شَيءٌ منَ الوَفاءِ لِكِنانةُ الله

فايز حميدي | شاعر فلسطيني مغترب


-١-
يَا شَامةُ الدُّنيَا^
يَا شُعاعَ الحُبَّ والماءِ والقَمحِ وَالغَبطةِ
والوفاءَ الذي يَعلُّو لِذروَتهِ
يَا غابةَ الظِّل الوَارفِ مُكحلةٌ بِالسحرِ
حَدائقَ اليَاسمينِ والجُوري تَنهلُ
من أريجكِ عِطرَها ..
يَا ورعَ البُسطاءَ الطَيبينِ
وَمقام شَيخ العَارفين ابن عَربي
صَباحكِ يا دِمشقُ من صَباحِ الفُلَّ أَحلَى

يَا شَامةَ الدُّنيا !!
في سُباتِ الضَميرِ والعَماءُ العَميمِ
والحُزنُ والشَكوى
إعصَار الأسئلةِ وَهيجانِ المَعنى ؟
الجُدران والأَزقةُ والسَّماءُ والطُرقات
التَائهةُ تَنضحُ بالأسئلةِ !
أسئلةُ الجِراحِ التي لا تَنتهي في ليلِ الدُّجى
والفَضاء القَتيلا
يَا ابنةَ التَّاريخ أمويّةُ الهَوى
يَخطُفني الحَنين إليكِ
وفي مُقلتيكِ ضَباب الأَملِ …

-٢-
حَملتكِ النَوارسُ في حَناجرِها الدَّافئةُ
ذاتَ يَومٍ وَباحتْ بكِ
كَما تَبوحُ المَرايَّا بأسرَارِها
والزهورُ بأريجِها
عَلميني يَا شَامةَ الدُّنيا
كيفَ أكنِسُ وجعَ جُرحي
وَأُضاحِكهُ رغمَ الأشْجانِ
هَل أضَاعت خُطانا الطَريق ؟
ذَاويةٌ هيَّ أوصَال الليلِ !!
لَستِ غُصنٌ مُنكَسرٌ !!
وَلا وريقاتٌ جافةٌ تتَهاوى معَ الريحِ
كُوني شَهقة المَطرِ
ولكِ العَقلُ الفَعالُ جَناحٌ
سَيفيئُ الفَجرُ مَهما تَولّى
يَا شَامُ خُذي قَلبي سِياجاً لأصيصِ يَاسمينُكِ …
آهٍ ، يَا أزمنةُ الخَريفِ الكَئيبِ والعَار !

رَغمَ صَمتُ البَوحِ وَحبرُ الصَمتِ وَصرخَاتُ المَخذولِ
لا تَلوي سَاريَتُكِ لِمزاج الرِّيح
ولا تَفرينَ من المَجهولِ إلى المَجهولِ
ولا تَدَعي الظَلامُ يَتلصصُ إلى أجفانُكِ !
عبِّئي رؤاكِ بِرائحةِ النُّورِ
كَمْ من سِهامٍ فَاضتْ بدمِ قَلبُكِ
يَا ابنةُ تسعةَ آلافِ عامٍ وعَام
كلُّ شَيءٍ لِدى البَاغيَّ مُباح
سُوى قَولُ الحَقِ عَلنا
وَللقلبِ لهفتهُ لِرؤيةِ الحَقيقةَ حُرَّا
أيُّ ظُلمٍ في مَآقي الوَرى !!!

-٣-
يَا شَامةُ الدُّنيا
يُزهرُ البنفسجُ
وَتخرجُ الأزهارُ من أكمَامِها
وَيأخذُني الطَريقُ إليكِ
فَتحضُنني بَاقةُ أسمَاؤك :
ارمُ ذاتَ العِماد
بيتُ رَامونَ
ونُورَامُ
والدَّار المَسقيةَ
وَتِيمَاشكي
وَكنانةُ اللهِ
وَدرةُ الشَّرق
وَجلق والفَيحاء

أتَبحرُّ في ثَنايا حَكايَّا التَّاريخ
أستنطقُ أطلاَلكِ الخَالدةُ بفرحةٍ رَاعشة
أتحرَّى أغْوارَ مَاضيكِ المُضمَرُ
وَأُناجيَّ أُمنياتُكِ المُغيبةُ
وَموَاويلكِ المُتناسِلة
أليسَ القَديمُ يَمكثُ في الجَديدِ ؟!

-٤-
يَا ذَاكرة تل الرَّماد^
المُوشاةُ برحيقِ الخُلود
تَنحني كَهاماتِ السَنابِلِ حُباً يَا دِمشقُ
كمْ أبحرتِ في يمٍّ لا شَطَ لهُ
كَقطرةِ ماءٍ جَرحتْ جَسدَ الصَمتِ
وَعانقتْ يَنبوعَها وَارتدتْ ضِحكَتُها
وَارتحلتْ مُوغلةٌ في ثَنايا الشِّعابِ

بَحرُ الحَياةِ يَا شَاميَّ الحَزين لا سُكونَ لهُ
وكمْ تَباينَ فيهِ أوَارُ التنافِرُّ
يَغفو وَيَصحو بينَ مِيلادٍ وانطِفاءُ
فَجرُ وَغروبٌ
حَقيقةٌ وَخيالٌ
مُنافحاً أُنقِبُ في زَوايا الأزمنةِ
عن اخضرَارِ الحُلُمِ وَضحكتُكِ الذَّابلة

^^^^^^^
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الموحدة )..

^يقصد بشامة الدنيا روح مدينة دمشق الأبية المُحِبةُ وعبير تاريخها ..
^تل الرماد : يقع جنوب غرب دمشق ، وتعود الآثار المكتشفة فيه إلى الألف السابع قبل الميلاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى