القصة.. تطور وتاريخ
بقلم د. محمد عبدالعظيم حبيب
القصة أهم فرع أدبى إنسانى فمن خلالها نحس بمشكلات المجتمع؛ لأنها تقوم بعرضها فى قالب سردى على لسان المجتمع نفسه ، والمبدع لا ينقل الأحداث كما هى بل تتغلل فى كيانه ومخيلته أولا ومن ثم ينقلها بعد ذلك فى إبداعه، والعمل القصصى ليس سهلا كما يتخيله البعض؛ لأنه يسبر أغوار النفس الإنسانية، لذا يجب أن يكون أسلوب القصة مرنا ورشيقا، ويجب على المبدع التمرن على أدوات اللغة لاكتساب هذا الأسلوب.
والقصة فن ليس بجديد على الأدب العربى، ففى الأدب الجاهلى قصص كثير يتحدث عن أيام العرب وحروبهم. وفى القرآن الكريم قصص عن الأنبياء ومن أرسلوا إليهم، وقد تُرجم فى العصر العباسى كثير من قصص الشعوب، ومن أشهر ما ترجم كتاب كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة.
والرحلة كفن قديم هى عبارة عن قصة واقعية، عمد الرحالة إلى تسجيلها، وعمدت الدول إلى تسجيل رحلاتهم كما فعل المصريون القدماء بكتابتها على جدران المعابد وغيرهم من أصحاب الحضارات المعاصرة للحضارة المصرية، وكان من أهم الأسباب فى تدوين هذه الرحلات حاجة الدول إلى معرفة الطرق الكبرى التى تصل أقاليمها، ومن ثم ألفت كتب كثيرة فى وصف المسالك والممالك .
وتعد المقامة نوع من القصص تصور مغامرات أديب متسول، ويعد بديع الزمان الهمذانى مخترع هذا اللون ثم جاء من بعده الحريرى ثم جاء اليازجى فى أوائل القرن التاسع عشر .
ويجب أن نضع فى الاعتبار أن القصة بشكلها الحديث تختلف عن المقامة القديمة، فالمقامة حديث أدبى بليغ، وهى أدنى إلى الحيلة منها إلى القصة، فليس فيها من القصة إلا الظاهر فقط، أما هىفى حقيقتها فحيلة .
وهناك قصة حى بن يقظان لابن طفيل وهى قصة فلسفية تثبت الاتفاق التام بين العقل والشريعة أو الفلسفة والدين .وهذه القصة تدل على سبق العرب للكُتاب الأوربيين فى اختراع القالب القصصى؛ لذا تعد من أعظم وأروع الأعمال العالمية ـ في رأيى ـ ، وكانت مصدر إلهام للكثير من الكتاب الأوربيين كجراسياناليسوعىالأرجونىفى قصته الكريتيكون . وظهرت القصص الشعبية التى كان لها عظيم الأثر فى انتشار العامية قبل السينما ـ كما يقول النقاد ـ .
أعاد المصريون تأليف قصة ألف ليلة وليلة بالعامية المصرية، وأضافوا إليها قصص أخرى كقصة على الزيبق إضافة إلى قصص عنترة، والظاهر بيبرس، وسيف ذى يزن، وغيرها .
ثم جاء رفاعة الطهطاوى، فترجم مغامرات تليماك، وسماها مواقع الأفلاك فى وقائع تليماك، وأدخل آراءه الشخصية فى تلك الترجمة؛ فخرجت عن الأصل وكأنها قصة جديدة .
وهذا محمد المويلحى حاول أن يدخل فن القصة المعروفة عند الغرب بصورة عربية، ولم يكن للمويلحى سوى مثال واحد وهى قصة علم الدين لعلى مبارك، فحاول أن يبحث عن إطار عربى لقصته، حتى لايخرج عن أسلوب المحافظين الذين يأبون محاكاة النماذج الأدبية الغربية.وسرعان ما هداه تفكيره إلى إطار المقامة، فألف حديث عيسى بن هشام، واتخذ بطل قصته من جيل سابق على جيله؛ فاختار أحمد باشا المنيكلى ناظر الجهادية المتوفى سنة 1850م، واستلهم قصة أصحاب الكهف فى القرآن؛ لأنه محافظ على التراث العربىوالإسلامى رافض لأى مظهر من المظاهر الغربية .
وقام محمد حسين هيكل بكتابة أول قصة على النمط الغربى وهى زينب، وقد كتبها فى باريس، وهذه القصة تمثل لنا الريف بعاداته وتقاليده ، انتقد فيها المجتمع الذى لا يجعل للمرأة حرية الاختيار متأثرا بقاسم أمين ،وبما قرأه فى الأدب الفرنسى.
وهناك العديد من كتاب القصة بعد محمد حسين هيكل كطه حسين الذى امتاز بتصوير الحياة المصرية فى كثير من قصصه مثل الأيام ،ودعاء الكروان، وشجرة البؤس، وتناول قصة شهر زاد المعروفة فى ألف ليلة وليلة وعرضها بأسلوبه البارع الطريف. وتعد الأيام من أروع ما كتب طه حسين ، عرض فيها ذكرياته عن الطفولة والشباب بصراحة وشجاعة.
وهذا إبراهيم عبدالقادر المازنى الذى اهتم بالجوانب النفسية، فاعتمد على التحليل النفسى المستمد من الحياة اليومية وهذا الاتجاه إلى التحليل النفسى يستمده من الكُتاب النفسيين الأوربيين، وتشيع عنده كما تشيع عندهم النظريات المعروفة من عُقَد وما إلى ذلك، على نحو ما نرى فى قصة إبراهيم الكاتب و عود على بدء .
واعتمد العقاد فى قصته سارة على التحليلين النفسىوالعقلى، وسيطرت شخصية العقاد التي تبالغ في التفسيرات المنطقية على القصة.ثم جاء توفيق الحكيم، ومحمود تيمور، ونجيب محفوظ، واعتمدوا جميعا على التحليل الاجتماعى، فتوفيق الحكيم اعتمد على تجارب عاشها وعايشها، فرواية يوميات نائب فى الأرياف كتبها نتيجة اختلاطه بالمجتمع أثناء عمله فى النيابة وفى مراكز ريفية. عرض فيها وصفا دقيقا للريف المصرىوكيف أن أهله لا يفهمون مدلول القانون، وكيف يتشدد الحكام فى حكمهم مبينا عيوب النظم الإدارية والقانونية.واهتم محمود تيمور بإبراز العيوب الاجتماعية والواقعية، فقصة سلوى فى مهب الريح قصة تحليلية واقعية للجانب العابث فى حياة الطبقة الارستقراطية، وبطلتها سلوى فتاة فقيرة تضطرب فى خضم الحياة وتدفعها عوامل البيئة والوراثة إلى الخطأ. واهتم نجيب محفوظ بتصوير الشخصيات والمواقف المختلفة بصورة شديدة الواقعية مع التركيز على العادات ،والتقاليد، والقيم الاجتماعية في المجتمع المصرى.