سياحة في كتاب…(الحلقة الأولى)

محمد خضير | شاعر وفنان فلسطيني مقيم بالأردن
رواية “قبل ضياع الجنّة” بمجلدين للروائي الأردني صادق عبد القادر، عن دار “الآن ناشرون وموزعون” عمّان – الأردن.
ذات حياة، قال إدوارد سعيد: “على كل فلسطيني أن يكتب قصته”، قاطعًا بذلك الطريق على مقولة “التاريخ يكتبه المنتصرون” فكم نحن مهزومون يا إدوارد؟ أيضًا، كيف بالفلسطيني إذا ما كتب قصّة غيره، فنجا بذلك من براثن لوثة الإعلام والأقلام المأجورة التي أخذت بيد التاريخ من دائرة الحقيقة الضيِّقة، إلى مربع الزيف الواسع.
القضية الفلسطينة منذ “بازل” وحتى تصديق الأحمق “ترمب” على نقل “سفالته” إلى القدس التاريخية، أسالت الكثير من الحبر والدماء، ونحن اليوم بين يدي هذا الحبر المسكوب الذي رسم لنا حِقبة حسبناها أمست خارج الذاكرة.
الرِّوايَةُ، سيدة الأدب النثريّ، وهي أحدث أنواع القصّة وأكثرها تطوُّرًا وتغييرًا في الشكل والمضمون، تتشابك فيها الأحداث، ويتقاطع فيها الزمان والمكان، كما أنَّ شخصياتها تلتقي وتتصادم.. منها الواقعيّة التي ترتكز إلى كثير مِن الحقيقة، ومنها ما تقترفه مخيَّلة الكاتب مِن صور قادرة على صنع الإقناع. وما هذه الرِّواية إلا حقيقة واقعة قُدِّرَ لكاتبها أن يكون موثِّقًا لتفاصيلها المثيرة.
يعدُّ الرَّاوي مِن أهم العناصر الخاصّة ببناء الرواية، وقد أدرك عبد القادر هذه المزيَّة التي منحت الرِّواية أهميتها الأولى، فاقترابه مِن دائرة الشهود؛ جعلت الصورة تتحرك أمام القارئ، فبدا النصُّ بصريًا لا ورقيًا! وما مِن شكٍ أن التقاط الرَّاوي للقصّة يمثِّل عبقرية الهروب مِن فكرة الاجترار التي وَقَع في شَرَكها بعض الرُّواة، فالقصَّة هنا، وعلى الرَّغم مِن واقعيتها؛ إلا أنها تذهب بنا داخل دهليز مِنَ التاريخ المفضي إلى فكرة الضياع التي حملت المفردة الثانية من العنوان.
أشعل صادق عبد القادر الجواب الكبير داخل الرواية، بالضبط كما أشعل أبو الخيزران السؤال الكبير عند غسان كنفاني في روايته “رجال في الشمس… لماذا لم يدقُّوا جدران الخزَّان؟”
– أنا فهمت يا درويش، نعم فهمت!
هذا بعد أن أدرك عبد الحميد سؤال البحث عن الجرَّة، وما الكنز في داخلها إلا لفافة من ورق اسمها “الكواشين”…!
وما الذي يحتاج إليه الفلسطيني غيرهذه الوثيقة التي تمنحه صفة المالك حتى لو أطرقت عن حقه الأنظمة التي أشرعت الباب للغاصب، ثمَّ أقفلته في وجه اللفافة التي تبقينا على قيد الأرض والعودة.
وإذا أردت الإبحار أكثر في ماء هذه الرواية، فالعتبة عند صادق “قبل ضياع الجنة” حملت أسباب الضياع لشيء تجاوز الواقعية؛ فمفردة الجنَّة وبالعودة إلى معجم اللغة، تلتقي مع كل ما يسكن الغيب، فالجنُّ كائن لا نراه، والمَجنَّة؛ الموضعُ يُستَتر فيه وهي المَقبرة التي تواري الموتى فلا نعود نراهم، وكذلك الجَنَّة التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر… هذه المفردة “جنَّة” تناص يليق بفكرة الأمنيات، فالفلسطيني الذي يحيا على أرض فلسطين، يرى بأن فلسطين هي الجنة التي يعيش فيها، لكنه يبقى عاجزًا عن وصفها… ويكأنه لم يرها من قبل!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى