نوستالجيا بعد منتصف الليل
مرفت يس | مصر – جامعة القاهرة
أفتح عينى التى لا أعرف هل شبعت من نوم متقطع أم جافاها االنوم، الساعة الثالثة فجرآ، أمسك الموبايل؛ لاتصفح الرسائل والأخبار على منصة التواصل الاجتماعي التى أصبحت ملاذا لنا جميعا، أجد العديد من تلك اللمبات الخضراء معانة عن أصحابها الساهرين مثلى، حتى أولئك الذين يغلقون الدردرشة؛ تخبرنا منشوراتهم وتعليقاتهم أنهم بالجوار الافتراضى معنا، فكلنا لا نعرف متى نستيقظ، ولا متى نغمض أعيننا وخصوصا بعد الكم المرعب من الحوادث وأخبار المصابين والوفيات التى تلاحقنا، ومست القريبين منا، هل نحن خائفون؟ ومن يستطيع النكران !!
فى سهرات الليل الذى أصبح أكثر طويلا فى زمن الكورونا، تكثر أحاديث الأصدقاء التى أصبحت قصيرة نسبيآ هذه الأيام تبدأ بالضحكات والاطمئنان والسخرية من مجريات الأمور فى محاولة للتعايش، والصمود وأغلب الأحاديث رسائل قصيرة مفادها دعواتكم أو نحن بخير اطمئن
أما عن أولئك المحظوظين الذين يتمكنون من الدردشات لأوقات طويلة فهم أمثالنا ممن تعدوا الأربعينيات أو أكثر لتطول أحاديثهم محملة بالذكريات وكأن الثلاثة أشهر هذه وأكثر هى عمر أخر طويل جدآ، يفصلنا عن أيام كنا نلهو ونخرج ونسهر ونرتاد مطاعم التيك أواى ونقف أمام عربات الفول لنبتاع ساندويتشا نأكله فى الشارع ونحن نتحدث مع الجميع كأننا نعرفهم.
المقاهى التى عرفت الزوجات أهميتها البالغة الآن …عزيزى الرجل أبشر إذا مرت هذه المحنة بسلام فهى بنفسها من ستدعوك للخروج للمقهى تجنبا للشجار والنقار المعتاد ولتمكث ياعزيزى مايحلو لك من الوقت المهم .. لتعد سالما هادئآ مطمئنا ،تمتد الأحاديث التى تتكرر فيها جملة فاكرلما …..
ليكن الرد كانت أياااااااااام ياصاحبي
وبين هاتين الجملتين يتم تبادل الكثير من الصور القديمة وسرد قصص الطفولة والنكات وتكثر الضحكات المصحوبة بعيون تمتلىء بالكثير من الدموع وروائح الدفء التى تستحضرها الذاكرة
ووعود إذا مرت هذه المحنة على خير سنفعل كذا وكذا وكذا………..
وأنا أيضآ لن أتكاسل عن المشى يوميآ فى الصباح الباكر لاستنشاق الهواء والاستمتاع بشوارع القاهرة كما كنت أفعل فيما مضي منتظرة أن تعود لصخبها الجميل.
ولن أرفض طلبًا لبناتى وأتحجج بالتعب لأخذهم للتنزه فى الحدائق والسفر، وسألعب معهم كما لم أفعل من قبل.
هل أصبحت كل أحاديثنا تحمل الحنين لكل مامضي حتى لو كنا لانراه جميلا وقتها، نعم نحن كذلك
الحنين أو النوستاليجا Nostalgia وهي كلمة يونانية مكونة من شقين، (نوست) بمعنى العودة أو الرجوع، و(جيا) ومعناها الألم أو الحنين. والمعنى الاصطلاحي للكلمة كاملة هو الحنين إلى الماضى…
الذي كان يعتبر مرضآ فى القرن السابع عشر، يشبه نزلات البرد الشديدة التى تحتاج إلى تدخل الأطباء تلك الكلمة التى صاغها الطالب السويسرى ” يوهانس هوفر ” فى جامعة بازل السويسرية في أطروحته الطبية عام 1688
وظلت خلال القرن الثامن عشر فى أوروبا، تستخدم لتعبر عن التعلق المرضي بأى مكان، أو أزمنة بعيدة، أو أشخاص
وبمرور الوقت شيئآ فشيئا بدأت تتحرر من دلالاتها الطبية لترمز للماضى بشكل عام .
وتحولت لتلك النظرة الشاعرية التى نجدها فى الأدب والشعر وحياتنا الخاصة المرتبطة بألم الفقد كما تقول “سيفتلانا بويم “فى كتابها the Future of Nostalgia”” حيث أصبحت كلمة نوستاليجيا محاولة للهروب من ألم الفقد وإحباطات اللحظة الراهنة
هى إذا حالة عاطفية نصنعها نحن؛ لنستعيد لحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، هى آلية دفاع يستخدمها عقلنا لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية فنحصل على دفعة من القوة نستطيع التعامل بها ومواجهة التحديات وصد الإكتئاب، وزيادة رغبتنا فى التواصل خصوصآ مع الاشخاص الذين تربطنا بهم الذكريات .
فالحنين يجعلنا أكثر أمانا وأكثر دفئا، لذلك فهو جهاز فى أجسامنا يزودنا بلحظات من الراحة ومشاعر جميلة تربطنا بأشخاص، وأماكن دافئة وروائح مألوفة ، فكلنا نعيش حالة من النوستالجيا لنستطيع المواجهة والتعايش والأمل فيما هو قادم