إِشْكَالِيَّةُ الصِّحَافَةِ العَرَبِيَّةِّ: حَتَّى الأَقْنَانُ المُعَلِّقُونَ مِنَ الفُتَاتِ ذَائِقُونَ! (1)
د. آصال أبسال| كوبنهاغن (الدنمارك)
وهكذا، وبمثابة تعليق بئيس عابر على تقرير صحفي افتتاحي أبأسَ حديثِ العهد، تقريرٍ افتتاحي كان قد صدر في صحيفة «القدس العربي» الغنية عن التعريف إفكا ورياءً تحت العنوان المتباكي استخذاءً، فيما يتبدى، «ترامب والقضية الفلسطينية: تصريحات تعيد أزمات النكبة إلى الواجهة»، كان قد صدر في اليوم السادس والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) عام 2025.. وهكذا، أيضا، فإن هذا التعليق البئيس قد تجشم عناءَ كتابته قنٌّ عتوفٌ يوحي شكله المخنّثُ من شدة العتفِ والنمص بواحدة من أولئك البغايا المسترجلات ولا شك في هذا بتةً، قنٌّ عتوفٌ غيرُ جديرٍ بالذكر أصلا لولا أنه يستعمل الاسم المستعار الشهير «محمد علي» لكيما يوحيَ عن قصد أو عن غير قصد بذلك الأصل الوضيع مجتمعيا وتاريخيا الذي كان قد تحدّر منه هو وأسلافه الأحيائيون.. وعلى فكرة، ممّا يستوجبُ التنويهَ ها هنا، نحن لسنا على الإطلاق ضدَّ أي شكل من أشكال تحرير أو حتى تحرُّر العبيد أينما كانوا في أيِّما جزءٍ من أجزاءِ هذا العالم، وعلى الأخص أمثال أولئك العبيد الشرفاء الكادحين والمتمردين النفورين بطبعهم والذين سمّاهم الناشط الثائر الأفرو-أمريكي الفذّ مالكولم إكس اصطلاحا بـ«عبيد الحقول» Field Slaves، على النقيض الكامل والمطلق حدّا من أمثال أولئك العبيد الحقراء الماهنين والمتملّقين المتزلّفين والمشهورين بلعق النعالِ والأستاهِ ممّن هم أعلى منهم شأنا والذين سمّاهم الناشط الثائر الأفرو-أمريكي الفذّ نفسه اصطلاحا كذلك بـ«عبيد المنازل» House Slaves، في المقابل – باختصار شديد، هذا القنُّ العتوفُ الدرغميُّ الدنِيُّ الزرِيُّ لا يعدو أن يكون، والحال هذه، واحدا من أمثال «عبيد المنازل»، لا بل أدنى وأزرى بكثيرٍ حتى.. وبغض الطرف عن تيك الطبائع الدميمةِ والمسيخةِ التي تمتاز بها صحيفةٌ عربية كمثل «القدس العربي»، وهي الصحيفةُ المُعَرَّفَةُ آنًا بعد آنٍ أيّما تعريفٍ بـ«استقلالها السياسي» المصطنَعِ اصطناعا بالمعنيين الإفكي والريائي كما ذُكر، وكذاك بانتهاكها اللاإنساني واللاأخلاقي اللكيعِ لحقوق القراء والقارئات في التعليقِ والردِّ على التعليق تصعيدا على حدٍّ سواء، ناهيك عن تَبَجُّحِهَا الزيفي بنشر «أجود» التقارير الصحفية و«أعمقها» في العرض والتحليل طرّا، يتكلّف ذلك القنُّ العتوفُ الدرغميُّ الدنِيُّ الزرِيُّ عناءَ تدوين تعليقه البئيسِ الذي ليس له إلا أن يجترَّ المفرداتِ والعباراتِ اجترارا ببغائيًّا غائيًّا نظرا لافتقاره الكلّي، أو بالكاد، إلى أيِّما نوع من أنواع الأصالة في القول وفي الفعل كما تقتضيه عادته الببغائيةُ الغائيةُ في التقليد الإمّعي الممضّ والرتيب في هكذا قول وفي هكذا فعل، يتكلّف ذلك القنُّ العتوفُ الدرغميُّ الدنِيُّ الزرِيُّ عناءَ تدوين تعليقه البئيس، لكي نكرر مرة أخرى، مثلما ورد في حقل التعليق المعنيّ في الصحيفة المعنيةِ بالحذفار والحذافير على النحو الآتي (عدا أننا قد أجرينا عليه بعضا من التقويمات اللغوية والأسلوبية من أجل تقويم نسبيّ لأسلوبه الركيك في الأساس، هذا على الرغم من تقديم نفسه ادّعاءً تحت اسم مستعار آخر كذاك بأنه «شاعر» بحقّ دون أن نرى منه شعرا حقيقيا أو شبيها به قط):
[بغية التماس الحل الناجع لمسألة هجرة اليهود الطوعية والسلمية من فلسطين وعودة أصحابها وأهلها إليها، وضع مؤخرا المفكر اليهودي البروفيسور إيهودا يوسي روزنتال اقتراحا أعتبره، أنا شخصيا، إبداعيا للمشكلة الفلسطينية، اقتراحا يتمثل في مغادرة اليهود لفلسطين سالمين وإقامة دولة يهودية في ولاية نيويورك الأمريكية بالذات لأن هذه الولاية، كما قال، تسكنها أغلبية يهودية، وتمتد على مساحة واسعة تبلغ حوالي 141300 كيلو متر مربع، فهي بعكس فلسطين التاريخية كلها التي تبلغ مساحتها حوالي 27000 كيلو متر مربع، وهي (أي ولاية نيورك) ذات ثروات هائلة وموارد كثيرة وإمكانات ضخمة، وهي كذلك بعكس فلسطين، ليس لها سكان أصليون يدافعون عنها إلى الأبد. وأشار روزنتال إلى أن فكرته هذه تساهم في حماية دماء اليهود وأرواحهم وأموالهم وأمنهم، وفي إيقاف مآسي الفلسطين والظلم المستمر الواقع عليهم. وأوضح روزنتال أخيرا بأن ما يسهل تحويل فكرته إلى واقع ملموس هو أن ولاية نيويورك مقدسة بالنسبة إلى اليهود حيث ذكرت تلميحا احدى عشرة مرة في التوراة. وقال بأنه إذا تم تحقيق ما أسماه بـ«رؤية روزنتال»، فإنه سيكون هناك جنتان على الأرض: جنة فلسطين الفلسطينيين وجنة نيويورك اليهود، وسيتوقف سفك الدماء والقهر والحقد والعذاب والألم، وستتلاشى المعاناة والكراهية]..
وسواء كان ذلك القنُّ العتوفُ الدرغميُّ الدنِيُّ الزرِيُّ، لكي نكرر مرة ثالثة ها هنا، سواء كان يتجشم عناءَ التدوين بالغبنِ والغباءِ فعلا أم كان يتذوّق الفتاتَ وحسبُ بما يتواءمُ في هذا تواؤمًا مع أصلهِ الوضيعِ أصلا، فإن هذا التعليقَ الذي يبدو في ظاهر الأمر متّزنا سليما ولا تشوبه شائبة (بعد إجراء التقويم اللغوي والأسلوبي النسبي، بطبيعةِ الحالِ)، إن هو في حقيقة الشأنِ إلا تعليقٌ منفصلٌ انفصالا كليًّا عن الواقع الملموس بأغلاطهِ المفهومية الشائنة وبترّهاته وخزعبلاته الخرافية البائنة.. ونكتفي في هذا السياقِ تحديدا بذكرِ خمسةٍ من تلك الأسبابِ الانتقادية، أو بالأحرى من تلك الدواعي التفكيكية، لعلها تساهمُ أولا وآخرًا في الدحضِ الحاسمِ لكل فكرة «رئيسية» من الفكرات التي وردت تباعا في متن هذا التعليق الذي لا يظهر أن القصدَ منه إنما هو إفادةُ القارئات والقراءِ المهتمين بالأمر، بل إن القصدَ منه ليس سوى التضليلِ والتشويشِ بعينهما، وليس من ثَمَّ سوى التشويهِ المتعمَّد لوجهٍ من وجوهِ الحقيقةِ في حدِّ ذاتها – أقولُ «المتعمَّد» هنا وذلك بعَنْيِها كلَّ العَنْيِ من لدن واضع الاقتراح روزنتال نفسهِ، من جهةٍ أولى، وكذلك فضحا ضمنيًّا أو حتى صريحا لمدى السذاجةِ والغُفول الإمَّعيَّينِ اللذين كان ذلك القنُّ العتوفُ المعنيُّ قد وقعَ في أشراكهما لمدعاةٍ لا يمكن أن تُعزى إلا إلى جهلهِ المطبقِ في أمورٍ حسّاسةٍ جدا كهذه، من جهةٍ أخرى.. أولا، أيا كان الفارق الكبير بين مساحتي فلسطين ونيويورك كما هو مبيَّن في متن التعليق، لم يزل مع ذلك ثمة أمريكيون كثيرون يكرهون اليهود كرها تحريميا لاعتقاد الأوائلِ إلى حد اليقينِ بأن الأواخر إنما هم السبب الجوهريُّ في شدِّ كل أشكال الفتن والمشاكل. ثانيا، القول بأن نيويورك ليس لها سكان أصليون إن هو إلا قولٌ خرافيٌّ لا يعتمد إلا على تلك الفانتازيا من «تفسيرات» المغرضين المتطرفين والمتشدّدين بأن هناك ستة عشر تلميحا للمدينة المعنية في التوراة (وليس أحد عشر تلميحا، كما يخطلُ المعلق الجهول). ثالثا، هذه الفانتازيا، لو صحّ «فهم» المعلق الجهول لما يأتي به روزنتال من ترّهات بروفيسورية بائنة، ليس لها إلا أن تسعى سعيا وراء طمس التاريخ الفعلي للآمَرْ-هُنود، وهم سكان أمريكا الأصليون (بدلا من توخّي التسمية العنصرية بـ«الهنود الحمر»)، وليس لها بالتالي إلا أن تشاطر طوعا لا كرها طموحاتِ أمريكا الاستعماريةَ والإمبرياليةَ كذلك – خاصةً وأن معظم دول الجنوب العالمي تعلنُ الآن احتجاجَها على ما صرّح به العنصريُّ الشعبويُّ ترامب من تصريحاتٍ عدوانية واستقوائية على الدول الضعيفة. رابعا، حتى أمريكا برمتها ليس لها أيُّ تلميحٍ في التوراة ذاتًا (ناهيك عن نيوريورك) سوى ذلك الاعتماد على أشكال فانتازيا «تفسيرية» مشابهة، لا في سِفْر حجاي (الإصحاح الثاني: 6-7) ولا في سِفْر إشعياء (الإصحاح السادس والستون: 18-20) ولا حتى في سِفْر زكريا (الإصحاح الثاني عشر: 2-3). فليس كل «بروفيسور»، بما أن القنَّ العتوفَ المعنيَّ مهووسٌ بألقاب أكاديميةٍ كهذه، يأتينا بأضغاثِ تخيُّلاتٍ وتخميناتٍ كما يحلو له، وذلك استنادا إلى تلك الفانتازيا «التفسيرية» المنوَّه عنها قبل قليل. خامسا، وأخيرا وليس آخرا، وحتى السيد المسيح (الذي عاش في فلسطين القرن الأول للميلاد، أي بعد وجود تلك «التلميحات» التوراتية المشار إليها كذاك بقرون، والذي من المفترض أنه كان قد هضم فحوى التوراة بأكمله)، حتى السيد المسيح نفسه لم يكن يعلم شيئا عن أمريكا ولا حتى عن أستراليا..
وماذا بعدُ في الختامِ من هذا المقال، لا بد من الإقرار الصريح والنزيه ها هنا بأن الأسبابَ الانتقادية، أو بالأحرى الدواعي التفكيكية، الخمسةَ هذه ليست من بنات أفكاري، أنا شخصيًّا، بل من بنات أفكار أستاذي السوريِّ العزيز وهو المقيم في كل من دبلن ولندن حسبما يقتضيه مقتضى الحال، إذ كان قد عبّر عنها في تدوين عابر حين صدور تقرير الافتتاح المعنيِّ وقتَها.. فما قمتُ به في هذا المقال الفريدِ من نوعه، إذن، إنما هو إعادةُ صَوْغٍ لغويٍّ وأسلوبيٍّ لهذه الأسبابِ الانتقاديةِ، أو لهذه الدواعي التفكيكيةِ، الخمسة وذاك بما يتناسب إنبائيًّا أو حتى إخباريًّا في هذا مع مقتضيات كل من الشكل والمضمون، سواءً بسواءٍ، فضلا كذاك عن توظيف حشد من المعلومات التوضيحية الهامّة في السياق بغية الإفادة والتوثيق الموائمين ليس إلا.. وما حثني على إعادةِ الصَوْغِ اللغويِّ والأسلوبيِّ هذه، علاوةً على ذلك، إنما هو امتناعُ هيئة التحرير الحرونُ عن نشر تلك الأسباب، أو الدواعي، الثلاثة الأولى لحاجةٍ «مثلى» في نفسِ يعقوبَ، إن صحَّ القول، أو كطبيعةٍ «أمثلَ» من تيك الطبائع الدميمةِ والمسيخةِ التي تمتاز بها صحيفةٌ عربية كمثل «القدس العربي» في حد ذاتها.. هذه الصحيفةُ الدَّعِيَّةُ كانت، ولمَّا تزلْ، تُثْبِتُ أنها مثالٌ في الإفكِ والرياءِ بكلِّ ما تحتويهِ هاتانِ الكلمتانِ من معنى أو من معانٍ، لقد نشرت تقاريرَ سياسيةً و/أو ثقافيةً ملأى بأشكال الالتباس والمغالطة أفَّاكةً مرائيةً – والكثيرُ يعرفونَ ذلك، كما بَلَغَنَا من مصادرَ موثوقةٍ، ولقد نشرت تعليقاتٍ وردودًا في كل من المجالين المذكورين لم يكن لها سوى إثارة حفائظ المتلقّينَ والمتلقّياتِ أفَّاكةً مرائيةً – والكثيرُ يعرفونَ ذلك، كما وَصَلَنَا من مصادرَ موثوقةٍ كذلك.. وها هي الآنَ تزداد تماديا في الإفك والرياءِ المتجذِّرَيْنِ حتى النخاعِ من وراءِ قناعٍ تمثيليٍّ آخرَ ترتديهِ من جديدٍ بعد أن انكشفتْ أوراقُها كلُّها – ولم يبقَ أحدٌ لا يعرفُ هذا، وكفى باللهِ شهيدًا!!..
***
ملاحظة هامة
هذه المقالات التي يتمُّ إعدادُها في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ أصلا في حيِّ الرمالِ من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذْ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ والهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الفاشي العنصري الإجرامي والهمجي والبربري هو الآخَرُ على مدى أكثر من حَوْلٍ كاملٍ من الزمان الآن، يبدو أن مركز «الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المُزَلْزِلِ في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2023 (وهذا اليوم بالذاتِ قد شهد الذكرى السنوية الأولى لهذا الحدث الجلل في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت 2024).. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرّ من الجَمْرِ في عودة هذا المركز الفريد إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب.
هام إلى المحررين الكرام
كما بلغني من الدكتورة آصال أبسال بمقالها الرائع كعهدها
أنها أرسلت لكم النسخة المصححة من هذا المقال للنشر – أما هنا فقد نشرتم النسخة غير المصححة
يرجى تدارك الشأن ونشر النسخة المصححة المرسلة إليكم بدلا من هذه النسخة غير المصححة
مع جزيل الشكر