الثقافة والفن.. عن بُعْد!

عليّ جبّار عطيّة |رئيس تحرير جريدة (أوروك)


تكيّف العالم اجتماعياً وثقافياً وفنياً مع جائحة كورونا، ربما من باب (وما حيلة المضطر إلا ركوبها) فتقلصت بعض المناسبات الاجتماعية وأقيمت مؤتمرات وندواتٌ وأماسٍ شعرية ومعارض فنية ومسرحيات افتراضية عبر دوائر تلفزيونية مغلقة أو مفتوحة.
وساعد على ذلك التطور التكنولوجي الكبير الذي نقل البشرية نقلةً حضاريةً كبيرةً ، لكن هناك رأي آخر يرى أنَّ التكنولوجيا أضرت بهذه النشاطات والفعاليات من حيث التأثير ، وقد تحاورتُ مع الكاتب والمخرج المسرحي الفنان سالم حسين الزيدي بهذا الموضوع، فسألته عن دخول التكنولوجيا في الفن فقال : حين يعزف الموسيقار، فإنَّه يتعامل روحياً مع النغمة والشعر والصوت، لكن آلة (الأُورغ) ألغت عدداً من من الآلات الموسيقية، وقتلت التخت الموسيقي.
وحين سألته عن رأيه بالتعليم عن بعد (الأون لاين)، والمسرح الافتراضي قال : أظن أنَّ التعليم عن بعد يفقد الإبداع الإنساني، ويحوّله إلى عمل ميكانيكي فلو أردتُ أن أعلِّم طالباً الإلقاء أو الرياضة المسرحية (البدي تكنيك)، لغة الايماءة، ولغة الجسد فيجب أن يكون اللقاء مباشراً معه،
فالممثل يبدع على المسرح، وفي المسرح الافتراضي لا يوجد تفاعل مع المتلقي، فهو خسران للإبداع البشري.
وتابع : المسرح عطاء يخدم الإنسانية ، بما يطرح من قضايا سياسية واقتصادية، وضرب مثلاً فقال : كنّا في فرقة (مسرح الفن الحديث) في العهد الملكي بعد أن ينتهي العرض الذي نقدمه يتظاهر الجمهور، بل هناك بعض الأعمال منعت لخوف السلطة من الكلمة الحرة.
والآن وقد أوشكت الجائحة على الرحيل عن كوكب الأرض ـ حسب آخر التقارير ـ فلا مناص من الاعتراف أنَّ هناك عادات وممارسات فرضتها ظروف الجائحة لعلها تبقى تصاحب البشرية إلى أمد غير محدد !
بعض هذه العادات الجيدة ذكرتها مجلة (التايم) الأمريكية في عددها الصادر منتصف شهر شباط الماضي في مقال للكاتب (جيفري كلوغر) ذكر فيه ممارسات مفيدة فرضتها ضرورات الوقاية من انتشار جائحة كورونا كارتداء الأقنعة في وسائل النقل العام، والتسوق عبر الإنترنت في ما تسمى بخدمة (انقر واحصل)، كما أصبح العمل عن بعد نهجاً معتمداً من قبل العديد من شركات التكنولوجيا، وصار البقاء في المنزل ضرورةً عند الإصابة بنزلات البرد أو الإنفلونزا أو أي مرض آخر، فلم يعد ذهاب الموظف المريض إلى العمل إخلاصاً أو حرصاً بل هو تملق وتهور واستهتار، ويمكن أن يتسبب بنقل العدوى إلى غيره !
كما ازداد تقديم خدمة الرعاية الطبية عن بعد، وانتهاء المصافحة اليدوية فوفقا لدراسة أجرتها جامعة كولورادو بولدر، فإنَّ اليد البشرية لديها في المتوسط ١٥٠ نوعاً مختلفاً من البكتيريا التي تعيش فيها طوال الوقت، وهذه الدراسة أجريت قبل أن تنّضم جائحة كورونا إلى قائمة مسببات الأمراض.
والأهم أنَّ الجائحة جعلت الكثيرين من الناس يلتفتون إلى أهمية القراءة والكتابة والتواصل مع الآخرين وأهمية النشاطات الثقافية والفنية الحضورية فلا غنى للإنسان عنها مهما كانت البدائل المتاحة لأنَّها ليست سوى سد حاجة.
يقول الزعيم الروحي الدالاي لاما : (ليس العالم بحاجةٍ لمزيد من الناجحين، وإنَّما العالم بأمس الحاجة لصانعي السلام، للمعالجين، للمصلحين، لرواة القصص، و للمحبين) !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى