المفرزة التي لاحقت المشاهير (6)

من حقيبة مذكرات الكاتبة وفاء كمال الخشن | لبنان

مضيت في اليوم التالي لأعطي ” سلافة ” الدرس رفعتُ يدي المرتعشة وقرعتُ الجرس. سمعتُ وقع خطوات وئيدة تتوجه صوب الباب. أخذ قلبي يدق بعنف.لأنني توقعت أن الماغوط سيفتح الباب بنفسه, وليس ” سلافة  ” أو شقيقتها الكبرى ” شام “.

شعرتُ أنني لن أتمكن من كسر الزمن مابين تلك الخطوات وبين قبضة الباب. لكن شابة سمينة في مقتبل العمر قطعت عليَّ ذلك الإحساس حين فتحت الباب. كانت ترتدي ثوباً منزلياً خالياً من الأناقة.. ولم تكن جميلة. أو أنني حاولتُ أن أُقنع نفسي بذلك.

لا أدري لمَ كنت اقوم بتشريحها بنظراتي.؟! أنقِّبُ عن عيب ما فيها , قبل أن أعرف من هي ..قالت : تفضلي ثم صاحت لسلافة . سحبتُ الكرسي بغضب (لاأعرف سببه) . وجلست خلف الطاولة التي كانت كتب سلافة مبعثرة فوقها بفوضوية عارمة. نادت الشابة لسلافة التي حضرت مهرولة, تحمل بيديها مجموعة لوحات.

حيتني وقالت: (شوفي رسماتي حلوين يا مس وفاء؟) . انعقد لساني من الدهشة فقد كانت لوحات فنانة محترفة, لالوحات طالبة متهاملة في الإعدادية ..كان فيها نفحات سلفادورية وشيء من روح الفنان ” فلاديميير كوش “. سألت ” سلافة “: هل تعرفين المدْرَسة السريالية في الرسم؟ قالت: لا, لكن بابا يقول أن لوحاتي سريالية.

قلت: إذاً دعيه يوفر لك معرضاً لعرض لوحاتك.(وذهني مازال بعيداً هناك عند الفتاة).ثم سحبتُّ الكرسي لنبدأ الدرس . فقالت: (والله موطايقة لا الفيزياء ولا الكيمياء. منشان الله قولي لبابا إني أخذت الدرس ولاتعطيني ياه).

 قلت: هل هو في المنزل ؟ قالت: لا.. ذهب لإجراء تخطيط للقلب بطلب من الطبيب.. شعرت بألم يعتصر قلبي. ورغبة مجهولة بالبكاء.. قررتُ المغادرة وقلت لسلافة سأذهب الآن, وقد أعود غدا, ما دمتِ لا ترغبين اليوم بالدراسة وفي الحقيقة كنت أنا التي لا أرغب بالتدريس.

مضيتُ والأفكار السوداء تتلاطم برأسي.. وإيقاع أحاديث “الماغوط ” التي لم أرتوِ منها بعد يتردد صداها في أذني كتراتيل سماءٍ قدسية.

يتبع….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى