دراما رمضان على الميزان
عبد الله جمعة | شاعر وناقد مصري يقيم في الإسكندرية
لا شك أن المتابعين لدراما هذا العام قد انقسموا قسمين: (الأول) و هو الغالب الأعم مَنْ بدأ ينظر لهذه الدراما من نافذته الوجدانية البحتة أو ربما من نافذة انبهاره بالبطل الذي يتلبس الشخصية سواءً أكان شخصية أنثوية أو ذكورية ، و لكن هذا النوع ينبهر بالمشهد التمثيلي آنيًّا إلا أنه بعد انتهاء العمل يخرج بلا شيء بل و ينسى ما شاهده بمجرد انقضاء عرضه و لا يتأثر سلوكيًّا نحو الأفضل المأمول من وراء العمل ذلك إذا كان هذا العمل يتسم بالضعف و التصدع .
وأما (الثاني) و هو الندرة النادرة أولئك الذين يتابعون عن وعي بتقنية البناء الدرامي و هؤلاء هم الذين يتعذبون كلما أحسوا بتصدع ما داخل النسيج الفني لهذا العمل .
إن العمل الدرامي التمثيلي يقوم على عناصر فنية كثيرة تتضافر جميعاً لتقيم العمل و تأخذه إلى مراتب النجاح و بلوغ المأمول منه ؛ فالأصل في العمل الدرامي أنه يسعى في النهاية إلى توجيه سلوك المتلقي لتوجه ما و يتم هذا التعديل من خلال خطة شاملة محبوكة بمنتهى الحرفية لتحمله على الخروج من المتابعة أو المشاهدة و قد تغيرت نظرته نحو بعض قضايا الحياة أو المجتمع تُمَرَّرُ له من داخل ممرات المتعة و الدهشة التي تحدثها المشاهد الدرامية المقصودة بترتيبها و موجات التشويق و الإثارة سواءً أكانت حركية أم نفسية أم ذهنية .
و للفيلم الدرامي سواءً أكان سينمائيًّا أو في هيئة فيديو منزلي متقطع في صورة حلقات و هو ما نطلق عليه (المسلسل التليفزيوني) مكونات فنية كثيرة إذا اختل أحدها أحدث تصدعًا و أفقده القدرة على تحقيق هدفه …
إن أكثر الأمم احترافًا في هذا المجال الأمريكان نظرًا لتقدمهم الباهر في صناعة الصورة المرئية و أغلب أعمالها السينمائية أو التليفزيونية مخطط لها لتحقيق أهداف سلوكية متعمدة تحققها لدى جمهور التلقي.
و العمل الدرمي يمر بثلاث مراحل رئيسة:
* الأولى مرحلة السيناريو :
و يطلق عليها في المصطلح السينمائي “مرحلة الكتابة البصرية” ؛ إذ يضع السيناريست أمام عينيه أثناء الكتابة المتلقي الذي هو المتفرج المشاهِد و لذلك وجب أن يكون السيناريست على علم تام بطبيعة الكتابة البصرية و كيف يتم التصوير السينمائي .
* الثانية مرحلة التصوير :
و في هذه المرحلة ينتقل العمل الدرامي التمثيلي من حيز الإمكان إلى حيز الإنجاز .
و عناصر هذه المرحلة :
– المخرج .
– المنتج .
– الممثل .
– البنية الفنية للفيلم .
– الحوار .
– الحدث .
– الديكور .
– الفضاء و الزمن .
– الحركة و الإنارة .
– المشهد و اللقطة .
– وجهة نظر المخرج .
– الموسيقى التصويرية .
– الجينيريك : و هو الذي يقوم بتتبع أحداث الفيلم من حيث سرعتها و قيمها و اختلافها سلبًا و إيجابًا و في هذه المرحلة يتم البحث في دفع الرتابة عن التصوير و السرد .
– التقنيون : المصورون و مهندسو الصوت و الصورة و الحركة و الإنارة و الأزياء و الماكياج و الأكسسوار .
* الثالثة مرحلة المونتاج
و فيها يقوم المونتير بتنظيم المشاهد التي قام بترقيمها “الكلاكيت” بحسب تسلسلها المنطقي و المونتاج أنواع منها :
١- تعاقبي : الذي يقوم بترتيب الأحداث ترتيبًا منطقيًّا .
٢- دائري : الذي يقوم بربط الأحداث من حيث البداية و الوسط و النهاية .
٣- حلزوني : الذي يخلخل الأحداث خلال ترتيبها معتمدًا على أسلوبي الاستباق و الاسترجاع .
و يتوازى مع المونتاج “الميكساج” و هو الذي يقوم بتنظيم الصوت و تحديد طبيعة الموسيقى التصويرية و توزيعها بحسب تسلسل الأحداث و تنوعها الدرامي و يحدث كل هذا تحت نظر كل من المخرج و المونتير .
إن كل مرحلة من المراحل الثلاثة لها أسس تنظمها ليخرج العمل الدرامي متكاملا يحقق المرجو منه فيؤثر في سلوك المتلقي مثمرًا ما تم التخطيط له قبل الشروع في أي عمل درامي .
لذلك نستطيع أن نقول مطمئنين إن عالم السينما له علوم تنظمه و ليس عملا عشوائيًّا كما نشاهد في أغلب أنواع الدراما التي نشاهدها في رمضان .
****
* ملحوظة هامة جدًّا: كل هذه العناصر تدخل في تقنية بناء القصيدة عند الشاعر الذي يمتلك صناعة شعرية متقنة .