القيادة التربوية في طريق الفعل..لعلها
تحسين يقين | فلسطين
وهل لدينا ما هو أهم من الإنسان على هذه الأرض؟
بعد طول تفكر وتدبر، أو ما هو أقل، يتعمق لدينا معنى التكوين، ذلك أننا لا نتعامل مع خمس سنوات قادمة أو أكثر في حالة الاشتباك هنا على هذه الأرض فقد تتغير الأمور، والتحرر قادم قادم، بل عن رحلة ليس هؤلاء الأطفال بين سن 5-18 عاما، بل عن القادمين والقادمات المتجدد قدومهم.
ليس القضية فقط تحولا سياسيا صرنا نشهده، ولعلنا سنزهد في التحدث عنه إن لم تكن بوصلته طريق التحرر والحلول السياسية الكريمة.
من المهم التطلع الى أبعد من خطواتنا، ومرمى العيون.
تعدّ التنشئة الفكرية والسلوكية من التحديات الرئيسية التي تواجه القيادة التربوية، خصوصا في التعامل مع قيم تبدو متناقضة، مثل: الصالح العام والحقوق الفردية، الرعاية والقواعد، الولاء والعدل، البلاغة والواقع، الخدمة والعقلانية الاقتصادية، الوضع الراهن والتنمية، الأهداف طويلة الأجل والأهداف القصيرة الأجل.
لقد قام فريق من الباحثين من الجامعة الكاثوليكية الأسترالية بإجراء دراسة لهذه القضايا أكثر من 15 عاما، حيث قاموا بمراجعة البيانات التي جمعوها من المسؤولين العاملين في المجالات التربوية وغيرها. وخلال ذلك عبأ حوالي 400 مسؤول منهم استبيانات حول المواضيع المتصلة بالقيادة والأخلاق، ثم استخدمت نتائج هذه الاستبيانات في وضع أسئلة حول المفاهيم الرئيسية؛ لإجراء مقابلات معهم، والذين طلب منهم أيضا كتابة تقارير حول قضايا قاموا فيها باتخاذ قرارات تتعلق بالأداء والسلوك ، حيث قدّم 55 وصفا للقضية والأطراف المشاركة فيها، والعمليات التي انطوت عليها، والنتائج المترتبة على القرار. ثم استخدمت مجموعة متنوعة من الأساليب الكمية والنوعية في تقييم هذه البيانات، وأخيرا ناقش المشاركون المواضيع في غضون ثلاثة أسابيع من خلال منتدى على الإنترنت. وهذا ملخص للدروس المستفادة من النتائج، والتي تركّز على منطلقات تلك القرارات كمبادئ توجيهية:
1. تختلف القرارات تبعا لاختلاف الأشخاص المعنيين وطبيعة الظروف المخففة.
2. التعامل مع التوتر المرتبط بالناس هو تعامل غير نمطي، فكل إنسان يشكّل حالة فريدة.
3. يفضل كثيرون عدم اتخاذ قرارات لحل مشكلات معقدة، لذلك تزداد سوءا.
4. يسهل على المسؤول تجنب الحزم في اتخاذ قرارات بحق الموظف صاحب الأداء المتدني، فإذا كان أسلوب المسؤول انسحابيا، فإن عليه البحث عن حلول للحالة.
5. من الأفضل التعامل مع الوضع المتوتر باستخدام النهج العقلاني القائم على “كلا من/و” وليس “إما … أو”
6. ينبغي أن ينسجم المسؤولون في تصرفاتهم مع رؤاهم الفكرية والأخلاقية، خصوصا في أوقات التوتر والاشكاليات.
يركز المسؤولون المتميزون على قضايا الأخلاق والقيم، وعلى اتخاذ القرارات الصحيحة، وتستند قيادتهم على الأمانة والمصداقية، وهو يتميزون باتجاهات قيم واضحة، يتمسكون بها في حياتهم المهنية. كما يتميزون أيضا بقدرتهم على رفع الروح المعنوية لمن حولهم، مما يساهم في تطوير دائم للبيئة التربوية.
ويواجه المسؤولون تحديا يتمثل في بناء ثقافات يشعر فيها جميع الموظفين بقيمتهم، ودورهم في قيادة المؤسسة. ولذلك فهم بحاجة إلى المعرفة والفهم والمهارات اللازمة لإدارة مسؤولياتهم وحل المشاكل المعقدة، حتى يطبقونها بفعالية. ويتمثل التحدي الأكبر أمامهم في استمرار تطوير قدراتهم وقدرات من حولهم حتى تتجاوز المؤسسة أي عوائق، باتجاه تحقيق أهدافها. هذا في النظام التربوي والبنية الإدارية والفنية لتجنب عوامل الاغتراب واليأس.
من ناحية أخرى، فإن التربية جزء من منظومة متكاملة، ومعنى ذلك، ألا تترك العملية التربوية للتربويين فقط، بل لا بدّ من إشراك المؤسسات والقوى الأخرى لتكون رديفا للتربية والتعليم.
ولكن للأسف، فبرغم أن التربية والتعليم قطعت مسافة من التطوير منذ عام 1994، إلا أن الأسئلة والقضايا المهمة ما زالت غير مطروقة بقوة، حيث اتجهت الجهود لرأب الصدع في التعليم التقليدي نفسه، والتأكيد على تعليم المباحث. وحتى هذا الكلام لربما علينا أن نعيد التأمل فيه، في ظل تراجع التحصيل المدرسي التقليدي نتيجة عوامل التشتت والتجريب.
على أرض الفعل التربوي، سيكون الحديث عن الثمار والمخرجات، ولعلنا نطمح فعلا الى تحقيق هذا الهدف التربوي والوطني والإنساني. ونحن قادرون وقادرات ان أردنا، والظن ان الطريق واضح.
والفكرة اليوم، هي التفكير نفسه، فهل بالإمكان مثلا أن يقوم المسؤولون والقيادات التربوية في المؤسسات التربوية الرسمية وغيرها، بتناول ما يرونه من خلال معارفهم وخبراتهم، عبر أدبيات محددة واضحة، يتم بناء نقاش علمي بتوصيات محددة، تشكل فعلا سياسات تربوية للتطبيق؟
إن ذلك ممكن بالطبع، وبناء عليه، يوكل لهؤلاء المشاركة في التنفيذ والتطبيق والمراقبة، فتصبح القيادة قيادة تربوية تقوم بعملها وفق منظومة تربوية كاملة، ومجتمعية، بوجود مستوى سياسي وبرلماني يحاسب وبسائل.
بل يستحسن ان تتم الحوارات علنا، لنرى جميعا مختصون وأهالي ما يدور من فكر تربوي، فليس لدينا ولدى الأمم ما هو أغلى من أطفالنا ونحن نعدهم للمستقبل. من هنا سنبدأ بتحويل الفكر الى معنى ملموس.
لربما يتواجد مفكرون وقادة، لكن ذلك لن يجدي فعلا إن لم يجدوا روافع تربوية، تكون واعية على ما هو استراتيجي وتفاصيل، وهي تجيب على سؤال مثل كيف نريد الخريجين أن يكونوا مستقبلا (كوجود اللغة الانجليزية كلغة ثانية لا كلغة أجنبية)، تجيب على أفضل طرق تعليم اللغة والحساب؛ فنحن مثلا تعلمنا في كتب خليل السكاكيني (راس روس) فكيف يكون من تعلموا في ذلك الزمن أفضل من اليوم؟ ألم يكن من المهم قبل 23 عاما تطوير أسلوب السكاكيني، خصوصا أنه كان ناجحا؟
وكما نرى، لسنا وحدنا في هذا الكوكب وهذا الحقل الهام، ولعلنا نستفيد من المنجزات العالمية، فكيف مثلا نتقبل خريجين درسوا في أفضل الجامعات، واطلعوا على الأدبيات التربوية المعاصرة، وحين يعودون للوطن العربي، نجدهم على أرض الواقع انما هم استمرار لما هو تقليدي.
من الضروري أن يكون التربوي صريحا في تناول قضاياه المهنية، وهذا ما لمسناه لدى الباحثين ولدى المبحوثين الأسكتلنديين معا، خصوصا أن العملية التربوية قائمة على الأطفال، من خلال الشراكة بين الإدارات التربوية بمستوياتها المتعددة هرميا، وبين المعلمين. وهذا ما لمسناه في البحث الذي كانت نتائجه صريحة للغاية، بل كأنها تنتقد الإدارات التربوية، وتستفزها باتجاهات التطوير والجدية، وعدم تعويم الأمور، خصوصا مع الكادر العامل.
وأخيرا سيكون الحديث عن ضرورة الاهتمام بالتربية الوطنية والتربية على المصلحة العامة، والولاء الوطني، مهما واستراتيجيا إن قمنا بإكساب الطلبة مهارات القرن الجديد حتى لا يغتربون. فهل نحن ماضون في ذلك بشكل جوهري فعلا؟ والى مدى؟
أمران ينبغي بجرأة التفكير فيهما معا، في ظل هامش التنوير الفلسطيني اليوم، وفي ظل الانفتاح الفكري لدى المجتمع بشكل عام، وهما: الحداثة المرتبطة بإيجاد النظرة العادية الطبيعية للفرد بعيدا عن الثقل الكلاسيكي لغة وأسلوبا. عصرنة غير شكلانية، وفهم الماضي ضمن سياقه لا محاكاته.
وللحديث بقية عن القيادات الفكرية ومنها التربوية في المجتمع الفلسطيني-العربي، في ظل ازدياد الحالة الكولينيالية: الفهم والدور، والواقعية الذكية، على أمل أن نشهد مشاركات موضوعية من المعنيين والأهالي، لعلنا نشهد تجذر قيمة التعاون، على أمل رؤيتها متجذرة أصيلة، تحترم خبرات الآخرين وكرامتهم..
إن وجود قيادة تربوية أصيلة واعية، مهما قل عددها، في عدة مستويات وفضاءات رسمية وأهلية وخاصة وأكاديمية ستجعل الأرض التربوية أكثر خصوبة؛ ولن يكون من السهل الإنجاز والتغيير، بدون مثل هذه القيادة الجادة والمسؤولة، والتي ينبغي أن تكون شفافة وصريحة، وهكذا يصير التطوير عاما وليس استثنائيا يقوم به عن شغف الجزء لا الكل. نريد تعليما يصير المجتمع خلاله المجتمع النخبة لا نخبة المجتمع، فهذا شرط النضال الفعلي، وهو شرط الاشتباك الإبداعي للإفادة من العولمة وتوظيفها لخدمة خصوصياتنا الثقافية.