أدب

قراءة مغايرة في رواية كاتيوشا

هل يمكن أن تُبنى رواية على المشاعر في المقام الأول وبوصف داخلي عميق جدًا؟

بقلم: دينا ممدوح

بعض الروايات تبحث فيها عن الحبكة والحدث الأهم أو الذروة كما يقولون، والبعض الأخر تبحث فيها عن الأبطال وعددهم ومواصفاتهم وتفاصيلهم، والبعض الأخر تبحث عن مشاعرهم، ورواية أخرى تجد فيها كل هذا وتلهث وكأنك لا تستطيع اللحاق بكل ما جاء في سطورها، رواية كاتيوشا لـ وحيد الطويلة أنت كذلك.

لكن هل يمكن أن تُبنى رواية على المشاعر في المقام الأول وبوصف داخلي عميق جدًا؟ هل يمكن أن يستطيع كاتب رجل أن يصف مشاعر وتفكير امرأة وكأنه تلبسها بكل ما في الكلمة من معنى؟ هل يمكن أن يخترق كل ألم داخلك كامرأة ويجعلك تتوقفي للحظات لا تريدي أن تأكلي الصفحات أمامك لكي لا تنتهي الرواية؟ كاتيوشا اثارت كل هذه التساؤلات داخلي وأجابت عليها بنعم كبيرة ملء العين.

تبدأ الرواية بصدمة اعتراف الكاتب رشيد إلى زوجته أنه يحب صاحبتها، لينتهي المشهد بثورة غضب منها استطاعت فيها أن تجعل مقود السيارة ينحرف لتتسبب في انقلاب السيارة رأسًا على عقب كما حدث لقلبها بعد اعترافه، هذه المفاجأة جاءت في الصفحات الأولى للرواية فلا تتوقع أنني حرقت لك الأحداث، القادم هو الحدث الأهم.

توقعت بعدها الكثير من الأحداث ولكن كان البطل في كل القادم مشاعر وهواجس كل امرأة تكتشف أن زوجها المحب الصادق خانها، كيف يمكن للأمان أن يخون؟ كيف يمكن للملاذ الوحيد والصاحب والرفيق أن يخون؟ أين يمكن أن يوجد المأوى إذا كان المأوى هو مصدر الألم ذاته؟

الموجع أن تلك المرأة لا تجد هذا الرفيق لتفرغ فيه طاقة غضبها، لقد فجر القنبلة في قلبها وتركها ودخل غيبوبته بكل هدوء وكأنه لم يفعل شيء، لم يسرق أمانها وطمأنينة قلبها وسكينة روحها فقط، لكن تركها تتخبط هنا وهناك تبحث بجروحها عن صاحبتها التي فعلت بها هذا.

ظلت مشيرة تبحث عن الصديقة التي خانتها مع زوجها، شكت في الأولى ثم الثانية وحتى الثالثة، ذكرت للجميع اسماءهم ولكن الوحيدة التي كانت هي الإجابة الصحيحة لم تمنحها اسم، وكأنها رغبت أن تظل مجهولة حتى النهاية، على الرغم من ذلك ظلت تتخذها صديقة لم تثور كما حدث مع الأخريات، أصبحت تزور كل واحدة منهم رشيد على حدى، كنت أشعر بلهيب قلب مشيرة يخرج في وجهي فشعرت بحرارة حزنها وخذلناها، تساءلت.. كيف أمكنها فعل ذلك؟ كيف يمكنها أن تحوي الحرباء في منزلها وتطعمها وتجعلها تهنئ فيه؟ بمناسبة الأسماء وجدت أن اسم رشيد ومشيرة يمتزجون بشكل رائع، حرف الـ ش ثقيل كعلاقتهم.

طوال أحداث الرواية وأنا انتظر أن يستيقظ رشيد ليخبرها أنه كان يمزح معها ولا يمكن أن يخونها مطلقًا، طوال الأحداث وأنا انتظر “البلوت تويست” الذي يجعلني أطمئن على مشيرة التي لم تستحق كل هذا، ولكن أَبَى وحيد الطويلة أن ينهي الرواية دون تويست مختلف تمامًا عن توقعي، جعلني أقف لأصفق له وللكتابة الجميلة التي تجعلنا نسعد هكذا، للمرة الثانية في وقت قصير يصدر مني “ما هذا الجمال؟” وأنا اقرأ رواية، أعتقد أنني محظوظة جدًا هذه الفترة.

استطاع الكاتب وحيد الطويلة أن يحكي مشاعر امرأة وآلمها وتفكيرها بطريقة قد تفوق قدرة الكثير من النساء على الوصف، لا اعلم كيف فعلها؟ وكأنه أرتدى روح مشيرة، خرج من جلده ليلبس جلدها وقلبها وقلب كل امرأة جُرحت وخُذلت، كل القلق والبحث والحاسة السادسة التي تملكها والتي تخبرها أن هناك كذب ما يُقال أن هناك خطأ ما يحدث مع رجلها، استطاع أن يصف كل ذلك ببراعة تامة، وجاءت جُملته في الرواية لتعبر عن هذا بوضوح “الكاتب الذي يعرف دواخل المرأة كأنه يراني أفضل مني”.

المفردات والوصف والجُمل كانت ملحمة من الإبداع، كثيرًا ما كنت أتوقف وأقول كيف كتب هذه الجُملة أو كيف عبر بهذا الجمال عن تلك الفكرة، إذا كنت أستطيع لكنت اتخذت الرواية كاملة كاقتباس دون مبالغة فهي تستحق.

رشح لي الكثير من الأصدقاء تلك الرواية، وندمت أنني تأخرت في قراءتها، وندمت أكثر حين انتهيت منها، بعض الروايات ترغب في أن تفقد ذاكرتك بعدها لتبدأ في قراءتها من البداية بنفس المفاجأة والانتظار، وكاتيوشا كانت من هذا النوع.

إذا لم تقرأ كاتيوشا حتى الآن، عليك البدء فيها، ينتظرك الكثير من الإبداع بين صفحاتها، الكثير من الألم والمشاعر والتي وصفت بكل دقة وبراعة، الكثير من الفن والكتابة المبهرة التي تستحق أن تُقرأ مرة تلو الأخرى.

*اقتباسات:

❞تركني وحدي في ساحة المعركة، أحرق كلَّ شيءٍ فيها بجملة يتيمة، حقن لي الكارثة في جرعة واحدة، فقدتُ النطق، لم يبق لي إلا أن أتحسس روحي، أجدها ممتلئة بالفجوات، كأنني أنا من وضعت قدمي قصدًا على اللغم وفجّرني لألف قطعة❝

❞أطلق جملته سعيدةً لا حذرَ فيها، رَصاصتُهُ كانت ترقص، لا أتذكر من الذي قال إن الرصاصات كلها تنطلق سعيدة، نعم، لا توجد رصاصة لديها رصيدٌ من الحزن، لا يعنيها من تصيب، هل رأيت رصاصة تبكي أو تعتذر!❝

‏❞ ‫أقترب منك، حين سمحوا لي بالدخول لدقيقتين، كأني دخلت الجنة، أمسك يدك اليمنى التي عانقتَني بها لحظةَ اعترافك بحبي، ثم أمسك يدك اليسرى وأقول: هذه يدٌ ملوثة بالحب.❝‬

❞هل تعرف ماذا أحتاج الآن؟ أحتاج فقط فنجانًا من القهوة بأثر فمك، بطعم شفتيك، وملاكًا ضلَّ طريقه أثناء العودة للجنة ليربت على كتفي.❝

❞إنه الأمان يا عزيزي، الأمان لا يعطينا فرصة لنرى الخطوط المائلة والأيدي الخفية. الأمان وربما الحب أيضًا، الحب يمنعنا من رؤية التفاصيل السيئة أو المربكة.❝

❞ إن الحياة مثل كرة القدم، لا يمكنك أن تمنع الآخرين من تسجيل الأهداف، لكن يمكنك أن تحرزها أنت أيضًا.❝

❞ جسدك أمامي ممددًا بقلبك الخائن، أغمضتَ عينيك على تفاصيل سرك، وأورثتني متاهة يدوخ فيها شيطان لعوب، مستعد أن يتنازل عن عرشه ويجد بابًا للخروج.❝

‏❞ ‫ في روزنامة الأيام هناك اليوم العالمي لمكافحة التدخين أو التحرش، لكن لمَ لا يفكر أحد في اليوم العالمي لمكافحة الخذلان.❝‬

‏❞ واحد لوحدي، ملك لا إيجار، وأن تفكر امرأة مجرد التفكير وتقبل برجل على اثنتين، هذا ما لا يمكن تفسيره إلا في أيام الكوارث أو الحرب العالمية القادمة.❝

‏❞ الهروب دناءة حتى لو كان بمهارة، والسكوت أيضًا.❝

❞ ‫ قالت إن الحب يحدث غالبًا في ثانية، نكتشفه وهو يتثاءب فجأة في حجرنا، لا نعرف من أين هبط.❝‬

❞ مشروعي كان مختلفًا، النساء المجنونات مثلي لا يطمعن من الدنيا سوى بقصة حب، طلبي كان بسيطًا وصعبًا أيضًا، كنت أحلم دائمًا أنني حين أفرد كفي في أواخر أيامي سأجد حكاية حب أموت سعيدة بها، الحب هو مكافأة الحياة، لذا نحمله معنا.❝

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى