ريدان
شعر/ سعيد الصقلاوي
نشرت عطرك في دمي و شرياني
فيا “ظفار” سكنت نبض وجداني
***
لو لا الهوى ما اتخذت الريح مركبتي
ولا احتملت اللظى ما بين أجفاني
***
ولا غرقت و عالي الشم تمنعني
من السقوط بموجات وقيعانِ
***
و لا قلقت و مثلي كله جلدٌ
إن الحوادث تأتي دون حسبانِ
***
ولا أرقت من الهم الممض ولا
كابدت شوقي في سري و إعلاني
***
و لا تعبت ورا الأخبار أتبعها
في كل زاوية أو كل ميدانِ
***
ولا لجأت إلي العراف أسأله
عما اعترى خلدي أو ما تغشاني
***
ولا رجوت افتضاح الصبح يفصح لي
مما يعربد في أعماق كتماني
***
ولا فتَشْتُ خيوط الشمس في لهفٍٍ
عن الطيوف تعنّيني بإدمانِ
***
لكنه الحب في الأحشاء مصطخب
يا حبذا الحب من أنحاء “ريدان”
***
فللجمال احتفال في مرابعها
وعرس حلم على نجد و وديانِ
***
وللفنون اشتعال في مسارحها
وللينابيع فيها لحن عيدانِ
***
و للبحار اهتزاج في سواحلها
و للشموخ بريق فوق “سمحانِ”
***
وللطيور غناء المجد من قدمٍ
وللنسيم أريج من شذا البانِ
***
تبارك الله جلاها و صورها
صنو الجنان و أهداها لإنسانِ
***
بنوك قد شيدوا من علمهم إرما
ما شادها قبل علم الإنس و الجانِ
***
للفن آيته، والسحر طلعته،
والحسن غرته، صنيع فنانِ
***
جاء الفراعين “حتشبسوت” تقدمهم
في موكب من جلال القدر والشانِ
***
الود مأملهم، والصدق محملهم
حسن الخلائق إحسان بإحسان
***
شيسور”ألقى ضحاها فيض بهجته”
على المدائن فاختالت كنيسانِ
***
“سمهْرم” اشتهى النساك نفحتها
من “سومريٍ” و”آشوري” وكلداني
***
و”فارسيٍ” و”كوليٍ” بها فتنوا
و”بابليٍ” و”روماني” و”يوناني
***
صحائفٌ بحميد الذكر ناطقةٌ
يزهو بها زمنٌ في إثر أزمانِ
***
فالمجد يعشقه صبٌ به كلفٌ
ما هاب نصل الردى أو سيل بركانِ
***
يا أخت “مسقط” في عزٍ و في شممٍ
على الصخور أبيدت سطوة الجاني
***
و أخت “نزوى” فؤداً خفقه حدبٌ
و صوت حقٍ على بغيٍ و طغيانِ
***
وأخت “صور” مضاءً و قده هممٌ
ترنو له قممٌ، في أفق أكوانِ
***
أخت “صحار” التي في الدهر قد صمدتْ
كحصنها الصامد الأبراج صوانِ
***
و أخت “عبري” التي من قلبها انطلقتْ
جحافل النصر تمحو جذر عدوانِ
***
هاهمْ بنوك و عين الله تحرسهم
للنجم معراجهمْ في هدي قرآنِ
***
ماضيهمُ قبسٌ في صبح حاضرهمْ
يبنون في ثقةٍ عزيز أركانِ
***
و يغرسون بذور الخير في حلمٍ
قد طرزوه أحاسيساً بأوطانِ
***
و يلبسون عطول الدهر زينته
عقداً من الخلد، لا عقداً من الفاني
***
ينافسون السنا في فجر طلعته
ويغمرون الربى في جد إخوانِ
***
ويسبقون الصبا في طيب أردان
وينثرون الندى في كل بستانِ
***
مهد النبيين لا حلّتْ بها نوبٌ
ولا تضعضع منها ركن بنيانِ
***
ولا تعاورها أنواء عاصفةٍ
ولا تبدل منها رسم عنوانِ
***
ولا تناهبها أظفار حسدها
ولا تناهشها أنياب غيلانِ
***
يا من تغلغلتِ في روحٍ و جثمانِ
ومن تهللتِ في فكرٍ و إيقانِ
***
ومن ترسختِ في وجدان وجداني
ومن توهجتِ في أنصال فرسانِ
***
أنا العمانيُّ لا أرضى بخذلانِ
ولا حملتكِ إلا شمس برهانِ
***
ولا سكبتكِ إلا بين أجفاني
ولا جعلتكِ إلا دُرّ تبيانِ
***
ولا نقشتكِ إلا فوق شهبانِ
ولا اتخذتُ سوى الرحمن معوانِ
***
فالحرُّ مذهبه زخات نورانِ
ملء الفضاء ضحى لا خيط دخانِ
***
عينٌ مسهدةٌ لا عين نومانِ
قلبٌ يموج منىً لا قلب غفلانِ
***
نفسٌ مطهرةٌ من كل شنآنِ
الحُرُّ شيمته إيفاء بلدانِ
——————————-
(١) ريدان هو اسم ظفار في التاريخ القديم. وكان حاكمها يدعى ( ذو ريدا).