تظنها كانت صدفة

د. أسماء السيد سامح

تظنها كانت صدفة

عندما اصطدمت خطواتنا لتتصافح نظراتنا وتتعانق بعدها خفقات القلوب.. عندما ابتسمت أنت وتلعثمت أنا فضحك منا الحب.. عندما حلّقنا معاً في متاهات لذيذة كما تدور الذرات حول مداراتها محافظين على مركز واحد يضبطنا بجاذبية لا تقاوم.. عندما كانت تمر الأيام واحداً تلو الآخر فيزيد معها سمك الخيط غير المرئي بيننا كي تشد وثاق كل منا لصاحبه.

تظنها كانت صدفة؟!
عندما ذرفت دموعي أمامك لأول مرة فتجاهلتها زاعماً أنني، كعهد بنات حواء، مبالغة تبحث عن إبرة الشقاء وسط كومة من قش النعيم الذي تحيطها به.. عندما صرحت بغيرتي، خوفي، صدمتي، فلم تزدني أنت منهم إلا رِيّاً.. عندما تلوتُ لك كوابيسي واحداً واحداً لعلك تسند رأسي على كتف أمانك وتمنحني العناق الذهبي الذي لا خوف بعده، فابتعدت مبتسماً باستهانة طالباً مني أن أتدثر جيداً بغطاء من أكاذيبك.

عندما أخذت قراري فحطمت بيدي صنمك وتركت بقاياه خلفي تاركة لخطواتي حرية اختيار مصيرها.
عندما بحثت من جديد في خارطة القلوب عن وطن يقبل لجوئي.. عندما أعدت توجيه بوصلتي نحو اتجاه آخر فلم يخذلني سهمها.

تظنها كانت صدفة؟
عندما عرف قلبي حباً آخر منحه تاجاً ذهبياً حقيقياً كشف صدأ تاجك أنت القديم.. عندما منحني غيرك أبجدية جديدة فضحت عوج لساني بحروفك التي طالما تلعثمت بها.. عندما ناسب مقاس خاتمه إصبعي فلم يتورم بضيقه كما كان معك.. عندما اكتشفت معه لأول مرة كيف يمكن أن أضحك.. أضحك بحق فلا أخاف من دموع.. أن أنام.. أنام بحق فلا أخاف من كوابيس.. أن أتدلل.. أتدلل بحق فلا أخاف من تذمر.. وأن أحب.. أحب بحق فلا أخاف من خذلان.

عندما التقيتك اليوم في نفس مكاننا القديم.. ملامحك التي كانت يوماً قِبلة العين والقلب أراها طيفاً شاحباً لا يكاد يحرك بي ساكناً.. عيناك تترنمان بنفس اللحن القديم لكن أذني هي ما صارت عنه صماء.. كفاك ترتجفان.. ترتفعان.. تكادان تصرخان راجيتين بمصافحة، فلا يزيد هذا أناملي إلا جموداً.. شفتاك تتمتمان باسمي بذات الطريقة التي كانت يوماً تثير جنوني، فلم تعد الآن تثير سوى إشفاقي..

لا.. لم تكن صدفة بل قدراً.. قدراً زرعني بين ذراعيك في خريف تساقطت فيه أوراقي، ليعيد منحي ربيعي بين ذراعي آخر.. آخر علمني أن لا مصادفة في دروب العشق.. بل هو قدر آمنت به فآمن بي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى