المبررات الكثيرة لذلك الضم الذي اعتبره توحيدا ولمصلحة السكان الفلسطينيين، خارقا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الذي كان اساس قبول الكيان في الأمم المتحدة .
وقد خان التوفيق والتدقيق الكيان في رسم الفرق والخلاف بين الضم والتوحيد. فالضم فعل قسري جبري بينما التوحد فعل رضائي إرادي. فلو كان الفعل الإسرائيلي توحيدا، لقامت السلطة الإسرائيلية على الأقل بعمل استفتاء في القدس الشرقية حول موافقتهم من عدمه للإنضمام إلى الكيان او عهدت للجنة دولية للتحقق من رغبات المقدسيين الفلسطينيين. ولو كانت إسرائيل صادقة في توحيد شطر القدس الشرقية لمنحت للمقدسيين الفلسطينيين حينما “وحدتهم” حقوقا والتزامات متساوية مع سكانها، واعملت مبدأ المساواة معهم في كل قطاعات الحياة، ولما اعتبرتهم مقيمين، بل عديمي الجنسية ولاحقتهم لتهجيرهم وتفريغهم وإخلائهم من مدينتهم.

     حتى الفلسطيني المقدسي، وهم الأكثرية اللذين ولدوا في القدس بعد التوحيد المزعوم لم يتحقق لهم مبدا المساواة مع الآخر.
بقي أن نقول أن الألفاظ وعاء المعاني، وعلينا كفلسطينيين التدقيق في مفرداتنا القانونية والسياسية وفي المفردات المصدرة إلينا، واستعمال مباني الألفاظ التي تعبر عن الصحة والمتسقة مع مفاهيمنا الوطنية الحقة، ونبتعد عن الإستعارة والخيال والبلاغة، فكفانا ما حصل لنا من انتكاسات وثغرات لفظية غير القانونية في أوسلو، فالألفة مجلبة للإستخفاف، وصدق الشافعي حين قال:
كلما أدبني الدهر اراني ضعف عقلي
وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى