أهمية التقدم في البحث العلمي

أ.د عبد العليم سعد سليمان
كلية الزراعة – جامعة سوهاج – مصر

العلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها فبالعلم تُبنى الأمم وتتقدم, قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ “المجادلة”11.. إن نهضة الشعوب والأمم تنبع من مستواها الثقافى والعلمى حيث أن العلم اساس المعرفة والرقى ويساعد على النهوض بالأمم المتأخرة، ويقضي على التخلف والرجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور التي تؤخر الأمة، فالعلم من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها.
يتفق العلماء والباحثون أن البشرية ما كان لها أن تبلغ مراحل حضارية متقدمة، لولا اعتماد الإنسان على الملاحظة والبحث والاستقراء ثم الاستنتاج، مستفيداً من طاقاته العقلية والجسدية، ما أتاح له القدرة على التأمل.لقد دأب الإنسان منذ فجر التاريخ على متابعة حركة سير النجوم والكواكب، وملاحظة تعاقب الفصول، وما ترافق معها من تحركات للكائنات الحية، وتعاقب دورة الحياة، وما يصاحبها من ظواهر طبيعية، لم يكن بمقدور إنسان ذلك الزمان تفسير تداعياتها، كتساقط الأمطار أو هبوب الرياح واشتعال النيران بسبب الزلازل والبراكين.لقد كان الإنسان، وما زال، حريصاً على ضمان أمنه واستقراره، فالحاجة إلى الأمن والطمأنينة تمليها غريزة حب الحياة وضمان استمرارية النوع.
إن تقدم البحث العلمي في مراحل تاريخية ارتبطت بالتطور الحضاري للبشرية، عكف عليها الإنسان، وقدم تضحيات جسيمة انتهت بإنجازات رائعة، ساعدت الإنسان على البقاء على سطح الأرض،يوضح كيف أن البحث العلمي ساعد الإنسان على إيجاد حلول للمصاعب والمشكلات التي كانت وما زالت تواجهه، فضلاً عن تفسيره للعوامل المسببة للظواهر الطبيعية أو الاجتماعية.وكما سبقت الإشارة، فإن المجتمعات التي تقدمت مسيرة الحضارة، هي المجتمعات التي استطاعت أن توظف البحث العلمي على أوسع نطاق، مجتمعات أدركت أن السير الاعتباطي والعفوي لوتيرة الحياة، لا يوصل إلى نتائج محققة.. بينما إخضاع الظواهر والمشكلات للدراسة والتحليل، يقود حتماً إلى حلول حتمية.
هذا يعني أن وظيفة البحث العلمي ساعدتنا عبر المنهجية العلمية، على قراءة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، قراءة علمية تمكننا من الاستقراء والتحليل وصولاً للنتائج، بل إن البحث العلمي يتجاوز دراسة الواقع إلى التنبؤ باتجاهات ومسارات المستقبل.وقد أشار إلى ذلك علماء “المستقبليات”، الذين اعتمدوا على الرصد العلمي لمسار الظواهر الحالية، والاستفادة منها مستقبلاً، وهو اتجاه جديد تبناه العديد من مراكز البحث والدراسات العلمية.تتجلى أهمية البحث العلمي – أكثر وأكثر – في هذا العصر المتسارع ..حيث لم يعد البحث العلمي رفاهية أكاديمية ! إذ أصبح البحث العلمي هو محرك النظام العالمي الجديد .. ! وأصبح العالم في سباق محموم للوصول إلى أكبر قدر ممكن من التقنية والمعرفة الدقيقة المثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية للشعوب .

لقد بات إنشاء مراكز علمية للبحوث المتخصصة، أحد هموم الدول التي دخلت سباق التطور، معتمدة على إسهامات العلماء والمفكرين وطلاب الدراسات العليا، الذين تتوفر لهم الإمكانات والفرص لقراءة المستقبل. لأن علم المستقبليات يتحدد بالمستوى الحضاري لأي مجتمع، ويقاس بمقدار الإنجازات العلمية التي تتحقق وتسهم في حركة التطور، كما أن التقدم العلمي يمكن قياسه أيضاً بمدى تشبع أفراد المجتمع بروح العلم، تفكيراً وبحثاً وتخطيطاً وإبداعاً.
ولعل من أهم خصائص العلم، أنه يتصف بـ «الموضوعية والحيادية». فالموضوعية هي نقيض الانحياز والذاتية، والحيادية، هي أن ندرس الظاهرة ونراها كما هي في الواقع، دون أي ارتباطات ذاتية.أما الرؤية المستقبلية، فهي تعبر عن جوهر التفكير العلمي، لأن من خصائص العلم أن يساعدنا على التنبؤ الموضوعي بمسارات الظواهر. والعلوم، سواء الطبيعية أو الإنسانية، إنما تكتسب قيمتها بقدر استشرافها للمستقبل، ذلك أن استقراء الماضي يبدو كضرورة علمية تماماً، مثل استقراء الحاضر، إلا أن الوقوف عند ذلك لا يعني شيئاً إذا لم يبشر برؤية موضوعية للمستقبل. لذا، فإن الاهتمام بالمستقبليات أصبح من أهم الموجهات العلمية في العصر الحديث، لأن تسارع حركة التغيير الاجتماعي، خصوصاً في عصر تدفق المعلوماتية والفضاء المفتوح، أصبح يحتم على كل الجهات المعنية بصنع القرار، السعي لاستباق الظواهر في محاولة للتنبؤ بمساراتها.إنها مهمة ظرفية أصبحت أكثر إلحاحاً، فلم يعد ثمة مكان لصانع قرار لا يملك رؤية استشراقية لملامح الغد.
إن العالم يتغير من حولنا بسرعة مذهلة، بحيث أصبح المستقبل وشيكاً دائماً، ولا بد من الاستعداد له عبر بوابة البحث العلمي.فليس المهم إجراء البحوث والتوصل إلى نتائج وتوصيات تخرج بها نتائج تحليل البيانات، ولكن الأهم استحداث الآلية التي تتبنى توصيات الأبحاث والدراسات التي توصلت لها البحوث,لكل ما تقدم، ثمة حاجة لتفعيل توصيات المؤتمرات التي تشارك فيها الدول داخلياً وخارجياً، فضلاً عن نتائج الأبحاث والدراسات التي تُكتب هنا وهناك، وإدخالها حيز التنفيذ للاستفادة منها عند صنع القرار.وفى رأيي أن البحث العلمي، سواء النظري أو الميداني، يعتبر أهم وسائل صنع المعرفة والتقدم، وسيبقى خيارنا الوحيد لوضع خططنا الاستراتيجية على أرض الواقع، من خلال تبني المنهجية العلمية، والاعتماد على البحوث والدراسات العلمية، حتى نلحق بركب الأمم التي سارعت الخطى في اتجاه الريادة والتميز في مجال البحث العلمي.
وفي عصرنا لم تعد قوة الشعوب تقاس بعدد سكانها بقدر قدراتهم وخصائصهم النوعية وقدرتهم على إنتاج الفكر المبدع والابتكار العلمي، وهنا كما قال الحكماء “من بين الناس رجل بألف” ذلك الذي استطاع أن يقدم فكرة مبتكرة غيرت وجه الحياة للناس من حوله فخلد ذكره وبقيت آثاره لأجيال وأجيال من بعدة، تلك هي القيم الحقيقية لحياة الإنسان, إن الله يرفع بالعلم أممًا ويجعلها أعلى الأمم وسادة العالم تلك هي القوة الدائمة للشعوب والضمانة الحقيقية لبقائها والداعم لقوتها، حتى وإن كانت لا تنعم بمقدرات طبيعية، غير أن القوة الفكرية لأبنائها قادرة على الحفاظ على المكانة والمكان، والتجربة اليابانية والكورية وغيرها ليست عنا ببعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى