حد الحرابة.. نماذج من الكهنوت الإسلامي

د. خضر محجز | فلسطين

«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم» المائدة/33

لقد قيل ــ بغير الحق ــ إن في هذه الآية دليلاً على وجود جريمة، تسمى جريمة (الحرابة). كما قيل ــ بغير الحق كذلك ــ بوجود عقوبة لهذه الجريمة محددة تسمى (حد الحرابة). ثم فُسّرت الآية ــ ظلماً ــ بأن الحاكم هو خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «فمن عصاه فقد عصى الرسول، ومن عصى الرسول فقد عصى الله. ومن حارب الإمام فقد حاربهما».

والحق أن هذا هو عين الافتراء على الله، من علماء يرون لأنفسهم الحق الحصري في إصدار أحكامه.

ولكي ندحض هذا الكهنوت ــ مدفوع الأجر ــ يمكن لنا أن نتذكر بأن الخليفة الراشد الرابع، علي بن أبي طالب عليه السلام، لم يقم هذا الحد على أيٍّ ممن ظفر بهم، في الحرب مع جماعة معاوية الخارجين عليه، مع أنه عليه السلام موقن بأنهم «خرجوا على الإمام الحق بغير الحق».

إذن فقد تم اختراع هذا الحد، فيما بعد، واستٌخدمت هذه الآية، فيما بعد، لتقول بوجود هذا الحد وعقوبته (المنصوصة)، وتحديداً في زمن العباسيين، الذين كانوا يرون لأنفسهم كل حق كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ووافقهم في ذلك الفقهاء، رغبة ورهبة. وجئنا ذريةً غافلة من بعدهم، تنقل أقوالهم في هالة من التقديس غير المبرر. لكأن هؤلاء كانوا أفقه من علي بن أبي طالب في فهم القرآن!

والخلاصة:

 أن لا دليل في هذه الآية على وجود حد اسمه حد الحرابة.

إذن لا يتبقى مما يزعمونه دليلاً على حد الحرابة، إلا ما يحتجون به من السنة النبوية المطهرة. وسنتعرض الآن لبيان بطلان ذلك إن شاء الله تعالى.

أخرج الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن أناساً من بدو عُرينَةَ، قدموا المدينة، فأمرضهم جوها. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يخرجوا إلى الصحراء، بظاهر المدينة، حيث إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها. فشربوا حتى شفوا من مرضهم. فقتلوا الراعيَ، وسمروا عينيه، وقطعوا يديه ورجليه، وسرقوا الإبل، وهربوا. فأدركهم جيش الرسول صلى الله عليه وسلم فَقَطَّعَ أيدَيهم وأرجُلَهم، وسمر أعينهم، وتَرَكَهُمْ بالحرةِ يموتون عطشاً.

هذا حديث صحيح، لكنه ليس دليلا على حد الحرابة، بل هو دليل على جواز العقوبة بمثل الجريمة. فقد سمروا عيني الراعي وقطعوا يديه ورجليه، فعاقبهم الإسلام بنفس ما اجترحوه.

فأين الحد هنا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى