الفرق بين (أتى) و (جاء) و (حضر) و (أقبل) و (ورد)
ماجد الدجاني | فلسطين
قال عُلماء اللُّغة: المعاني والمقاصد سيِّدة الألفاظ، والألفاظ خَدَمٌ للمعاني.
وهذا يعني أنَّنا إذا أردنا أنْ نعرف الفرق بين دلالة كَلمتَيْن مُترادفتين فيجب دراسة محلِّ الخطاب للنَّصِّ الذي وَرَدَتْ فيه الكَلمة، ومن خلال إسقاط النَّصِّ على الواقع تبدأ عمليَّة ظُهُور الفوارق بين دلالة الكَلمات بشكل خفي، إلى أنْ تظهر كاملة، فتصيب الباحث ذُهُولاً من الفرق الكبير بين دلالة الكَلمتَيْن اللَّتَيْن كان في بدء البحث يظنُّ أنَّ دلالتهما واحدة.
أتى: هو أول الوصول من بعيد بمعنى أعرف أنك مقبل من بعيد ولكن لا أعلم المكان الذي أتيت منه فما دمت تلوح لعيني ولم تصل إليّ بعد يقال أتيتَ.
وأوضح الآيات في الفرق بين أتى وجاء هي في قصة سيدنا موسى (عليه السلام) قال تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ”(القصص- 30) وفي سورة طه” : (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(طه- 11) وفي سورة النمل (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (النمل- 8).
ففي سور القصص ما إن لاح موسى من بعيد وقبل أن يصل تلقّى التعليمات وآداب المقابلة ونودي بأن يخلع نعليه فهو لم يصل بعد, والآية تدل على أن الخطاب لموسى خطاب عام, وفي هذا تأكيد من الله تعالى لموسى بأنه ليس واهماً ولم يصبه شيطان وإنما هو الله تعالى الذي يخاطبه (إني أنا ربك)، أما في سورة النمل فقد وصل وأصبح قريباً وأصبح الخطاب مباشراً وتلقى الرسالة من الله في هذا الموقف ( فلما جاءها) أي وصل إليها.
جاء: إذا اقتربت حتى جلست معي يقال جئتَ. وهناك فرق بين جاء وحضر وهو واضح في آيات القرآن: “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ” (الأنعام- 61) هنا الموت جاء ووصل بخلاف الآية الثانية: “إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ” (المائدة – 106) فتدلّ على أنه كان جاهلاً فانتبه وعلِم.
حضر: إذا كان هناك موضوع اتفقنا عليه سابقاً وجئنا لأجله فقط يقال حضر. وحضر في الغالب تدلّ على جهد فكري ثقافي معرفيّ يتعلق بالعقل منها كلمة الحاضرة قال تعالى: “واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ”(الأعراف- 163) والحضارة هي ضد البداوة وفيها يكون النشاط الفكري والحضاري, ووردت كلمة حضر في القرآن الكريم مشيرة إلى حركة ذهنية وعقلية قال تعالى: “وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ” (الأحقاف- 29) بمعنى أن الجنّ حضروه للعلم.
أقبل: والإقبال لا يكون إلا بعد التدابر كنا مدبرين فأقبلنا. يُقبل الناس على بعضهم لأن لهم شأناً مشتركاً يريدون مناقشته قال تعالى: “وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ” (الصافات- 27) وقال تعالى: “فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ ” (القلم – 30) حصل شيء خطأ واجتمعوا لمناقشته وتصحيحه.
ورد: تقال لقصد الماء كما في قوله تعالى: (ولمّا ورد ماء مدين(القصص- 23)، وكما في قوله تعالى في قصة فرعون: “يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ “(هود – 98أ
القرآن الكريم يستعمل أتى لما هو أيسر من جاء، يعني المجيء فيه صعوبة بالنسبة لأتى
ولذلك يكاد يكون هذا طابع عام في القرآن الكريم
ولذلك لم يأت فعل جاء بالمضارع ولا فعل الأمر ولا إسم الفاعل. المجيء صعب. قال
(فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33) عبس) شديدة،
(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) النصر)
هذا أمر عظيم هذا نصر لا يأتي بسهولة
وإنما حروب ومعارك،
إذن الإتيان والمجيء بمعنى واحد لكن الإتيان فيه سهولة ويسر
أما المجيء ففيه صعوبة وشدة ويقولون السيل المار على وجهه يقال له
أتيّ مرّ هكذا يأتي بدون حواجز لأنه سهل.
(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ (17) النمل) ليس هنا حرب،
(وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ (16) يوسف) هذه فيها قتل.