قدّرْ ذاتك ليصغر الكون في نظرك

رحاب يوسف | قاصة وكاتبة تربوية | فلسطين – طولكرم

أهم مكوّنٍ من مكونات الذات هو تقدير الذات، وأن تعطي لنفسك قيمتها دون شروط، تقدير الذات يختلف فيه الصغير عن الكبير، الطفل مثل الأعمى يريد من يصف له الأشياء، ويدله على الطريق، ينتظر منا تقييمه، فإن قلت له: “يا غبي!َ” فإنك تصف له قيمته، وإن سمع دائما الثناء جعله ذلك يقاوم الانثناء، فلا تحدث مشاكل لشخصيته.
نحن الكبار نربط قيمتنا بممتلكاتنا، وقمّة الإشكال شعورك بالافتخار أو الاحتقار لماديات سخيفة، فعندما قال يوسف – عليه السلام – لعزيز مصر: ”اجعلني على خزائن الأرض” (يوسف 55)، كيف يطلب منه ذلك وهو مَن أخرجه من السجن؟ لأنه عرّفه بقدراته “إني حفيظ عليم“ (يوسف 55)، لم يقل إني نبي ابن نبي ابن نبي!
القرابة لا قيمة لها في الآخرة ولا موازين، هذا أبو لهب – عم النبي – في النار، وابن النبيّ نوح – أكبر داعية في التاريخ – في النار، وزوجة لوط – عليه السلام – في النار، والد إبراهيم في النار، بل إن أقاربك هم أول من تهرب منهم يوم القيامة، هناك من يعتقد قيمته في ممتلكاته، وهذا انحطاط للذات، قيمتك بما تقدمه لمجتمعك ودينك، جاؤوا مرة إلى أحد القرّاء، فوجدوا فروته الناعمة من الداخل، والجلد الخشن من الخارج – أي قلب معطفه – سألوه لمَ تفعل ذلك؟ قال: ما أنا بأحمق، لكن ألبس ما يريحني لا ما يريح الآخرين.

عندما يكون لديك تقدير الذات عاليا ستترفع عن الرد السيء حتى لا تُجر وتنزلق إلى القاع والوحل، فلا تغضب من كل كلمةٍ فيها شتمٌ، “جاء رجل إلى أحدهم وشتمه ولم يرد عليه، قيل له: لمَ لا ترد عليه؟ قال: يا هذا ، إذا عضّك حمارٌ أتعضّه؟”، “وجاء رجل إلى أبي بكر، وقال: لأسبنّك سبّاً يدخل معك في قبرك، قال: بل يدخل معك أنت!” وفي قصة أخرى “كانت أم جميل – زوجة أبي لهب – تلاعب طفلها بأرجوزة شتمٍ لسيدي الرسول – صلى الله عليه وسلم – والرسول اسمه محمد وهي تقول: (مذمم هجونا ودينه قلونا وربه صبونا!)
فسمعها الصحابة، وغضبوا غضباً شديدا، فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم – : دعوها، انظروا كيف يصرف الله عني سبّهم، يسبون شخصا اسمه مذمّم وانا اسمي محمد!” فسماحك وانسحابك قوة وليس ضعفا، والرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: “خيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
حصل ذات يوم خلافٌ بين محمد بن الحنفية – أمه فاطمة الحنفيّة – والحسن – أمه فاطمة الزهراء – وكلاهما زوجاتٌ لعلي – كرم الله وجهه- فاختصما وتفرقا، محمد من جهة، والحسن من جهة، فكتب محمد كتابا يقول فيه: “من محمد بن الحنفيّة إلى الحسن بن فاطمة، إذا وصلك كتابي تعال وسلّم عليّ” ولأن الحسن تربّى في مدرسة محمد – صلى الله عليه وسلم – أغلق الكتاب وذهب إلى سلام أخيه، وقال له: لمَ طلبت مني أن آتي؟ قال: لأن جدك يقول: “خيرهما الذي يبدأ بالسلام”، ولأنك أنت أفضل مني، طلبت منك ذلك.
هذه النفوس العظيمة التي قال عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم -: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، أصحاب مروءة وشهامة ونخوة.
أما اليوم من يريد أن يقدّره الناس يعرّفهم بنفسه، أنا فلان ابن فلان ابن فلان، انظروا إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – جاء إليه رجل وهو ينتفض، قال له الرسول: “هوّن عليك، فلستُ بمَلك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد”.
هاجر النبي من مكة إلى المدينة، وكان معه أبو بكر، فلم يُفرّق الناس بينهما، إلا عندما أظلّ أحدهما الآخر،عرفوا المُستظَل أنه الرسول – صلى الله عليه وسلم، ويأتي أعرابي في يوم إلى مجلس الرسول – صلى الله عليه وسلم – ويقول: أيكم محمد؛ لأنه مجلس يخلو من الفروقات، وشخصية الرسول قوية لا يحتاج إلى شيء يرفعه ويميزه.
فلا تتجمل بمنصب عالٍ، أوسيارة فاخرة وبناء ضخم؛ من أجل أن تشعر بقيمتك.
لقد وصلنا الى مرحلة نجد من يشتري شهادة الدكتوراه، حتى ننادي عليه دكتور، والسبب أنّ تقدير الذات لديه منخفض، تذكر أنك كبير بالله، ثم بأخلاقك، واستشعر عظمة الله دائما؛ ليصغر الكون في نظرك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى