مناقشة رواية” زرعين ” لـ”صافي صافي ” في اليوم السابع

القدس|من ديمة جمعة السمان

ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة المقدسيّة عبر تقنيّة زوم رواية “زرعين” للأديب الفلسطينيّ الدّكتور صافي صافي، وتقع الرّواية التي صدرت عام 2021 عن مكتبة الشروق في رام الله في 156 صفحة من الحجم المتوسّط. من الجدير بالذّكر أنّ الدكتور صافي صافي أستاذ لفيزياء في جامعة بير زيت الفلسطينيّة روائيّ معروف، صدرت له في ثلاثة العقود الأخيرة عشر روايات هي: الحاج إسماعيل، الحلم المسروق، الصعود ثانية، اليسيرة، الكوربة، شهاب، سما ساما سامية، الباطن، وتايه.

 افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

من يقرأ للروائي الدكتور صافي صافي لا يحتاج إلى ذكاء ليعرف أننا أمام أديب واقعي عميق ودقيق، يجمع بين الطرح العلمي والفلسفي، يتناول التفاصيل التي تجيب عن كل تساؤل يخطر ببال القارىء دون حاجة لطرح أيّ سؤال، فهو من يطرح الأسئلة المتتالية من خلال حوار بين الشخوص، ليشرك القارىء في البحث عن الإجابة التي قد تكون الأكثر إقناعا. ولا عجب إذ أن الكاتب محاضر في جامعة بيرزيت تخصص في علم الفيزياء. وهذا العلم هو عبارة عن قوانين يتم ضبطها وإسقاطها على تجربة واقعية للتأكد من صحتها. وبالتالي تسلسل أفكاره في رواياته يتخذ ذات التسلسل. صدر للدكتور صافي عشر روايات، كان أولها إسماعيل، وهو اسم أبيه، كتبها عام 1990، وقد كان والده مريض في تلك الفترة. أمّا الرواية العاشرة فهي زرعين، وتطرح قضية وجع النكبة واللجوء وحلم العودة… قرية “زرعين” قضاء جنين، من أجمل قرى فلسطين، هدمها الصهاينة وهجروا أهلها عام 1948، وعلى أنقاضها أقيمت مستعمرة سميت بِ “يزراعيل”، ومعناها المرج الواسع… اصطحبنا صافي صافي في مسار جميل في الوطن فلسطين، مع عدد من الأصدقاء الذين شكلوا شخوص الرواية، إذ كان لكل واحد منهم هدفا أراد تحقيقه من خلال هذا المسار. تعرّفنا على جمال الذي كان يوثق بكاميرته جمال الطبيعة، ومحمود الشبلي (أبو ماهر)، الذي أتى برماد جثة والده من عمان، ليدفنه في مسقط رأسه زرعين كما أوصى قبل أن يتوفاه الله.  وقد كان القبر الثالث بعد اليونان، ثم عمان، ثم مسقط رأسه في فلسطين. وتعرفنا على أبي نهاد ابن الخمسة وسبعون عاما من عمواس. والراوي الذي أراد أن يلتقط بعض الصور في قرية بيسان لمنزل عائلة زميلته وحبيبته القديمة قبل أربعين عاما، حيث كانت قد طلبت منه ذلك… ابتدأ المسار من بيت حنينا إلى عمواس، المغيرة، زرعين، عين جالوت، ثم جبال فقوعة إلى بيسان…. كان مسارا خطرا، خاصة أن الجوّ كان غائما، وبقايا أمطار في شهر شباط، زادت الطين بلة، فتعرضوا لخطر الإنزلاق، وتأذت رِجل الراوي اليمنى بعد أن التوت رجله تحته فسقط على الأرض. كما شعر أبو نهاد بالخوف الشديد، وكذلك جمال، الذي بادر واستدعى الشّرطة الإسرائيلية لانقاذهم… ابتدأ الكاتب بهذه الجزئية التي رفضها كل من شارك في المسار، وتعرض للوم الشديد من قبل المجموعة، فحاول أن يبرر فعلته أنها لصالحهم. ولكن، هل يُداوى الوجع بالوجع! الصهاينة سبب كل وجع وبلاء لأهل أرض فلسطين، فهل من المنطق الإستعانة بهم. خاصة وأن أهداف المسار لا تروق للاحتلال وقد تعرضهم للمساءلة القانونية… وقد أثار مسارهم شبهات الشرطة، وعرّضهم للتحقيق، إذ أن المسار غير مرخص، فأرادت الشرطة معرفة القائد ومن دعا لهذه الرحلة. وقد نجوا من أسئلة الشّرطة بأعجوبة، وعادوا من حيث أتوا، دون أن يحقق الراوي مأربه من المسار، فقد خذلته رجله التي تضررت من السقوط. ولكنه صوّر بكاميرته فيديو لقرية بيسان من خلال نافذة الحافلة، وأرسله لحبيبته حنان عبر موقع فيسبوك، فكان جوابها: (لم أجد بيسان في الفيديو). وهذه الجملة تحمل معنى عميقا جدا. الذاكرة ترتبط بالمكان الذي يعني لك ولمن تحب شيئا يذكرك بالماضي.. ينبش ذاكرتك فيعيد الماضي في مخيلتك تعيشها بلحظاتها الحلوة والمرة. فلا تكفي الصور الصمّاء… كما بثّ الكاتب عدة رسائل تحمل أمل العودة، وتؤكد على أن المغتصب ليس أكثر من زائر مؤقت مصيره الرحيل لتعود الأرض إلى أهلها… كان الراوي يوثّق المكان من خلال الصور التي كان يلتقطها، فتحمل معاني عميقة، يوثقها وينشرها، يذكّر بأهميّة عودتها إلى أصحابها… وقد لفت نظري سؤال عميق طرحه الكاتب وأجاب عليه: ما هو تبريرك لهذه الأماكن الكثيرة التي وردت في كتابهم التوراة؟ الجواب: “التبرير واضح، أنهم كانوا عشائر متنقلة، بدو الصحراء والجبال والسهول، تنقلوا كثيرا من منطقة إلى أخرى. أمّا كل مكان ذكروه فيعني أنه كان موجودا قبلهم، فهم لم يبنوا مدينة واحدة”. وبلغته البسيطة غير المعقدة، طرح الكاتب في الرواية عدة أسئلة وجودية وفلسفية دعت القارىء للتفكير، عرفتنا على معالم بلاد فلسطين الجميلة وتضاريسها، كما عرفنا على  النباتات المختلفة التي تحمل أسماء متعددة، والطيور المتنوعة، والطبيعة الخلابة، حيث وصفها بالجنّة. فهذه هي فلسطين: جنّتنا على الأرض. رواية تعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية.

وكتبت د.روز اليوسف شعبان:

وزرعين كلمة سريانية بمعنى (فلاحون ومزارعون) . وتقع إلى الشمال من مدينة جنين، وتبعد عنها 11كم . قُدّر عدد سكانها في عام 1922 (722) نسمة وعام 1945 حوالي (1420) نسمة . قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 1948م (1464) نسمة . وكان ذلك في 28-5-1948 ، وعلى أنقاضها أقام الصهاينة مستعمرة (يزراعيل) عام 1948. ويبلغ مجموع اللاجئين من هذه القرية في عام 1998 حوالي (10116) نسمة.( المصدر: ويكبيديا).. تتحدّث الرواية عن مجموعة من الأصدقاء والمعارف يقرّرون القيام برحلة في الطبيعة في منطقة زرعين وما حولها، تبدأ الرحلة من بيت حنينا، قرية عمواس المهجّرة، الخضيرة، زرعين المهجّرة، عين جالوت، جبال فقوعة وبيسان.. الكاتب هو أحد أعضاء المجموعة التي تسافر في الوطن، لتتعرّف على البلاد، معالمها، جمالها، تاريخها، نباتاتها، أشجارها وما الى ذلك. ينظّم الرحلة الحاج ابراهيم ومعه عدّة مساعدين، منهم الأستاذ جمال، الذي يقرأ لهم معلومات عن كل منطقة يصلون اليها، مستعملا بذلك الشبكة العنكبوتية، كما يقوم بتوثيق مسار الرحلة والتقاط الصور بكاميرته وببلفونه… من بين شخصيّات الرحلة: أبو ماهر وهو قادم جديد الى فلسطين من الأردنّ، نقل رفات والده ودفنه في البلاد في قرية زرعين مسقط رأسه، وذلك بعد أن اضطر لحرق جثّة والده ونقل الرماد في قنينة ووضعها في حقيبته… ويحدث أن يضلّ عن المجموعة: الكاتب وجمال وأبو ماهر وأبو نهاد، فيجدون أنفسهم على أعلى تلّة وقد غابت الشمس وبالكاد يرون أنفسهم، فاضطر جمال الى الاتصال بالشرطة لإنقاذهم. هذا الأمر أثار غضب المجموعة على جمال وخاصة الحاج ابراهيم، فهو لا يريد تواجد الشرطة الاسرائيلية خوفا من التحقيق مع أفراد المجموعة، كذلك الكاتب غضب من جمال ورفض الركوب في سيارة الشرطة، رغم الآلام الحادة في رجله بعد سقوطه عليها. ونتيجة لذلك لا يتمكّن الكاتب من زيارة مدينة بيسان التي أوصته صديقته حنان بزيارتها والدخول الى بيت جدّها الذي استشهد على مدخل البيت عام 1948، وتصوير صورة عائلتها التي كانت معلّقة على الحائط، وإن لم يجد الصورة فقد طلبت منه تصوير ظلال الصورة، فهي الشاهد على ملكيتهم للبيت، ولوطنهم بيسان بعد أن هجّروا منه، واستقر بهم المطاف في دول الخليج. فهي ترى ظلّها في ظلّ الصورة، وستورثها لأحفادها فالعيش مع الظلال أفضل من دونه(ص 100)… كما توجّه حنان انتقادا للمنظمة التي تهتم بإعادة أريحا ومدن الضفة، أمّا بيسان فيريدونها ذكرى، وهل رام الله والقدس أهم من بيسان؟(ص 98)…. يثير الكاتب في هذه الرحلة عدة مواضيع وأسئلة تتعلق بالوجود وبالإنسان وكينونته في هذه الحياة… من الأسئلة مثلا: لماذا نعيش اذا كانت نهايتنا الموت؟.. لماذا نسعى في مناكبها ونحن نعرف مآلنا، ربما في علبة زجاجيّة أو بلاستيكيّة كما أبو محمود؟ (ص 38). لِمَ تمنع الدولة عودتنا إلى أراضي أجدادنا حنى ونحن موتى؟(ص 38). هل نعيش بكرامة ونحن خارج وطننا؟( ص 39).. وعندما تمّ دفن رماد أبو محمود تساءل الكاتب إذا كان ملاك الموت سيأتي مرة أخرى ليسأل أبو محمود علما أنها المرة الثالثة التي يدفن فيها. أتساءل: لماذا لا نُسأل ونحن في الدنيا؟ فضميرنا يتدخّل عند كل جملة نقولها. وعند كل سلوك. ليس معقولا أن تتجمع الأسئلة في القبر وليس يوم القيامة؟(ص 77). هذه أسئلة مهمّة تثار ولا يملك أحد الاجابة عنها. مع ذلك يثيرها الكاتب ربما رغبة في إثارة التفكير لدى القارئ. وهناك أسئلة تتعلّق بالقرى المهجّرة أو على الأصح بما بقي منها:” ما زلت غير قادر على فهم الإبقاء على بقايا القرى المدمّرة، كان باستطاعتهم إزالتها كما فعلوا في الكثير من القرى هل نسوها؟ لا أعتقد. لماذا جعلوها مزارا لأهاليها الأصليين؟ يقفون بجانبها ويتصوّرون، ويحددون جغرافيتها من خلالها، ويبكون ويضحكون ويرقصون ويغنّون للعودة إليها، لماذا أبقوا عليها؟ هل ودّوا أن نظلّ نبكي ونحزن”؟(ص 31).. عندما وصل أحد أفراد الطاقم (سلامين) الى المجموعة التي ضاعت على التلّة وخافت الهبوط منه كي لا يسقط أحد في المنحدر، فكّر الكاتب في الهبوط من التلة مع السلامين، لكن جمال قال له نحن ننتظر الشرطة التي طلبت منا عدم مغادرة المكان، ثم تساءل الكاتب في هذه الأثناء أسئلة مثيرة: كيف استطاع السلامين الوصول إلينا؟ لماذا لم نفعل مثله؟ كان الأمر بسيطا ولا نراه.. لم نفكر به أبدا، كنا لا نرى سوى الانحدارات الصعبة في كل جانب(ص 145). كان الأمر بسيطا، كان يكفي أن نعود إلى الوراء بضع خطوات، أن نسلك الطريق التي مشيناها حيث وصلنا، وننحدر رويدا رويدا في قاع الواد، ونعود إلى المجموعة الكبيرة. لماذا لم نفكر هكذا؟(ص 146). هل أراد الكاتب أن يشير الى أن الحلول لمشاكلنا تكون أحيانا قريبة منا لكنّنا لا نراها؟ أو ربما أراد الكاتب أن يشير الى المأزق الفلسطيني، وهو يشبه الى حد ما المأزق الذي وقع به الأصدقاء الأربعة حين وجدوا أنفسهم على التلّة، ولم يعرفوا ما هو الحلّ؟ وكان الحلّ الأسرع والأسهل هو اتصال جمال بالشرطة. فهل يمكن أن يكون الحلّ للقضية الفلسطينية أسهل مما نتخيّل؟ وهل يمكن أن يكون الحلّ قريبا وسهلا دون اللجوء الى قوات أمن خارجيّة مثلا؟ كما ورد في الرواية أسماء لطيور مثل الصقر وطيور العوسق التي تشبه الصقر فهل أراد الكاتب تشبيه جنود الاحتلال بطيور العوسق المفترسة؟.. رواية زرعين يكتنفها الغموض وتستوطنها الأسئلة الإنسانيّة والفكريّة والوجوديّة، كل ذلك من خلال رحلة جميلة يقوم بها مجموعة من محبي الوطن، في ربوع هذا الوطن الجميل، الذي تخيّم الظلال على بقايا بيوته المدمّرة فترتسم على الجدران تنتظر من يلتقط لها الصور ليخلدها في سجل بقايا الجدران والآثار والظلال التي لن ولم تنس صاحبها يومًا، فظلّت ظلّا تحكي للأجيال حكايتها ومأساتها.

 وقال جميل السلحوت:

رواية “زرعين” تعيدنا إلى روايات د. صافي السّابقة،” الحاج إسماعيل، الحلم المسروق، الصعود ثانية، اليسيرة، الكوربة، شهاب، سما ساما سامية، الباطن، وتايه”. فالقارئ لهذه الرّوايات لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء، ليعرف أنّ الكاتب لو لم يكن لاجئا وذاق مرارة اللجوء وعايشها -مع أنّه ولد بعد نكبة الشّعب الفلسطينيّ في العام 1948،- وشرّدت أسرته من ديارها وأراضيها لما استطاع كتابة هكذا روايات، فالعلم بالمأساة والإحاطة بتاريخها، ليست كمن عاشها وذاق مرارتها التي تركت في نفسه شروخا لا تندمل، وعلى رأي مثلنا الشّعبيّ” اللي بياكل العصي على جلده مش مثل اللي يعدّها أو يتفرّج عليها.” والدّكتور صافي أستاذ الفيزياء في جامعة بير زيت لم يقرأ عن النّكبة فقط، بل عاشها وعايشها وهو جنين في رحم والدته، وسمع روايتها الشّفويّة ممّن ارتسمت عذاباتها على أجسادهم. ورواية زرعين أيضا ليست استثناء. ففكرة كتابة الرّواية جاءت للكاتب بعد مشاركته مع مجموعة في مسار إحدى الرّحلات الدّاخليّة، حيث زاروا البلدات المهجّرة والمهدومة عين جالوت، وجبال فقوعة، وزرعين، في الأغوار الشّماليّة، فأبو ماهر أحد المشاركين في المسار أتى معه برفات أبيه من الأردنّ، ليدفنه في قبر جدّه في زرعين المهجّرة المهدومة، وهذه قضيّة تثير الأشجان والأحزان، فاللاجئون الفلسطينيّون يحلمون دائما بل ويوصون بأن تدفن جثامينهم بجوار آبائهم وأجدادهم الذين دفنوا في مقابر الدّيار التي شرّدوا منها. وعندما ضلّوا الطريق وضاعوا في سلسلة الجبال، التوت قدم أحدهم ويبدو أنّه الكاتب نفسه، فتحامل على أوجاعه، وحنان كانت تنظر مدينتها بيسان التي شرّدت منها، وتطمح بزيارة بيتهم اذي شُرّدت أسرتها منه؛ لتعيش في ظلال صورة أسرتها، وتبلغ التراجيديا الفلسطينيّة ذروتها عندما اتّصل جمال المقدسيّ بالشّرطة لتخرجهم من المكان الذي ضاعوا فيه، بينما عارض بعضهم الإتّصال بالشّرطة… الرّواية التي تطغى عليها العاطفة الصّادقة، وأسلوب الكاتب السّرديّ الإنسيابيّ المشوّق -رغم مرارة المضمون- قدّمت لنا جانبا من التراجيديا الفلسطينيّة المتواصلة، فتحيّة لكاتبها الأديب الإنسان د.صافي صافي. مع التّأكيد بأنّ هذه العجالة لا تغني عن قراءة الرّواية، ولا عن قراءة سابقاتها من روايات الأديب د.صافي صافي.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

ما زال الرّوائي الفلسطيني يتنفس ذاكرته الحزينة، وينبش أوراق النكبة والنكسة، وفي  رواية “زرعين”للأديب الدكتور صافي صافي التي جاءت بضمير الأنا وأشبه بأدب الرّحلات، نتنفس رئتي المكان والذاكرة بامتياز من خلال مسار الرّاوي في قرية زرعين المهجرة برفقة مجموعة من الأصدقاء، كما تبرز صورة الحنين من خلال علاقة حنان بالرّاوي التي تحثه على مواصلة البحث عن بيت عائلتها وجدّها في بيسان.. لقد أحسن الأديب في تصوير المكان من خلال الرّاوي، وفي شدّ حواسنا لمتابعة كلّ حركة للشخصيات ما بين الصعود والهبوط والانحدار والتزحلق، ووصف الصعوبات التي واجهتهم في المسار إلى أن استنجدوا بالشرطة، كان الوصف دقيقا، في قمّة التّلة على رأس التّلة، قمة الجبل،على طرف التّلة، وأيضا يستوقفنا الرّاوي في إبرازه للأعشاب والأزهار في الجبل وعلاقة الفلسطيني المتينة بها، ومعرفته بأسمائها، ويشدّ حواسنا نحو الطبيعة حيث الطيور والصقور والصخور، ولا يبرح الرّاوي في وصف المكان إذ ينتقل إلى وصف المقامات والتعريف بوصف قرية زرعين المهجرة، وتختفي ملامح جسد بيسان بين المدينة الحديثة.. وينتقل المكان من الثبات(الجبل) إلى المتنقل حيث الحافلة ووصف حركة الشخصيات، قعود وجلوس وصوت.. وأيضا كان المكان يتنقل في ذاكرة حنان التي تصف بيت جدّها والصورة المعلقة في بيسان، وفي الحوار الجاري بينها وبين الرّاوي، أرادت حنان أن تنقل المكان من خلال ظلال الصورة خارج بيسان حيث تسكن، لتنقلها إلى ذاكرة الأجيال القادمة، وتؤكد هويتها… جاءت شخصية حنان الفلسطينية التي تعيش في دول الخليج لتعبر عن صورة الفلسطيني الذي هجر أهله من بلاده، ويرفض النسيان وتقبل الواقع الظالم، لذا حنان ترمز إلى صمود الفلسطيني وحنينه وثباته في حق العودة،وإلى أنّ لا شيء يشبه العيش في الوطن، وإلى شغف رضاعة الأجيال المختلفة حليب الحنين من ثدي الوطن، فحنان كما يقول الرّاوي”حنان مريضة، هو نفس مرض أهلها، يعيشون على أحلام مدينتهم وظلالها”… ظهرت عدّة تساؤلات من خلال الحوار الذاتي للرّاوي وبين بعض الشخصيات كصراع حول من المسؤول عن الهزيمة والنكبة، وأسئلة حول الحلال والحرام في قضية حرق جثة المسلم  من أجل نقل الرفات للوطن، وتساؤلات حول بقاء بعض آثار القرى، والهدف منها، وقد شعرت بقشعريرة عند قراءتي خبر حرق الجثة ووضعها في وعاء بلاستيكي، وقد ظهر التبرير لذلك في الرّواية، إلاّ أنني أجد في ذلك إساءة لكرامة الإنسان عامة، وهنا يكون الجدل هل علينا تحقيق كل ما يوصى به من قبل المتوفى ونكسر كل الإشارات الممنوعة؟.. عندما أتممت قراءة الرواية وجدت نفسي في حالة خيبة لأن توقعاتي كانت أن يتوصل الرّاوي إلى بيت عائلة حنان فيصور لنا المكان، هي توقعات قارئة كانت مليئة بالشغف والحنين للمكان،ربما هو تعاطف القارئ أيضا مع حنان وحنينها لبيسان.وهنا أتساءل هل القارئ على موعد مع رواية قادمة في البحث عن بيت وذاكرة في بيسان؟.. لقد استخدم الكاتب تقنية التواصل الإجتماعي “الفيس بوك” من أجل التواصل مع حنان.. وأظهر الكاتب مدى تعلّق الفلسطيني بأرضه وتراثه وذلك من خلال الغناء في الحافلة “جفرا ويا هالربع”و”يا ظريف الطول”. كما وبيّن الوجع والقهر الذي يعانيه الفلسطيني من خلال سلب أرضه وتحويلها لحدائق ومتاحف.

وكتبت رائدة أبو الصوي:

رحلة محفوفة بالمخاطر، رحلة مصغرة للتغريبة الفلسطينية، رحلة لأطلال وظلال  وشخصيات وأحداث قدمها لنا الكاتب، نحن في الوطن وشعرنا بالحنين وإثارة المشاعر ما بالك بالمغتربين قسرا عن أرض الوطن؟ رواية ( زرعين) بالبداية يجذبك العنوان؛ لتبحث وتتقصى عن قرية زرعين المهجرة، زرعين القرية الكنعانية التي هزم المسلمون المغول على ساحتها في عين جالوت . زرعين القرية المتربعة على تلة مشرفة على السهول شرقا وغربا وتقع شمال مدينة جنين، زرعين كلمة سريانية معناها ( فلاحون ومزارعون).. صورة الغلاف مثيرة جدا تفوح منها رائحة العشب الأخضر وخيرات الطبيعة.. بداية الرواية فيها جمال، جمال على اختلاف وجهات النظر استطاع الكاتب أن يجذب القاريء بأسلوب سرديّ مشوّق جدا. في الرواية وصف دقيق جدا لأماكن وشخصيات.  وصف جمال الطبيعة في فلسطين التاريخية، ووصف الحياة والعلاقات الاجتماعية.. وتحدث عن التصوير بواسطة الطائرات الذكية التي تلتقط الصور من أخطر الأماكن بصورة بانورامية… 4 شخصيات رئيسية في الرواية  واختيار رقم 4 له ما ورائيات رمزية العدد. دون تحديد الصور والمواقف هناك العديد من المشاهد التي ربطتها بالواقع السياسي.. في رواية زرعين فضفضة وبوح استطاع الروائي من خلالها أن يسلط الضوء على زوايا كثيرة في القضية الفلسطينية بأسلوب ذكي جدا من خلال الشخصيات والمواقف التي نسجها من الواقع ومن الخيال… الحوار أنيق جدا والراوي إنسان يعي الأمور، فقد رفض الاستعانة بالآخرين للإنقاذ.. تذكرني بالمثل القائل “ما بحك جلدك غير ظفرك”… شرارة في قلب القصة فيها الكثير من التساؤلات. الروائي عملي  في التفكير وظهر ذلك في ص (93) عندما كتب “أعجب من الذين يقيمون علاقات عاطفية ويتحدثون طويلا ماذا يقولون”؟.. رمزية الطرح: الكاتب يفضل العمل والفعل على صف الحروف وللأسف الشديد ما نشاهده من علاقات قائمة أضاعت الحقوق، لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع واللبيب من الإشارة يفهم.. اختيار أسماء الشخصيات موفق جدا.. خصوصا اسم حنان ابنة قرية بيسان المهجرة . حنان التي تعيش في حالة حنين الى مدينة بيسان القديمة مثلها مثل جميع الفلسطينيين في الشتات.. اختيار السلامين للانقاذ ( السلام)، اختيار أبو ماهر الذي جاء برفات والده لدفنه في أرض الوطن ص( 37). استفسار الراوي حول عدم تلقين الشيخ للميت لتثبيته عند السؤال وتساءل حول ان تكون الإجابات حفظا.. السؤال المنطقي: هل ملكة الحفظ تبقى بعد الموت؟ طريقة نقل رفات الميت من رام الله عبر حاجز قلنديا . ترطيب الرفات بالماء والقول أنه من طين البحر، وصلاة الجنازة وشرح خطواتها، موقف بكيت عليه كثيرا.. نهاية الرواية مفتوحة بانتظار تحقيق حلم حنان بالوصول الى بيت أهلها في بيسان.. الكثيرون من أبناء الوطن كانوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم. ضاعت سنوات حياتهم وماتوا في الغربة. وورث أبناؤهم وأحفادهم المفاتيح . كان أكبر حلم لديهم أن يدفنوا في الوطن، أن تحتضنهم امهم الارض.. استطاع الروائي صافي الصافي ان يقدم عملا أدبيا مميزا جدا ينال إعجاب كل إنسان عانى من وجع التهجير القصري  عن أرض الوطن.

وكتبت رفيقة عثمان:

قبل أن أبدأ قراءتي هذه، لا بدّ وأن نتعرّف على كلمة زرعين وفق شرحها  في موسوعة ويكبيديا: “سمّيت هذه القرية بزرعين؛ نظرًا لاهتمام أهلها بالزّراعة قبل النكبة. “زرعين كلمة سريانيّة بمعنى ( فلّاحون ومزارعون) وتقع شماليجنين، وأقيمت على انقاضها مستعمرة (يزراعيل).”.. من الممكن تصنيف الرّواية، تحت مسمّى أدب الرّحلات، أو القصّة الواقعيّة والتذاريخيّة.. رحلة من القدس بيت حنينا إلى قرية زرعين، جمعت بعض الأصدقاء، ودارت الأحداث أثناء تجوال المجموعة في أنحاء بعض القرى المُدمّرة، والمُهجّرة في فلسطين، في زمن ليس ببعيد، في زمن حديث، ممكن الاستدلال على الزّمن بواسطة استخدام الهاتف النقّال، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أثناء الرّحلة…اختار الكاتب عددًا من الشخصيّات المحدودة، من مجموعة أشخاص من أصدقاء ومعارف من مدينة القدس، قاموا بزيارة قرية زرعين المُدمّرة، حرّك الكاتب هذه الشّخصيّات لسرد الأحداث، وإدارة الحوار، والصّراعات الخارجيّة والذاتيّة… قامت هذه المجموعة بزيارة لقرية زرعين، وبعض القرى الأخرى مثل: عين جالوت، وبيسان، وجبال فقّوعة، بالإضافة إلى قرية عمواس المُهجّرة والمُدمّرة، منذعام ألف وتسع مئة وسبعة وستّين؛ وكان السيّد أبو نهاد من سكّان هذه القرية، وقام بدور المُرشد للأماكن فيها. كذلك شخصيّة السيّد جمال انتحل شخصيّة المُصوّر للمناظر والآثار لمعالم القرى المُدمّرة. كذلك قام بدور شخصيّة أبي ماهر، القادم من الأردن، وهو من سكّان زرعين، والّذي قام بدور الفلسطيني الزّائر، وأعاد رفاة أبيه؛ لدفنها في الوطن بقرية زرعين… شغل الراوي دورا أساسيّا في سرد الرّواية كبطل صديق حنان ووعدها بتصوير بيت وقبر جدّها خليل الزّرعيني في بيسان وفقًا لطلبها، وتحدّث الرّاوي بضمير الأنا، دون التعريف عن نفسه أو اسمه، كما استخدم الكاتب الشّخصيات المذكورة أعلاه كرواة لسير الأحداث؛ باستخدام الحوار الجماعي، والحوار الذّاتي… نجح الكاتب في تصوير الصراع الدّاخلي للشّخصيّات، كما ظهر في شخصيّة أبي ماهر  من سكّان زرعين، وهو لاجئ في الأردن، عندما أحضر جثمان أبيه المحروق من إحدى الدّول الأوروبيّة، وفق وصيّته؛ لدفنه بقرب قبر جدّه في قرية زرعين. هذا الحدث خلق صراعا داخليّا في نفس أبي ماهر خلال فترة رحلته؛ وخاصّة عند عبوره الحواجز والمعابر الإسرائيليّة، وخوفه من مصادرة رماد جثمان أبيه. كما خلق صراعا خارطيّا بالحوار بين أفراد المجموعة، حول حرق الجثّة بالإسلام هل هو حلال أم حرام؟… تجلّى الصّراع الدّاخلي أيضا عند شخصيّة الرّاوي، عندما كان مشغول البال في البحث عن بيت صديقته حنان، وقبر جدّها في بيسان، وعن كيفيّة الوصول إلى ظلال بيت اهلها، وتصوير ظلال صورة عائلتها المعلّقة على جدار غرفة الضيوف… صوّر الكاتب الصراعات الخارجيّة بين أفراد الفريق، عندما علِقوا فوق التّلة، ولم يستدلّوا على طريق العودة في وقت متأخر من النّهار، حصل الصّراع عندما استدعى جمال الّذي نصّب نفسه قائدا للمجموعة؛ حيث رفض البعض  فكرة الاستنجاد بالشّرطة؛ باعتباره مخالفًا للإنتماء الفلسطيني واللّجوء للعدو… هذا الصّراع النفسي للإنسان الفلسطيني المُعتز بنفسه يرفض أن يحتاج إلى عدوّه، حتّى في أحلك الأوقات.. برز الصّراع أيضًا عندما رفض أبو نهاد أن يمسك بيد الشّرطي؛ ليساعده باجتياز الطريق الوعرة، وما دار في ذهنه من أفكار متضاربة… رفْض أعضاء المجموعة الدّخول إلى الأماكن الأثريّة، وعدم شراء تذاكر الدّخول لهذه المواقع، شكّل نوعا من الصّراع؛ كيف لفلسطيني صاحب هذه الأرض أن يدفع أجرة دخوله لأرضه التي أمتلكها؟ صار أعضاء الفريق يتلصّصون من بعيد؛ لمشاهدة المناظر الخلّابة والينابيع الجارية… ازداد الصّراع والأسى عندما سمع أعضاء الفريق، المرشدين المستوطنين وهم يشرحون عن تاريخ القرية على هواهم، وارتباطهم بالأرض، وما يلفّقونه من أكاذيب تاريخيّة حول ملكيّة الأرض… نجح الكاتب صافي في وصف مشاهد عديدة من قرية زرعين وضواحيها، وأن يصف أهلها، وزراعتها، وأبنيتها، بطريقة جميلة، تكاد تسمع خرير الينابيع الجارية في الحقول، وتخيّل الأعراس ويسرى البرمكيّة ترقص وتدق الطّبول بالاعراس… لم يغفل الكاتب عن ذكر ورصد النباتات البريّة الفلسطينيّة والعربيّة المُتعدّدة مثل: الشّجّاع، أو تفّاح المجانين، الزّعموط، الحنّون، وقرن الغزال، وورق اللّسان البصيل، شجرة الزّعرور؛ كما ورد صفحة 74. ذكر هذه النّباات الطبيّة، تدلّ على فلسطينيّة الأرض وتشهد على عروبتها… استخدم الكاتب تقنيّة الأسلوب الفنّي، في السرد الأدبي المبني على الحبكة، في تقنيّة الاسترجاع (Flash back )، حيث ابتدأ الرّواية بآخر حدث لها.. تمّ الانتقال بالأحداث من مكان لآخر دون ترتيب مكاني وزمني، كما بدأ الكاتب بالحديث عن قرية زرعين، ومن ثمّ انتقل إلى قرية عمواس، ثم عاد السرد حول قرية زرعين؛ ظهر التكرار في بعض الأحداث بنفس العبارات، ربّما حصل التباسًا في تكرار طباعة نفس النذصوص، بطريقة غير مقصودة؛ برأيي هذا التنقّل والتكرار سبّب تشويشًا لدى القارئ… وُصفت لغة الكاتب بلغة وصفيّة تقريريّة، وافتقارها إلى المصطلحات الأدبيّة والمُحسّنات البديعيّة البليغة… تخلّلت الرّواية بعض الأخطاء اللّغويّة والنحويّة والأخطاء المطبعيّة، كان من الممكن تفاديها بالتدقيق. برأيي؛ يتوجّب على الكاتب والناشر أن يتحمّلا مسؤوليّة هذا الخطأ… طغت على أحداث الرّواية عاطفة الحنين للوطن، وعاطفة الفقدان للمكان والزّمان، عاطفة الحزن والغضب والحسرة معًا. كما ظهر صفحة 98 عندما ذكرت حنين ” فكّرت أن اختطف طائرة وتهديدها بالهبوط في بيسان، أجابها الأب: دعنا نحمل مدينتنا معنا كما نفعل إلى أن يفرجها الله”. “بيسان نسمعها بالأغاني فقط، وفي أسماء لبعض النّباتات، إنّهم يريدونها ذكرى.. وهل رام الله والقدس أهم من بيسان؟”… عبّر الكاتب عن الشّعور بالغربة في الوطن العربي (لاجئ)، على الرّغم من هذا الشّعور يظل الشّعور بالحنين، والإنتماء بالهويّة الفلسطينيّة، ويظل الحب للوطن في قلوب الأجيال القادمة، على الرّغم من الابتعاد عنها… تخلّلت الرّواية بعض الأفكار الفلسفيّة، والجدل حول فلسفة الموت “هل السؤال يكون بالقبر أم بالآخرة؟” “إن رضينا عن أنفسنا بداخلنا، فالله معنا”… خلاصة القول: تعتبر رواية زرعين من الرّوايات التي تؤّرشِف الذّاكرة الفلسطينيّة، في وصف القرى   المُهجّرة والمُدمّرة منذ عام – 1948- 1967… تعتبر هذه الرّواية إضافة نوعيّة للارشيف الفلسطيني، وحفظ الذّاكرة الفلسطينيّة… أوصي باقتناء الرّواية في مكتبات المدارس العربيّة، وتوزيها بالمكتبات العربيّة في الوطن العربي؛ بعد تعديلها.

وكتبت فاطمة كيوان:

زرعين: هي قرية مهجرة من قرى فلسطين… صورة الغلاف جميلة جدا تأخذك لجمال الطبيعة فيها.. “في الحزن والفرح تغفو ذكرياتنا في درج عميق لكنها لا تموت أبدا” صورة واحدة توقظها من سباتها لتعود كما لو كانت اللحظة.. وهنا في رواية زرعين يحاول الكاتب الإطلالة على الماضي، ذكرياته وآثاره وقراءته بما فيها من شجن من خلال رحلة قامت بها مجموعة من محبي وعاشقي الوطن للقرى المهجرة، بما تتخلله الرحلة من تسلية مرح غناء ومعرفه .. كانت الرحلة لمنطقة زرعين وعمواس وغيرها. في الرواية نبش للذاكرة وتوثيق وصياغه لها لمواجهة الرواية الإسرائيلية في حقنا بالأرض.. في الرحلة قامت المجموع بتوثيق الرحلة والمكان بجمال الطبيعة الساحرة من نباتات وأزهار يرصدها الكاتب مثل النعنع والشومر والميرامية والزعتر البلدي. وكذالك السفوح والشقوق والصخور حيث ترصد الكاميرا كل التحركات حتى الحيوانات منها الضباع والافاعي… هناك ثلاث شخصيات رئيسية الرواية هم ابو ماهر وجمال والحاج ابراهيم .. أبو ماهر الذي الذي حمل أمانة والده ووصيته ونقل جثمانه بعد حرقه في وعاء بلاستيكي ودفنه بجانب قبر أبيه في قريته زرعين. وذلك قمة الألم والاغتراب. لما يعانيه أهلنا في الشتات وهم يحلمون بالعودة ولو أموات.. هناك عدة أسئلة طرحها الكاتب في الرواية على لسان الشخصيات وعلى لسانه هو، فهو يتساءل عن حق العودة ص 38. “لِمَ تمنع الدولة عودتنا الى أراضي أجدادنا حتى ونحن موتى “.. ويتساءل أيضا: ” هل تعود هذه القرى كما كانت؟؟ المهم أن تعود وستعود؟ ليس كما كانت بل يمكن أن تكون أجمل.”.. الكاتب مؤمن إيمانا راسخا بحق العودة وأن الوطن سيعود لأصحابه. سؤال آخر: لماذا يبقون على بقايا القرى المدمرة؟.. هل ودوا أن نظل نبكي ونحزن ونعيد الذكريات؟ أي هل هذا لتذكيرنا أننا إن ما حاولنا الرجوع فمصيرنا المقابر؟ فهم لا يودون الناس هنا أحياء او أمواتا؟ص57، وهذا فعلا أمر يستحق التفكير.. في الرواية كان محور صراع استنجاد جمال المقدسي بالشرطة لانقاذهم. وهنا يأتي السؤال فعلا: هل العدو يصبح صديقا وهل فعلا يحق له أن يكون منقذا؟ فهم أعداء وبالتحديد وهو مقدسي، ونعلم أن شباب القدس كان لهم الباع في صد المحتل… استوقفتني عبارة:”الأمر يتعلق بالقوة وعليها تصوغ تاريخك”.. هذه العبارة تأخذنا للصراعات الموجودة اليوم بين محاور القوة في المنطقه. وهي من تحاول فعلا صياغة التاريخ وفرض الواقع… وأخيرا الرواية جميلة جدا وهي فعلا تستحق القراءة لأهميتها في توثيق الرواية الفلسطينية؟

وكتبت نزهة أبو غوش:

الرّواية عبارة عن وصف رحلة جماعيّة في بعض قرى فلسطين التّاريخيّة، ومنها  “زرعين ” أصدقاء الرّحلة جمعهم الشّوف والحنين لبلادهم الّتي هجّروا منها عام 1948م، أو 1967م… الأسلوب الفنّي للرواية: استخدم الكاتب أسلوبا روائيّا واحدا لروايته من البداية للنّهاية. كما أنّه استخدم أسلوب الاسترجاع وإعادة الذّاكرة الفلسطينيّة؛ واستخدم أسلوب الحوار الّذاتي، ممّا أتاح للرّاوي التّعبير عن تساؤلاته الكثيرة… الوصف: برع الكاتب في تصويره لطبيعة فلسطين الجغرافيّة، وذلك من خلال وصف الرّاوي الدّقيق للأنهار والجبال والصّخور والشقوق والمغر، والطيور والغابات والأشجار والنباتات المختلفة بأشكالها وألوانها، ورائحتها وفائدتها للإِنسان. وكأنّ الرّاوي كان واقفا باب الجنّة يصفها بكلّ أمانة وصدق. هنا يمكننا استخلاص اعتزاز الكاتب بوطنه، وقوّة انتمائه لهذا الوطن… الخيال: كان خيال الرّاوي عميقا ودقيقا، يعكس حالة الفلسطيني المعذّب الّذي يتحرّق شوقا لماضيه وماضي آبائه وأجداده.  حين وصل المسار بلدة زرعين، قال الرّاوي بنفسه المتقطّع: ” “أرى شبابا يتكتّلون في أزقّة القرية. أرى شبابا يختلسون نظرات نحو صبايا القرية. أسمع صوت يسرى البرمكيّة وهي تدقّ على الدّفّ،… رائحة الطعام تنتشر بين أزقّة القرية من طوابينها وقدورها… أرى الحياة كما لم يكن قبلها، ولن يكون بعدها” ص35. الأغاني والأهازيج الشّعبيّة الّتي رافقت المشاركين وراحوا يدبكون ويعنّون أثناء الرّحلة، تعكس بهجة الفلسطيني بوجوده على أرضه، حتّى وإِن كانت تحت الاحتلال، وأنّه لم يفقد الأمل بالعودة أبد. أمّا قصّة أبي ماهر مرافق الرّحلة، فقد حملت في داخلها مأساة الفلسطيني المشرّد عن أرضه، وأرى بأنّها كانت ذروة الحبكة الفنيّة؛ حيث وقفت الأحداث، واختلطت المشاعر، وارتجفت القلوب، حين أخرج الرّجل رمادا من علبة؛ كي يدفنها لأنّها ببساطة رفات والده الّذي أوصى أن يدفن في مسقط رأسه زرعين قرب والده.. يشعر القارئ بالصّدق والواقعيّة في السّرد، دون تكلّف الرّاوي. حين وصف بيت المختار، والساحة المرصّعة بالفسيفساء والطّابق الأرضي الّذي تبقّى من القلعة أو القصر، والبيوت المبنيّة من الحجر والطّين؛ والّتي بدت واضحة أمام أعين الجميع.. صورة التهجير، كانت الخطّ الّذي تشابك مع باقي الأحداث بسلاسة، فبدت القصّة واقعيّة وليست من الخيال: عسكري يهجم على القرية ويطلق النّيران بشكل عشوائي، يمسكونه ويردونه قتيلا؛ فعلى الفور يطردون من قبل الضّابط الإنجليزي، وحين يسأل مختار القرية: أين نذهب؟ يقول لهم معسكر جنين أمامكم فارغ اذهبوا إليه. هذه القصّة واحدة من آلاف القصص الّتي ابتدعت لترحيل الفلسطينيين عن أرضهم.. وهناك قصص أخرى تحمل مفارقات غريبة يحياها الإنسان الفلسطيني، نحو طلبهم بدفع مبلغ مقابل زيارة المجموعة لعين جالوت؛ كذلك المرشد الّذي يشرح للطّلاب من المستوطنة القريبة ” يزراعيل” عن تاريخ لا يمتّ لهم بصلة. والمفارقة أيضا فرح أبي ماهر؛ لأنّه نفّذ وصيّة والده، وحزنه وألمه لتقبّل عزائه وعمل مراسيم الجنازة في بلدته زرعين والصّلاة عليه مع المجموعة… المكان: لقد شكّل المكان ركيزة أساسيّة في عمليّة السّرد. بلدة عمواس المهجّرة من عام 1967م، وبيسان بلدة المحبوبة القديمة حنان والّتي حرص الرّاوي أن يصلها ويصوّر بيت أبي خليل بيت جدّها، والصّورة المعلّقة على الحائط الّتي تثبت صدق وجود أجدادها. هنا نلحظ كيف أنّ الفلسطيني يستجير حتّى بصورة أو ظل على الحائط؛ من أجل إِثبات وجوده؛ لأنّه متأكّد بأنّ الاحتلال يطمس دائما هويّته، رغم وضوحها.  حين التقط الرّاوي صورا لبيسان بأضوائها وعماراتها، وأرسلها على شكل فيديو، أنكرت حنان بأنّها مدينة بيسان؛ لأنّ الصّورة الّتي في رأسها أجمل بكثير… الزّمان: يدلّ زمن الرّواية على السنوات العشر الأخيرة، حيث بدت معالم التّكنولوجيا فيها واضحة… الحبّ في رواية الكاتب بدا حبّا عذريّا بريئا لشابّ فلاح من عائلة محافظة كباقي القرى الفلسطينيّة، يتلاءم ربّما والزّمن الّذي عاشه الرّاوي ومحبوبته حنان؛ ما قبل التهجير… الحيرة والغموض: أبرز الكاتب بعض الغموض الّذي يكتنف الإنسان الفلسطيني في الإستراتيجيّات الّتي يتّبعها المحتل؛ وكأنّها عمليات تمويهيّة من أجل التّضليل. يحاور الرّاوي نفسه ص 31″ وجدت في معظم القرى الّتي زرتها إبقاءهم على المقابر، رغم أنّهم أزالوا بعض الشّواهد وأسماء الموتى، فهل لذلك معنى” مع العلم بتدمير بعض القرى كاملة، والإبقاء على آثار أخرى.. العقدة والحلّ: إِنّ مشكلة توهان الأربعة أشخاص – كبار السّن- أثناء الرّحلة وصعوبة التقائهم بالمجموعة بسبب وعورة تضاريس والعتمة، وأصوات الضّباع والواويات؛ شكّلت أزمة حقيقيّة، استطاع الكاتب بأسلوبه المشوّق أن يجعلنا نمسك أعصابنا حذرا وتخوّفا، من سقوط أحدهم في قاع الوادي. كان الوصف بارعا ودقيقا، ومؤثّرا، حتّى وصل بنا إِلى نهاية سعيدة لوصولهم المركبة… الخوف: استطاع الكاتب صافي صافي أن يسمعنا صوت الفلسطيني الّذي يعيش في حالة ضياع، لا هو قادر على مساعدة نفسه، ولا يسمح لمحتلّه أن يساعده، ويقال عنه بأنّه هو من أنقذ المجموعة التّائهة؛ لأنّ هذا عيب كبير في حقّه. وقد ظهر ذلك من خلال انتقاد قائد المجموعة لتبليغ أحدهم – جمال- الشّرطة؛ لكي يخرجوهم من أزمتهم، كذلك أيضا بسبب عشوائيّتهم في تنظيم الرّحلة وخوفهم من المساءلة. وخوف أبي ماهر الّذي دفن رفات والده، وهذا أمر ممنوع من السلطات المحتلّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى